انتخابات إقليم كردستان العراق تسلك طريقها إلى الحل على أرضية التقارب بين الحزبين الرئيسيين

خطوات للتهدئة تنطلق من بغداد وتشمل بتأثيراتها أربيل والسليمانية.
الاثنين 2024/06/03
انفراجة طال انتظارها

توافق الحزبين القائدين للسلطة في إقليم كردستان العراق بشأن انتخابات برلمان الإقليم، كان قبل فترة وجيزة يبدو بعيد المنال في ظل التوتر السياسي الشديد الذي ساد علاقة الحزبين، لكنّ رغبة بغداد في إرساء تهدئة عامة في العراق تكون أرضية لتنفيذ مخطط تنموي طموح لحكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني فتحت الباب لتهدئة مماثلة داخل الإقليم.

أربيل (العراق) - سلكت أزمة انتخابات إقليم كردستان العراق طريقها نحو الحلّ وذلك على أرضية من التهدئة والتقارب بين الحزبين الرئيسيين في الإقليم، الحزب الديمقراطي الكردستاني وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني.

ولم تكن بغداد التي استقبلت مؤخّرا العديد من القادة والمسؤولين في الإقليم بعيدة عن حلحلة الأزمة، كما يبدو أنّ واشنطن لعبت من جهتها دورا في ردم الهوّة بين الحزبين القائدين للعملية السياسية في كردستان العراق، وذلك من منطلق حرصها على تماسك تجربة الحكم الذاتي التي وقفت أصلا وراء إنشائها في الإقليم.

واختار الحزب الديمقراطي الذي يقوده أفراد أسرة بارزاني محافظة السليمانية المعقل الرئيس لحزب الاتحاد الوطني بقيادة ورثة الرئيس العراقي الراحل جلال طالباني، للإعلان عن إنهاء قرار مقاطعته لانتخابات برلمان الإقليم والذي سبق أن اتّخذه احتجاجا على إدخال المحكمة الاتحادية العراقية تعديلات على قانون الانتخابات وطريقة إجرائها والهيئة المشرفة عليها.

لكن القضاء العراقي نفسه عاد وفتح الطريق لإنهاء الأزمة بتراجعه الجزئي عن تلك التعديلات، بينما أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في العراق (هيئة اتّحادية) تعذّر إجراء الاستحقاق في موعده المحدّد سلفا بالعاشر من شهر يوليو الجاري وترك مجلس النواب العراقي لرئاسة الإقليم تحديد موعد جديد له.

وأعلن مسؤول الفرع الرابع للحزب الديمقراطي الكردستاني في السليمانية آري هرسين، الأحد، قرار الحزب بالمشاركة في الانتخابات المقبلة. وقال لوسائل إعلام محلية “كنا باستمرار على استعداد للمشاركة في الانتخابات، إلا أنه كانت لدينا بعض الملاحظات بخصوص آلية إجرائها". وعزا تراجع الحزب عن قرار المقاطعة إلى القرارات الجديدة للقضاء العراقي قائلا “مع التغييرات الحاصلة الآن، سنشارك في الانتخابات المقبلة”.

وتقترح مفوضية الانتخابات تاريخ الخامس من شهر سبتمبر موعدا لإجراء انتخابات برلمان إقليم كردستان العراق، وخاطبت مؤخرا رئاسة الإقليم بشأن تحديد موعد لها.وأوضح هرسين أنّه سيتم تقديم اقتراح المفوضية إلى الرئيس نيجيرفان بارزاني الذي “سيقوم بالتشاور مع القوى السياسية في الإقليم لتحديد موعد جديد لإجراء الانتخابات البرلمانية وفقا لما هو متعارف عليه في الإقليم”.

آري هرسين: بعد التغييرات الحاصلة سنشارك في الانتخابات المقبلة
آري هرسين: بعد التغييرات الحاصلة سنشارك في الانتخابات المقبلة

وجاء إعلان المسؤول الحزبي عن المشاركة في الانتخابات تنفيذا لقرار مركزي اتّخذه المكتب السياسي للحزب الديمقراطي برئاسة مسعود بارزاني في اجتماع له طلب خلاله من فروع الحزب بدء استعداداتها للمناسبة واختيار مرشحين لها.

وتحّدث آري هرسين عن مشاركة الحزب الديمقراطي في الانتخابات خلال مؤتمر صحفي انعقد في مقر الاتحاد الوطني في محافظة السليمانية بمشاركة مسؤول المركز الأول لتنظيمات الاتحاد زياد جبار الذي قال من جهته “كنّا دائما مع السعي لإجراء الانتخابات في أسرع وقت. والآن ننتظر رئيس إقليم كردستان لتحديد موعد الانتخابات بعد التشاور مع القوى السياسية”.

وكان لافتا التغيير الواضح  في موقف حزب الاتّحاد الوطني الكردستاني من قضية تأجيل الانتخابات، والانتقال من المطالبة بإجرائها في الموعد المحدّد سابقا إلى التأكيد على وجوب إجرائها في أقرب وقت ممكن بالمطلق ودون تحديد.

وجاء الموقف الجديد لحزب الاتحاد كمظهر على حالة التهدئة التي بدأت تسود علاقة الحزبين الرئيسيين في إقليم كردستان العراق بعد فترة من التوتّر والخلافات حول العديد من الملفات ترجمها التراشق الإعلامي والتصريحات السياسية شديدة اللهجة من الجانبين.

