امتيازات للمرأة الكافلة للأطفال بمصر لتعويض الأمومة

التسهيلات الممنوحة للنساء تمثل تحولا في احتضان المزيد من الأطفال.
الأحد 2023/11/26
حماية قانونية

منحت التعديلات التشريعية، التي صادق عليها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، المرأة الكافلة نفس الحقوق المتعلقة بالأم الطبيعية. وذلك بهدف تشجيع النساء على كفالة الصغار.

القاهرة - رفعت مصادقة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أخيرا على تعديل قانون الطفل الصادر قبل 27 عاما، بمنح امتيازات للسيدة الكافلة للأطفال اليتامى ومنتسبي دور الرعاية، الكثير من الأعباء عن المرأة العاملة في الجهاز الإداري للدولة والقطاع الخاص، ما يجعلها تستطيع عيش حياة الأمومة ولو كانت عزباء، فالمهم توافر القدرة على الرعاية والتربية والتنشئة بلا ضغوط معيشية تؤثر على نمو الطفل المكفول.

ومنحت التعديلات التشريعية التي صادق عليها الرئيس المصري المرأة الكافلة فرصة أن تتفرغ لرعاية الطفل الذي احتضنته من مؤسسة اجتماعية، بحيث تحصل على نفس الحقوق المتعلقة بالأم الطبيعية، في الإجازة المرتبطة برعاية الطفل والحقوق الوظيفية الأخرى، لتشجيع النساء على كفالة الصغار من خلال منحهن كأمهات بديلات نفس المزايا التي تمنحها الحكومة للأم الأصلية لتسهيل مهمتها في التربية.

رعاية واهتمام
رعاية واهتمام

وعلت أصوات الكثير من المصريات العزباوات أو المطلقات ولم ينجبن للمطالبة بحقهن في كفالة الأطفال، لكن ثمة شروطا تعجيزية اعترضت طريقهن لتحقيق ذلك، بسبب الأوضاع الاجتماعية والظروف المعيشية والتعقيدات القانونية، لاسيما نمط الحياة المرتبطة بالمرأة العاملة التي لا يحق لها الحصول على إجازة لرعاية الصغير، طالما لم تنجب أطفالا وتصبح أما، وهي مشكلات عالجتها الحكومة في القانون الجديد.

وتستهدف الحكومة المصرية من وراء العطايا الممنوحة للنساء الراغبات في كفالة الأطفال مجهولي النسب أو غيرهم من المدرجين على قوائم دور الرعاية الاجتماعية، توسيع مهام السيدات اللاتي لديهن أسر مستقرة لدمج الصغار عائليا، مع مساعدة المرأة التي ترغب في كفالة طفل ماليا ووظيفيا لرفع العبء عنها، لأن هناك الكثير من المطالبات النسوية في هذا الشأن، والمعضلة كانت تتعلق بكيفية وضع بنود تشريعية تحقق مصلحة الطفل والمرأة معا.

وبموجب التعديلات القانونية الجديدة تحصل المرأة العاملة التي تكفل طفلا على نفس الإجازات المقررة للأم الطبيعية، وهي أزمة واجهت العديد من النساء اللاتي يرغبن في كفالة صغار لا تتجاوز أعمارهم بضعة أشهر، لكن الحكومة تداركت المشكلة وقررت تفرّغ السيدات لتربية صغارهن المكفولين، بحيث لا يكون هذا البند عائقا أمام العزباوات والمطلقات والأم التي لم تنجب من قبل لكفالة طفل يحتاج إلى الأمومة.

أمومة بلا زواج

عبير سليمان: كفالة الأطفال حل إنساني للمرأة والطفل ولا يجب النظر، بأي طريقة كانت، إلى التقاليد البالية
عبير سليمان: كفالة الأطفال حل إنساني للمرأة والطفل ولا يجب النظر، بأي طريقة كانت، إلى التقاليد البالية

ظلت مشكلة الكثير من المصريات في مسألة كفالة طفل ليس لديه أسرة، هي قضية التفرغ للتربية خاصة في الشهور الأولى من حياة الصغير؛ فلا تعرف الموظفة كيف تبرر انقطاعها عن العمل لفترة طويلة ولن تعترف جهة العمل، سواء كانت حكومية أو خاصة، بأنها سترعى صغيرا تكفلت به، لأنها ليست متزوجة. وهي مشكلة رأت الحكومة أنها عائق كبير أمام منح العزباوات حق الكفالة والأمومة دون زواج.

وأصبحت هناك مزايا ممنوحة للنساء العاملات أو أي امرأة أخرى ترغب في كفالة طفل، وتشمل توفير بطاقات دعم تمويني للصغير وإعفاءات من مصروفات التعليم إلى حين التخرج في المدرسة أو الكلية، وتخصيص أماكن إقامة في المدن الجامعية مجانا، في محاولة لتسريع كفالة النساء للأطفال، دون عائق تدهور مستواهن المعيشي أو تدني رواتبهن في الوظائف، بما لا يجعل كفالة الصغار عبئا إضافيا عليهن.

