الولايات المتحدة لم تغير من استراتيجيتها في الساحل الأفريقي

التفاوض مع الجهاديين يضع الأميركيين في مأزق جديد.
الأحد 2021/04/04
لا قرارات أميركية حاسمة لوقف تمدد الجهاديين

أجواء التفاؤل التي أشاعها حضور وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في اجتماع عُقد في تشاد في فبراير الماضي بشأن النشاط الجهادي في الساحل الأفريقي لم تترجم بعد على أرض الواقع حيث لم تطرأ بعد أيّ تغييرات على استراتيجية واشنطن في المنطقة ما يثير مخاوف من استمرار تمدد الجهاديين.

واغادوغو - بالرغم من التفاؤل الذي بدا على المجتمعين من قادة غرب أفريقيا وفرنسا في فبراير الماضي في تشاد حول عودة الولايات المتحدة إلى بذل جهودها لمكافحة المتمردين الإسلاميين في منطقة الساحل فإن استراتيجية واشنطن في تلك المنطقة لم تعرف بعد تغييرات.

ومثّل حضور وزير الخارجية في الإدارة الأميركية الجديدة أنتوني بلينكن حينذاك رسالة أمل للمجتمعين حيث تنزلت هذه الخطوة بعد أيام قليلة من توليه منصبه ما يعكس اهتماما من إدارة بايدن بالمنطقة.

وأعرب المشاركون في الاجتماع حينها عن ارتياحهم لـ”عودة أميركا” إلى المنطقة التي تشهد تمردا بعد أن بدا عدم اليقين حول اهتمام الولايات المتحدة بالمنطقة الذي ولد خلال عهد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب يتبدد بعيدا عن رمال الساحل، وهي منطقة شبه قاحلة تمتد عبر شمال أفريقيا. لكن واشنطن كانت خلف حليف قديم هو فرنسا.

ويرى مراقبون أن المشكلة الوحيدة أن الولايات المتحدة عادت بنفس دفتر اللعبة القديم الذي لم يساعد البلدان المتعثرة ومنها مالي وبوركينا فاسو وموريتانيا وتشاد والنيجر في محاولتها مكافحة التمرد الإسلامي الأسرع نموا في العالم.

وقال بلينكن في القمة “في الوقت الذي تسعى فيه الجماعات التابعة لداعش والقاعدة لتوسيع نطاق انتشارها في جميع أنحاء أفريقيا، ستواصل الولايات المتحدة العمل بشكل وثيق مع شركائها الأفارقة” مضيفا “سنبني على الجهود القائمة في غرب أفريقيا ونتبادل الدروس في الحرب العالمية ضد التطرف العنيف”.

تلاشي اهتمام واشنطن

جهود قائمة في غرب أفريقيا لمحاربة التطرف لكن غير كافية
جهود قائمة في غرب أفريقيا لمحاربة التطرف لكن غير كافية 

جعل تمرد يقوده الطوارق في شمال مالي في 2012 المنطقة أرضا خصبة للمسلحين الإسلاميين وموطئ قدم لهم. واليوم تعاني منطقة الساحل الأفريقي من التحالف الجامع للجماعات الموالية لتنظيم القاعدة وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين وتنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى. وقد توغلت معا في بوركينا فاسو وإلى غرب النيجر مما أسفر عن مقتل الآلاف من سكان تلك المناطق وتشريد الملايين.

وبدا لافتا التراجع الكبير لاهتمام واشنطن بالمنطقة على مر السنين، لكن الهدف النهائي المتمثل في منع الإسلاميين المسلحين من التخطيط لهجوم على الأراضي الأميركية ظل على حاله، مثله مثل عدسة مكافحة الإرهاب التي ترى الولايات المتحدة وحلفاؤها الصراع من خلالها.

ومنذ سنة 2013 قادت باريس الجهود الدولية وتدير حاليا 5100 عسكري نُشروا ضمن عملية برخان. وتُشرك بعثة الأمم المتحدة المتكاملة متعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي، وهي قوة لحفظ السلام، أكثر من 15 ألف فرد من العناصر النظامية من 60 بلدا. ويُشكّل حوالي 5 آلاف جندي من القوات المشتركة لمجموعة دول الساحل الخمس. وفي يونيو تشكّلت فرقة العمل العسكرية الأوروبية تاكوبا وهي تواصل بناء قدراتها. وتقدم الولايات المتحدة الدعم اللوجستي والتدريب وتنظم عمليات في جميع أنحاء المنطقة. وقد أشارت مجموعة الأزمات الدولية إلى هذا الحشد العسكري على أنه ازدحام للعمليات الأمنية.

