امتلاك الذكاء الاصطناعي.. أكبر حروب البشرية

حالنا مع الذكاء الاصطناعي يشبه حال أعمى وضع على رأسه مصباحا. لن ينفع حمله. المصباح ينفع المبصرين، ونحن لسنا مبصرين. تأثيرات الذكاء الاصطناعي على العالم أعمق بكثير من تطبيقات نحمّلها على هواتفنا الذكية نتلهى بها.
تأثيرات الذكاء الاصطناعي وصلت إلى حد تلعب فيه دورا هاما في كسب الحروب وخسارتها. ليس هذا فقط، الذكاء الاصطناعي يشارك في اتخاذ قرار بدء الحرب والاستمرار بها وتوقفها.
ونحن، في العالم العربي، مازلنا نعتقد بأننا بذلنا كل ما هو مطلوب لنصبح جديرين بأن نكون، ليس فقط شركاء في هذه التغيرات، بل في وسطها. بينما في الواقع نحن بعيدون عنها كل البعد؛ لسنا حتى على أطراف التغييرات.. بل نعيش خارجها تماما.
الموقف السلبي مما يدور حولنا موروث رافقنا على مدى ألف عام وأكثر، طالما استخدمنا أدوات العصر الصناعي، إلّا أننا كنا دائما نعيش على أطراف هذا العصر.. مجرد مستهلكين.
هل يبدو لكم هذا المشهد مألوفا؟ فلاح في الحقل يستخدم مضخة لري الزرع، في نفس اللحظة تحلق فوق رأسه طائرة، يرفع يده للسماء متضرعا طالبا من الله أن يحقق ابنه النجاح، ليراه كابتن “قد الدنيا”.
بعض الحكومات العربية، التي احتقرت الزراعة، ظنت أنها بإقامة مصانع للسيارات تعلن دخولها العصر الصناعي. بينما في الحقيقة كل ما أقامته هو مشاريع فاشلة، من أجل أن يُقال إنها دول مصنعة.
حملنا معنا إرث الفشل ودخلنا به عصر الذكاء الاصطناعي، دون أن نفتح أعيننا على ما يجري من حولنا. وباستثناء أمثلة معدودة، لم نقف لنوجه لأنفسنا أسئلة مصيرية تتعلق بالبيئة والفضاء والطاقة البديلة والصحة وتكنولوجيا المستقبل والتغيرات الاقتصادية وما قد ينجم عنها من أزمات غذائية.
صحيح أن الذكاء الاصطناعي يستخدم في كل هذه المجالات، لكن امتلاكه لا يعني أننا وجدنا حلولا لهذه التحديات. الفجوة التي طالما تحدثنا عنها بين الدول النامية، ونحن من ضمنها، وبين العالم الصناعي، مصيرها ليس إلى التضاؤل، بل آخذة في الاتساع، لتبلغ حدا يصعب معه تخيل كيف يمكن تقليصها، ناهيك عن ردمها.
نحن اليوم مبهورون، حكومات وشعوبا وأفرادا، ليس بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي التي يمكن توظيفها لتسريع التطور والاكتشافات، بل بالذكاء الاصطناعي الذي حولناه إلى لعبة نتلهى بها.. وفي أفضل الأحوال نستخدمها للتأكد من معلومة أو كتابة نص أو تصحيح اللغة أو ترجمة عبارات يومية من لغة إلى لغة أخرى.
لقد نجونا سابقا بهامشيتنا، لكننا لن ننجو مستقبلا إذا استمر وقوفنا على الهامش. في الماضي نجونا لأننا كنا ننتج ما يكفي شعوبنا من مواد غذائية، قبل أن تتضاعف أعدادنا وقبل أن يقضي التغير البيئي والجفاف على حصتنا من المياه.
في ظل هذه التغيرات نحن بأمس الحاجة إلى الذكاء الاصطناعي ليس من أجل قتل الوقت، الفعل الذي أمضينا حياتنا بالقيام به حتى أصبحنا لا نجيد غيره، بل بحثا عن حلول نؤجل بها اندثارنا.
الذكاء الاصطناعي تكنولوجيا مهمة جدا، عندما نكون شركاء فيها، وليس مجرد مستهلكين، في الوقت الذي تتسابق دول العالم لزيادة حجم استثماراتها بهذه التكنولوجيا وتطبيقاتها. هل وقفنا لحظة لنتساءل عن حجم الاستثمار بالذكاء الاصطناعي الذي لم يمض على وجوده بيننا أكثر من ثلاث سنوات؟
وفق أرقام رسمية، شكلت استثمارات الذكاء الاصطناعي العام الماضي 35.7 في المئة من إجمالي استثمارات رأس المال الاستثماري العالمي. وبحسب بيانات من موقع “بيتش بوك” المختص بنشر بيانات رأس المال العالمي، فإن معدل الاستثمار في الذكاء الاصطناعي بالولايات المتحدة بلغ 45.8 في المئة، و25.6 في المئة في أوروبا، و19.3 في المئة في آسيا.
بينما أكتب هذه الكلمات، ظهر على شاشة الكومبيوتر خبر نقلا عن وكالة أسوشيتد برس جاء فيه أن عملاق الرقائق الإلكترونية، شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات (تي.أس.أم.سي)، أعلن عن خطط لاستثمار 100 مليار دولار في الولايات المتحدة، وذلك بالإضافة إلى 65 مليار دولار من الاستثمارات التي كانت الشركة قد أعلنت عنها سابقا.
الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي نقل الخبر عنه، ظهر إلى جانب الرئيس التنفيذي للشركة، في البيت الأبيض، واصفا الاستثمار بأنه “خطوة هائلة” و”مسألة تتعلق بالأمن الاقتصادي”.
بالنسبة لترامب “أشباه الموصلات هي العمود الفقري لاقتصاد القرن الحادي والعشرين. في الواقع، بدون أشباه الموصلات، لا يوجد اقتصاد. فهي تشغل كل شيء، من الذكاء الاصطناعي إلى السيارات والتصنيع المتقدم. يجب أن نكون قادرين على تصنيع الرقائق وأشباه الموصلات التي نحتاجها هنا، في المصانع الأميركية، بأيدي العمال الأميركيين وبمهاراتهم.”
لا أعلم حجم الاستثمارات العربية، ولكن ما أعلمه، أننا في حاجة ماسّة إلى التكنولوجيا، وليس للألعاب التكنولوجية. فورة الذكاء الاصطناعي أنستنا هذه الحقيقة، واعتقدنا أننا إذا امتلكنا الذكاء الاصطناعي على هواتفنا الذكية امتلكنا العالم.
حتى وقت قريب كان العالم يتحدث عن الاستثمارات بلغة المليون، اليوم أصبح يتحدث بلغة المليار، وبعد وقت قصير جدا سيتحدث بلغة التريليون. عندها لن يكفي ذكاء العالم كله، البشري والاصطناعي، لردم الفجوة.
الحرب الدائرة حول امتلاك الذكاء الاصطناعي، أكبر الحروب التي خاضتها البشرية. اسألوا ترامب، يؤكد لكم ذلك.