ولم تعد الحكومة ترغب في أن تكون هناك أعباء على المرأة الكافلة بسبب ظروفها المادية وما إذا كانت تسمح بذلك أم لا، أو لديها موارد يمكن من خلالها الإنفاق على الطفل من عدمه، وعليها أن تبدي رغبتها في احتضانه من مؤسسة مجتمعية وتقوم الدولة بتحمل الأعباء التعليمية والصحية والغذائية، بحيث لا تشكل عبئا على السيدة، دون النظر إلى هويتها أو انتمائها إلى طبقة اجتماعية بعينها، فالمطلوب فقط أن ترعى الطفل.

عانت أميمة إبراهيم، وهي فتاة قاهرية في العقد الثالث من عمرها، من محاولات كفالة طفل من مؤسسة اجتماعية وعجزت عن إقناع جهة عملها بالتفرغ لرعايته، فهي تزوجت ولم تنجب وانتهت حياتها بالطلاق، ولم تعد تفكر في تكرر التجربة مرة أخرى وترغب في أن يكون لها طفل تربيه وتعلمه ويعيش معها، واصطدمت بمشكلة التفرغ حتى صارت محتارة بين ألّا تكفل طفلا أو تستقيل من الوظيفة لتتولى رعايته.

وقالت أميمة لـ”العرب” إن التعديلات التشريعية الأخيرة كفيلة بأن يكون لدى كل عزباء وسيدة متزوجة ولم تنجب فرصة لتعيشا الأمومة بلا تعقيدات أو مشكلات روتينية، وتظل المشكلة كامنة في نظرة المجتمع إلى المرأة التي تكفل طفلا بلا إنجاب، حيث تطالها النظرات كأنها دخلت علاقة غير شرعية وتقوم بتربية طفل نجم عنها، أو ينعتها البعض بالمرأة العاقر، وهنا تكون المواجهة مرتبطة بشجاعتها وقوتها.

وقررت أميمة العودة إلى التقدم بطلب رسمي لكفالة طفل صغير والحصول على إجازة طويلة من وظيفتها للتفرغ لرعايته وتربيته وتَجاهُل نظرات المجتمع والمقربين والأهل، من منطلق أن المرأة لا يجب أن تظل أسيرة للوصاية على تصرفاتها وأخلاقها، ولو كانت تقوم بفعل إنساني ترغب من خلاله في تعويض طفل عن أسرته التي لا يعرف عنها شيئا، ومن حقه أن يندمج عائليا ولا ذنب له في أن هناك فئة تتهكم أو لا تنصف الأم البديلة.

مكافأة للكفيلات

هالة منصور: المرأة الكافلة بحاجة إلى حماية دينية لإسكات الأصوات التي تحرّم عليها احتضان طفل غريب عنها
هالة منصور: المرأة الكافلة بحاجة إلى حماية دينية لإسكات الأصوات التي تحرّم عليها احتضان طفل غريب عنها

ما يرفع المزيد من الأعباء عن المرأة الكافلة أنها لن تواجه أزمة في السكن عندما يكبر الصغير ويصبح شابا، حيث ستخصص الحكومة لمثل هذه المرأة نسبة من الوحدات السكنية التي تنشئها للأبناء الذين تتم كفالتهم، مع إتاحة استقلالهم لوسائل النقل العام مجانا، وهي مزايا لم تكن ممنوحة من قبل، لكنها جاءت كمكافأة للنساء اللاتي يكفلن أطفالا.

وإذا أرادت المرأة الكافلة أن توفر للطفل بيئة ترفيهية وهي لا تمتلك القدرة المادية على ذلك فلن تواجه أزمة لتحقيق رغبتها هي وصغيرها؛ فالحكومة قررت إعفاء الأطفال المكفولين لدى السيدات والأسر من اشتراكات ورسوم النوادي والمتنزهات وعضوية المراكز الرياضية التابعة للدولة، وطالما أن الطفل مدرج على اسم أم كافلة أو امرأة عزباء أو تزوجت ولم تنجب فسوف يتمتع بخدمات التأمين الصحي كاملة.

وتعكس الامتيازات الممنوحة للسيدات اللاتي لديهن رغبة في الكفالة أن الحكومة ترغب في توصيل رسالة إليهن تفيد بأنها لا تطلب منهن سوى التربية الصحيحة للأطفال ورعايتهم، على أن تقوم مؤسسات الدولة بتوفير احتياجاتهم التعليمية والصحية والترفيهية والسكنية مستقبلا، وتبقى العبرة في تحرك المرأة نحو أن تكون كافلة وتستطيع الصمود ومواجهة الأصوات المتشددة مجتمعيا في احتضانها للصغير.