وقال الباحث المختص في شؤون المغرب العربي والساحل الأفريقي هاني نسايبية “على مر السنين كان التركيز يحوم حول استهداف الجماعات المسلحة وقتل أكبر عدد ممكن من المقاتلين. ولكن عندما تنظر إلى هذه الجماعات فإنك ترى أنها محلية. ويظل السبب الجذري هو التفاوتات المختلفة على المستوى الاجتماعي والسياسي والاقتصادي”.

ففي بوركينا فاسو، وهي دولة يبلغ عدد سكانها نحو 20 مليون نسمة وتضمّ أكثر من 60 مجموعة عرقية مختلفة، دفع العنف المسلح الحكومة إلى الخروج من أجزاء كبيرة من الشمال والشرق. وتحولت من إحدى أكثر البلدان أمنا في غرب أفريقيا إلى إحدى أخطر البلدان. وليس تقدم الجماعات المسلحة أكثر من حدود مالي فقط الذي أدى إلى هذا التراجع، إذ لعب العنف بين الطوائف دورا في ذلك.

المشكلة أن واشنطن عادت بنفس دفتر اللعبة القديم الذي لم يساعد بلدان الساحل في مكافحة التمرد الإسلامي

وقد استهدفت قوات أمن الدولة وميليشيا الدفاع الذاتي المنشأة حديثا مرارا وتكرارا مجموعات الأقليات العرقية التي تتهمها بالنشاط الإرهابي. وقد تحمل شعب الفولاني، المكون من الرعاة شبه الرحل، العبء الأكبر من هذه الإساءة.

وقد أدت تقاليدهم الرعوية، التي طالما همشها مجتمع بوركينا فاسو، إلى نزاعات على الموارد مع المزارعين. وقد أدت المظالم الناجمة عن هذا الوضع إلى عزل العديد من هؤلاء الذين أصبحوا أهدافا رئيسية للجماعات الإرهابية التي تبحث عن مجندين جدد.

وقبل قمة فبراير في تشاد أعربت هيومن رايتس ووتش عن وقوع أكثر من 600 عملية قتل غير مشروع ارتكبتها قوات أمن بوركينا فاسو ومالي والنيجر في عمليات مكافحة الإرهاب منذ أواخر 2019.

كما ساهمت العلاقة المشحونة بين الحكومة المركزية والسلطات المحلية في تراجع بوركينا فاسو. وتعني سنوات من عدم الكفاءة والفساد أن الرئيس روش مارك كريستيان كابوري لا يتمتع بنفوذ كبير على العديد من المناطق الريفية، على الرغم من إعادة انتخابه في نوفمبر 2020. ويعني هذا أن بعض المجتمعات المحلية قد بحثت عن الدعم والعدالة بين احضان الجماعات المسلحة.

وقالت أماندا كوكلي وهي زميلة بميلينا جيسينسكا في معهد العلوم الإنسانية في فيينا بالنمسا إنه “لم يناسب تعقيد الأزمة في بوركينا فاسو ومنطقة الساحل الأوسع نهج واشنطن في الدبلوماسية والدفاع والتنمية. ونظرا للعنف الطائفي وعدم فعالية الحكم يرى العديد من سكان الريف أن الحكومات المركزية متواطئة في تدمير حياتهم”.

وفي بوركينا فاسو يشعر العديد من القادة المحليين بهيمنة شعب موسي الذي يُشكّل أكبر مجموعة عرقية في البلاد، لذلك يتجنبون المركز مما يصعب التنمية، خاصة إذا خُطط لها من منظور مكافحة الإرهاب.

وقالت مارغريت أريوتي الأستاذة في جامعة جورجيا والمتخصصة في الحكم في بوركينا فاسو إن “ما نريد عمله هو منع الناس من الانضمام إلى تلك المجموعات أو الحصول على حافز لمساعدتها. وأفضل طريقة لذلك هي إنشاء هيكل حاكم يوفر للجميع ما يحتاجونه مع الحماية والفرص الاقتصادية والصوت السياسي”.

مأزق جديد للأميركيين

الوضع لم يتغيير
الوضع لم يتغيير

لا تبعث الأنباء الآتية من بوركينا فاسو بشأن تسجيل انخفاض في أعداد ضحايا أعمال العنف برسائل إيجابية لواشنطن بل العكس فإن تلك الأنباء تضع الولايات المتحدة أمام مأزق جديد حيث يعود ذلك الانخفاض إلى تفاوض السلطات مع الجهاديين وهي سياسة لا يتبناها الأميركيين.