وبلغ التوتّر السياسي حدّ اتهام كل حزب للآخر بالتواطؤ ضدّه مع قوى وأطراف خارجية. ويتهم الحزب الديمقراطي غريمه الاتحاد الوطني بالتآمر عليه مع أحزاب وفصائل شيعية مسلّحة موالية لإيران، بينما اتّهم الاتّحاد غريمه الديمقراطي بالتواطؤ ضدّه مع تركيا وتحريضه لها على ضرب مناطق نفوذه على أساس أنّها تؤوي عناصر تابعة لحزب العمال الكردستاني الذي يخوض حربا ضدّ القوات التركية.

ومثّل احتفال حزب الاتّحاد الوطني بالذكرى التاسعة والأربعين لتأسيسه مناسبة للتهدئة وخفض التوتّر، حيث بعث نيجيرفان بارزاني القيادي في الحزب الديمقراطي برسالة إلى رئيس الاتّحاد بافل جلال طالباني هنّأه فيها بالمناسبة مثنيا على “الحضور البارز للحزب والدور الفاعل لرئيسه في العملية السياسية لإقليم كردستان وفي العراق ككل”.

ومن جتهه تجاهل طالباني الخلافات بشأن الانتخابات وموعدها وقال في مقابلة صحفية له بمناسبة الاحتفال بذكرى تأسيس حزبه إنّ هدفه هو أن يجعل من الحزب القوة السياسية الأولى في الإقليم، متوقّعا تحقيق الاتّحاد لنتائج جيّدة في الانتخابات القادمة. وبشأن موعد إجراء الانتخابات اكتفى طالباني بالقول “الأميركيون يؤيدون إجراء الانتخابات في أسرع وقت ممكن ويدعمون مشاركة الجميع”.

ويشير ذلك بوضوح إلى دور واشنطن التي زارها بافل طالباني مؤخّرا إثر زيارة مماثلة قام بها في وقت سابق مسرور بارزاني رئيس حكومة إقليم كردستان والقيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، في تهدئة الخلافات بين الحزبين اللذين تريد الإدارة الأميركية منهما نبذ خلافاتهما والتفرّغ للحفاظ على كيان الإقليم باعتباره أحد حلفائها الموثوقين في المنطقة وموطئ قدم مضمون لها في العراق.

◙ التهدئة في إقليم كردستان والشروع في حلحلة عدد من مشاكله تمثّل صدى لحالة التهدئة بين سلطات الإقليم والسلطات الاتحادية العراقية

ويرى متابعون للشأن العراقي أنّ التهدئة في إقليم كردستان، والشروع في حلحلة عدد من مشاكله، تمثّل أيضا صدى لحالة التهدئة بين سلطات الإقليم والسلطات الاتحادية العراقية.

واستقبلت بغداد على مدى الفترة الأخيرة العديد من قيادات وكبار مسؤولي الإقليم لاسيما من الحزب الديمقراطي الكردستاني الذين أجروا اتّصالات مكثّفة مع أركان حكومة رئيس الوزراء محمّد شياع السوداني وقادة الأحزاب والفصائل الداعمة لحكومته ضمن الإطار التنسيقي الشيعي.

وخلال زيارته الأخيرة لبغداد فتح رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني مع السوداني والعديد من الشخصيات الحزبية الفاعلة في السلطة المركزية عدّة ملفات خلافية من بينها انتخابات الإقليم وحصّة الأخير من الموازنة الاتّحادية ورواتب موظفيه واستئناف تصدير النفط عبر خطّ كركوك – ميناء جيهان التركي.

ويرصد مراقبون وجود توجّه لدى حكومة السوداني لحلحلة مختلف القضايا الخلافية بين جميع أفرقاء الساحة العراقية بما في ذلك الخلافات التي تطال إقليم كردستان، وذلك بهدف فرض أكبر قدر من الهدوء والاستقرار والتفرّغ لإنجاز مشاريع تنموية طموحة تتطلب إقناع مستثمرين أجانب وشركاء إقليميين ودوليين بالانخراط في العملية التنموية التي تأمل في إطلاقها بالبلد.

ويرى هؤلاء أنّ استقرار كردستان وتماسك سلطاته المحلية عاملان مهمّان لمضي حكومة السوداني في مخطّطها، ذلك أنّ مشروعا من حجم طريق التنمية الذي تعتزم بغداد تنفيذه بالشراكة مع كل من تركيا والإمارات وقطر يستدعي ضمان قدر كبير من الاستقرار الأمني والسياسي في الإقليم الذي يتوقع أن تكون أراضيه ممرا للطريق الذي سيمتد من جنوب العراق عند المنطقة المطلّة على مياه الخليج إلى حدود تركيا.

وعلى هذه الخلفية تحدّثت مصادر عراقية عن تحقيق تقدّم ملموس في حلحلة قضايا الانتخابات والموازنة والرواتب وتصدير النفط خلال زيارة بارزاني الأخيرة إلى بغداد.

ونقلت وسائل إعلام محلية عن مهدي عبدالكريم القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني قوله إنّ الزيارة مثّلت “نتيجة طبيعية للأجواء الجيدة بين الحكومة الاتحادية والإقليم”، وعكست “الجدية في السعي لحل الخلافات العالقة بما يخدم المصلحة العامة”، مؤكّدا أنّ “رئيس الحكومة الاتحادية يستجيب بشكل فاعل لحل المشاكل وفقا للدستور وهذا يعتبر عاملا لتعزيز الثقة بين بغداد وأربيل”.

3