التسهيلات الحكومية الممنوحة للنساء الراغبات في كفالة الأيتام ومجهولي النسب نقطة تحول في ملف الأطفال المدرجين على قوائم المؤسسات الاجتماعية

وأكدت عبير سليمان، الناشطة في قضايا وحقوق المرأة بالقاهرة، أن الكثير من النساء لديهن قدرة على الاستقلال الأسري والمادي واتخاذ القرارات الشخصية، وهو ما استفادت منه الحكومة وأسست عليه تعديلات تشريعية توسع دائرة الكفالة، وتنعكس على غالبية الصغار الذين ينشدون العيش في أجواء أسرية طبيعية، والميزة الأهم في التعديلات القانونية أنها رفعت غالبية الأعباء النفسية عن المرأة الحضانة.

وأشارت في تصريح لـ”العرب” إلى أن “كفالة الأطفال حل إنساني للمرأة والطفل ولا يجب النظر، بأي طريقة كانت، للتقاليد البالية؛ لأن النساء اللاتي حرمن من الإنجاب سوف توفر لهن الكفالة الشعور بالأمومة المفقودة، وهذا أيضا ما يوقف إحساس الطفل بالحرمان الأسري ويجعله مندمجا في المجتمع بشكل أكبر، ومطلوب نشر هذه الثقافة بعيدا عن الموروثات، والتركيز على النساء في البيئات المحافظة”.

ويصعب فصل التقارب الحكومي المتسارع مع النساء اللاتي لديهن رغبة في الكفالة عن وجود توجه رسمي للدولة يقوم على زيادة معدلات احتضان الأطفال بهدف التخفيف عن دور الرعاية ودمج الصغار أسريا في بيئة آمنة توفر لهم كل متطلبات الحياة، لأنه مهما كانت عناية المؤسسات التي تقوم بدور إنساني وتربوي، فهناك حلقة فارغة مطلوب ترميمها من خلال تنشئة الطفل مع امرأة توفر له الأمومة المفقودة.

رقم في معادلة

حل إنساني
حل إنساني

هناك أسر عديدة تكفل أطفال المؤسسات الاجتماعية، لكنْ تظل النساء اللاتي لم ينجبن أو لم يتزوجن رقما مهما في المعادلة، وقد يكون العديد منهن أشد حرصا ورعاية للصغير من الأسرة التي لديها أبناء؛ بحكم أن السيدة العزباء، أو المطلقة أو التي تزوجت ولم تنجب أو التي ترفض الزواج، تسخّر حياتها للطفل المكفول وتتعامل معه باعتباره ابنها الوحيد الذي لن تبخل عليه بالرعاية والاهتمام والتنشئة الصحيحة بحكم التفرغ له.

ويرى متخصصون في شؤون الطفل أن التسهيلات الحكومية الممنوحة للنساء الراغبات في كفالة الأيتام ومجهولي النسب نقطة تحول في ملف الأطفال المدرجين على قوائم المؤسسات الاجتماعية، لأن السيدات الفئة الأكثر قبولا للكفالة، لكنْ مطلوب من الحكومة أن تعزز آليات حماية المرأة الكافلة من الاستهداف اللفظي والمعنوي، وتكون هناك خطة لتقديمها إلى المجتمع باعتبارها أكثر إنسانية وشجاعة ومثلا أعلى لغيرها.

وأوضحت هالة منصور، استشارية العلاقات الاجتماعية في القاهرة، أن المرأة الكافلة بحاجة إلى حماية دينية لإسكات الأصوات التي تحرم عليها احتضان طفل غريب عنها بدعوى أن ذلك يرقى إلى مرتبة التبني ولا يصح أن تعيش مع شخص غريب، وهي نوعية من الفتاوى تثير مخاوف شريحة من النساء ترفض التمرد على القيم المجتمعية، وهذا دور محوري للمؤسسات الدينية والإعلامية والحكومية.

وذكرت لـ”العرب” أن “منْح المرأة العاملة نفس حقوق الأم الطبيعية، طالما كفلت طفلا، هو انتصار للكثير من السيدات بشكل يزيد من معدلات الكفالة، ويسهل مهمة تنشئة الصغار في بيئة صحية، ما يمكنهم من الاندماج في المجتمع، لأن العبء الوظيفي كان عائقا أمام تحقيق الكفالة، ومع زيادة معدل الاحتضان من النساء يظل مرتبطا بتحسين صورة المجتمع لهذا النوع من التكفل شريطة نسف المعتقدات الخاطئة حوله”.

ويصر البعض من رجال الدين على تبني رؤية شاذة بشأن كفالة الأطفال، خاصة من جانب النساء، حيث يروجون فكرة أن احتضان المرأة لطفل غريب حرام شرعا، بزعم أنه قد يطلع على جسدها، لأنه يحل له الزواج منها، وهي نظرة جنسية تتجاهل الأبعاد الإنسانية والاجتماعية للأطفال، فيما تظل المؤسسات الدينية صامت خشية الدخول في صدام مع أصحاب الرؤى المتشددة، لذلك تنأى بنفسها عن المواجهة.

15