الوهم
في دراسة اجتماعية حديثة جدا، سجلت نساء بريطانيات اعترافات غير تقليدية على مسؤولية الحب، بعد أن تأكد لهن أن الدراسة تدار من قبل موقع إلكتروني مع ما يوفره من حصانة وسرّية لاعترافاتهن هذه. ولهذا، أشارت نسبة كبيرة من المشاركات (قرابة 40 بالمئة) إلى اعتقادهن الراسخ بأن الرجل الأول في حياتهن الذي رحل في ظروف غامضة مازال على عهد الحب الأول، وأن شريك الحياة الحالي الذي وصل في ظروف أكثر غموضا إلى حياتهن، مازال على تعلقه وحبه لحبيبته الأولى رغما عن قوانين الزمان والمكان!
ووصف الباحثون هذه النتائج بأنها خطيرة للغاية، فالأوهام التي على مثل هذه الشاكلة تعد من المسببات الأولى لفشل العلاقات الزوجية أو العلاقات التي كان يفترض أن يكتب لها الاستمرار أمدا طويلا.
وهذا “الهوس” بالماضي، كما وصفه أحد الباحثين، ما هو إلا كذبة اخترعتها نساء يشعرن باليأس وعدم الرضا بسبب الجروح النفسية التي تركتها في قلوبهن علاقات حب سابقة لم يقدر لها النجاح. فلماذا لا يزال بعضنا ينظر إلى الماضي ويرفض أن يتحسّس خطواته وهو يسير إلى الأمام؟
يعتقد أن طريقة الانفصال التي تؤدي إلى نهاية قصة الحب، قد تترك أثرا عميقا لا يزول مع الزمن، فالانفصال الذي تسببه خيانة أحد الطرفين أو تدخل أطراف أخرى بصورة مزعجة هو الذي يترك آثارا أكثر من غيرها، كما أن إحساس أحد الطرفين بالذنب بسبب ارتكابه خطأ يعجّل بنهاية العلاقة لأحد هذه الأسباب، كأن يكون فضّل على حبيبه شخصا آخر لا يستحق كل هذه التضحية ليكتشف هذه الحقيقة بعد فوات الأوان، فيصبح الإحساس بالذنب والحب الذي يتجدد معه ملازمين لصاحبه ولا يستطيع تجاوزهما.
أما إذا كانت هذه هي تجربة الحب الأول، فإن الخسارة تكون غير محتملة لما يترافق معها من مشاعر عاصفة يتعرف من خلالها الإنسان للمرة الأولى للألم والخسارة غير المتوقعة ولا يعرف كيف يتعامل معها.
هناك أيضا سبب لا يقل أهمية عن علاقة الحب ذاتها، وهو اعتقاد الكثيرين بأن شخصا بالذات هو توأم لروحه بحسب الأسطورة اليونانية ومعضلة النصف الذي يقضي حياته باحثا عن نصفه الآخر الذي يكمله، وهذه بحسب متخصصين في علم النفس الاجتماعي من أكثر المعتقدات خطورة، والحقيقة أن السعادة لا ترتبط بالضرورة بشخص بعينه، فهناك أشخاص رائعون في حياتنا يمكن أن يمثلوا لنا السعادة بأوجه مختلفة، وإن غياب هذا الشخص الذي كان يمثل النصف الذي نفتقده هو الأسطورة الحقيقية ويوما ما سيحين الوقت للتخلص منها، حيث ستعاد الأمور إلى نصابها.
الابتعاد عن الوهم من شأنه أن يجنبنا التعرض للأذى العاطفي في المستقبل، مع أهمية النظر إلى الأمام والتطلع إلى ما نمتلكه في اللحظة الحاضرة.
لكن الحقيقة التي غفل عنها هذا البحث الرصين، تقول إنه على الرغم من أن بعض العلاقات قد تنتهي في غضون دقائق بعد أن ينطق الطرفان فيها بكلمة وداع في اللحظة الأخيرة، إلا أن كلمة الوداع هذه قد تكون فاتحة لجرح نفسي كبير لدى البعض الآخر لا يلتئم بمرور الزمن خاصة في علاقات الحب الصادقة، ليبقى وجه صاحبها يلاحق شريكه مثل شبح عنيد يأبى أن يغادر روحه إلا عند عتبة نهاية الحياة.
كاتبة عراقية مقيمة بلندن