ودفع الولايات المتحدة بمساعدات حقق بعض النتائج الإيجابية وهو ما أفاد بعض المجتمعات المحلية، وحسّن تدريب بعض القوات المحلية ومعداتها. لكن واشنطن لا تزال تواجه مزاعم انتهاكات قوات أمن الدولة المستمرة، رغم إصدار تحذير صارخ في يوليو 2020 من أن المساعدات قد تكون مهددة ما لم تُنجز إصلاحات أكثر صرامة.

وقال مسؤول في وزارة الخارجية الأميركية، طلب عدم الكشف عن هويته، “نعطي الأولوية لقضية حقوق الإنسان وقد أثرناها مع القيادة السياسية والعسكرية في بوركينا فاسو. وتحث الولايات المتحدة شركاءها في بوركينا فاسو على إجراء تحقيقات شاملة في أيّ مزاعم بانتهاكات لحقوق الإنسان ومحاسبة من تثبت مسؤوليتهم”.

وشددت أماندا كوكلي في تقرير لها نشرته مجلة فورين بوليسي الأميركية على أنه “حتى الآن لم يُحاكم أيّ من أفراد أجهزة الأمن في بوركينا فاسو بتهمة ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان”.

ووفقا لمؤسسة مشروع بيانات أحداث ومواقع الصراعات المسلحة (أكليد)، انخفض عدد الوفيات الناجمة عن العنف السياسي خلال السنة الحالية مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، حيث لم تُسجّل سوى 87 حالة وفاة حتى الآن. لكنّ جزءا كبيرا من هذا التحسن حسب بعض المحللين يعود إلى المفاوضات بين الإسلاميين المسلحين والحكومة المركزية وميليشيات الدفاع الذاتي المحلية. وفي بلدة دجيبو الشمالية القريبة من الحدود مع مالي قال السكان المحليون إن المحادثات تعدّ السبب في عودة ما يشبه الأمن إلى مجتمعهم.

هانا أرمسترونغ: أحيانا يمكن أن يكون لنهج مكافحة الإرهاب عواقب غير مقصودة

وهذا يخلق مأزقا للولايات المتحدة التي لا تتمثل سياستها الرسمية في التفاوض مع الجهاديين، لكن لعبة المطرقة والخلد مع قادة المقاتلين تهدد بتقويض التقدم الهش الذي شهدته المنطقة حتى الآن، ويهدد برؤية أزمة الساحل تمتد إلى شمال خليج غينيا، مما سيزيد من زعزعة الاستقرار في غرب أفريقيا، ومن المحتمل أن يؤدي إلى أزمة إنسانية أكبر ويفرق المسلحين مما يصعّب من هزيمتهم.

وقالت هانا أرمسترونغ المحللة في مجموعة الأزمات الدولية “أحيانا يمكن أن يكون لنهج مكافحة الإرهاب عواقب غير مقصودة. ويصعّب وضع مكافأة على رؤوس القادة المتشددين، وهذه الأنواع من التحركات السياسية، المفاوضات والتواصل. كما تعرض هذه الممارسات الوسطاء للخطر.”

وقالت أماندا كوكلي “إعادة صياغة استراتيجية الولايات المتحدة للتركيز على حوكمة أفضل قد تتطلب نطاقا تردديا أكبر من الإدارة الجديدة، التي لا تزال تكافح من أجل توفير موظفين دائمين في مناصب الأمن القومي للمنطقة”.

وفي مارس 2020، عيّنت إدارة ترامب الخبير في شؤون أفريقيا بيتر فام في منصب المبعوث الخاص للولايات المتحدة إلى منطقة الساحل. وقد رحل دون أن تستبدله إدارة بايدن بمبعوث جديد. ولم يبادر الرئيس الأميركي بأيّ تحركات سياسية أخرى بشأن غرب أفريقيا منذ توليه الحكم. ولا تزال واشنطن تشعر بالقلق من تصاعد الإرهاب في غرب أفريقيا وتواصل الجهود الموروثة عن الإدارة السابقة لمكافحته.

وقالت مارغريت أريوت إن “الادارة الجديدة تركز على إعادة العلاقات مع حلفائنا الأوروبيين في هذه المنطقة. منذ فترة طويلة كانت الولايات المتحدة سعيدة بالدور الداعم لفرنسا. لكنني أعتقد أنه يجب أن يكون لدى واشنطن حوافز لإدراك أن استراتيجية مكافحة الإرهاب الفرنسية ليست النهج الأفضل بالضرورة”.

6