اليوبيل الذهبي على عبارة "تنذكر وما تنعاد"

“تنذكر وما تنعاد”، عبارة لم يزل يرددها اللبنانيون في ذكرى الحرب الأهلية من كل عام في شهر أبريل تحديدا في الثالث عشر منه.
في هذا التاريخ من عام 1975 يؤرخ اللبنانيون بداية الحرب الأهلية، على اعتبار أن الشرارة الأولى انطلقت من حادث “بوسطة عين الرمانة”. تلك التي كان على متنها فلسطينيون عائدون من إحدى الاحتفالات لمنظمة التحرير الفلسطينية، والتي مرتّ في شوارع منطقة عين الرمانة (ذات الأغلبية المسيحية)، في قضاء بعبدا جبل لبنان، حيث حصل تبادل لإطلاق النار وسقط العشرات من القتلى، ما أدى سريعا إلى توسع دائرة الحرب في مختلف المناطق اللبنانية.
استمرت الحرب 15 عاما بين عامي 1975 و1990. وشهدت انتهاكات جسيمة، من تهجير جماعي قسري واضطهاد طائفي وقصف عنيف للمناطق الآمنة وتفجيرات بسيارات مفخخة وخطف وقتل على الهوية الطائفية وتجنيد للأطفال.
حرب أهلية يعيشها اللبناني على مواقع التواصل الاجتماعي حيث يستخدم فيها كافة أنواع أسلحة التجريح والإهانات، والملفت إنها لا توقر حتى الشعارات الدينية والرموز
ورغم مرور أكثر من 35 عاما على نهاية الحرب، إلا أنّ البوسطة لا تزال تمرّ في شوارع لبنان تنتظر من يوقظ الفتنة من جديد.
“اليوبيل الذهبي” هو الاحتفال الذي يقام بمناسبة مرور خمسين عاما على حدث تاريخي معين، بهدف التذكير به.
المشكلة في لبنان أنّ اليوبيل الذهبي اليوم من المفترض أنه يمرّ على حدث انتهى، وكان شرارة لأسوأ مرحلة في تاريخه. لكنّ الملف قابل لكي يتكرر في أي لحظة، لأنّ اللبناني من نهاية الحرب إلى يومنا هذا لا يزال يتخبط في أزمات هي قابلة لإشعال الحرب من جديد.
تغيّر اللاعبون في لبنان، فانحسر الدور الفلسطيني عما كان عليه في الساحة اللبنانية، وأصبح حزب الكتائب حزبا سياسيا ذا تمثيل خجول في الشارع المسيحي بعدما كان يمثل الأغلبية الساحقة. ولكنّ لم ينحسر الدور الإسرائيلي الذي يعمل دائما على إطلاق شرارات الحرب الطائفية في هذا البلد.
الدور الإسرائيلي دائما حاضر ويحتاج إلى “الفتن” لشرذمة القرار والموقف اللبناني الرسمي كما الشعبي، وهو دائما يستفيد من السياسة الأميركية على لبنان والتي لطالما تشكل عنصر ضغط لأخذ هذا البلد على التسويات أو حتى على التطبيع كما هو الحال اليوم.
لبنان اليوم ليس على ما يرام، فهو في المشهدية ذاتها التي كان عليها قبل خمسين عاما، حيث اقتصاده يشهد انهيارا، وهناك شبه تخل عربي ودولي عن دعمه، إضافة إلى أن موضوع تسليم حزب الله لسلاحه جدل يتفاعل، لا بل يأخذ طابع المواجهة التي قد تتحول إلى صدام مباشر بين اللبنانيين.
تشهد الساحة اللبنانية اليوم تحركات متسارعة تركز على نزع سلاح حزب الله، حيث أكد رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام على ضرورة الحفاظ على سلطة الدولة وتأكيد حصرية السلاح بيدها، فيما بيّن حزب الله أنه مستعد لمناقشة مستقبل سلاحه مع الرئيس اللبناني جوزيف عون شرط انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان. هذا ما أكد عليه النائب في كتلة حزب الله حسن فضل الله الخميس العاشر من أبريل الجاري من أن “الحزب مستعد للحوار من أجل الاتفاق على إستراتيجية دفاع وطني”.
شكل سلاح حزب الله معضلة في الداخل اللبناني، لأنّ هناك فئة لبنانية تعتبر أن وجود السلاح انحرف عن مساره الطبيعي من فعل “مقاوم”، ليصبح أداة ينفذّ الأجندة الإيرانية في المنطقة. فهذا الفريق يعتبر أن هذا السلاح يدخل البلاد في حروب عسكرية هو في غنى عنها، كما أن احتفاظ الحزب بسلاحه يفقد لبنان الدعم العربي والدولي المشروط بتسليم الحزب سلاحه للشرعية اللبنانية.
لا يختلف اثنان في لبنان على الدور الذي يلعبه حزب الله الخارجي والذي ارتبط بالأجندة الإيرانية، وأصبح أداة تفاوضية لا بل ورقة طهران الأقوى في المنطقة للتفاوض مع الغرب على برنامجها النووي. لهذا فلن يسلم الحزب سلاحه، مهما أطلق من عناوين حول هذا الموضوع، وهذا تحديدا ما سيزيد في الشرخ الداخلي والانقسام الذي بات عاموديا.
حرب أهلية يعيشها اللبناني على مواقع التواصل الاجتماعي حيث يستخدم فيها كافة أنواع أسلحة التجريح والإهانات، والملفت إنها لا توقر حتى الشعارات الدينية والرموز.
لهذا يشهد الواقع شحنا داخليا يعيد التذكير بما كان عليه لبنان قبل بداية الحرب. فها هي البوسطة تجوب المناطق، وها هم المتربصون بإشعال الفتنة والصراع جاهزون لكن بفارق بسيط عن السابق هو أن النظام السوري الذي لعب دورا رئيسيا في إشعال الصراعات في لبنان قد دُحر، وأن الخارج تحديدا البعض من الدول العربية الصديقة والغربية تعمل على وأدها وعلى إبعاد هذا الكأس المرير عن لبنان.
كان بإمكان هذا البلد أن ينهي درب الجلجلة ويفوت على المتربصين بعدم العبث بأمن لبنان ومواطنيه، لو فعلا تم تطبيق بنود اتفاق الطائف الذي وضع عام 1990 لأجل خلاص هذا البلد. لكن طالما اللبناني لم يتعلم ولم يحاسب فالسؤال المطروح هل ستعود تلك الحرب من جديد وهذه المرة من بوابة سلاح الحزب وانتمائه؟