الوباء يحطم حلم مهاجر سوري في العمل بألمانيا

اختار المئات من الشباب السوريين مغادرة بلادهم والاستقرار في أوروبا، منهم من فضل الدراسة ليكون عنصرا فاعلا في مجتمعه الجديد، لكن تفشي الوباء حرم أغلب هؤلاء من هذا الحلم، كما هو الحال مع الشاب عبدالقادر تيزيني المهندس الذي يقف في طابور البطالة في ألمانيا.
برلين – عندما حصل عبدالقادر تيزيني على درجة الماجستير في الهندسة الميكانيكية من جامعة آر.دبليو.تي.اتش آخن، إحدى أرقى الجامعات التقنية في ألمانيا، اعتقد أنه لن تمر أسابيع إلا وقد حصل على الوظيفة التي يحلم بها.
لكن بعد ما يزيد على شهر انتشر فايروس كورونا في ألمانيا لتتوقف موجة من وفرة الوظائف استمرت عشر سنوات في سوق العمل بالبلاد، وكان سببا في قبول اللاجئين السوريين في ألمانيا.
والآن بعد أن قدم حوالي 800 طلب للحصول على وظيفة وحضر 80 مقابلة، لا يزال تيزيني الشاب السوري البالغ من العمر 29 عاما يبحث عن عمل.
قال تيزيني إنه حتى قبل الجائحة، لم يكن من السهل الحصول على وظيفة في أكبر دول أوروبا اقتصاديا، لكونه أجنبيا. وأضاف أن ذلك أصبح عائقا الآن بعد أن تقلصت الوظائف المتاحة.
وتابع “الشركات تقول لنفسها ‘مع أجنبي سنضطر لشرح الفكرة مرتين أما مع المواطن الأصلي فسنشرحها مرة واحدة فقط'”.
ونجح السوريون في مجالات عديدة من بينها الطب، على غرار مروة ملحيس (36 سنة)، في اكتشاف مكون نشط يمنع البروتينات من التراكم في الدماغ والتسبب في الزهايمر.
الشاب السوري مازال ينتظر فرصة عمل بعد أن قدم حوالي 800 طلب وحضر 80 مقابلة للحصول على وظيفة
كما نجح نسيم خليل (36 عاما) الذي استقر منذ 2016 في مدينة شتوتغارت، والذي تمكن من الحصول على براءة اختراع ألمانية لمرتبة ذكية العام الماضي اعتمد فيها على خاصية التنافر المغناطيسي من أجل إتاحة تموضع أفضل للجسم وخاصة للأرداف والكتف وعلاج مرضى آلام الظهر.
ومن شأن الاستغناء عن عمالة وتجميد التعيينات في الآلاف من الشركات الألمانية أن يواجه الخريجون الأجانب أمثال تيزيني منافسة ضارية مع الخريجين والمهنيين العاطلين عن العمل من أبناء البلاد الأصليين.
ولا يحق لكثيرين من الخريجين الأجانب الحصول على إعانات البطالة أو المساعدات المقررة في إطار إجراءات مكافحة فايروس كورونا على النقيض من مواطني ألمانيا ورعايا دول الاتحاد الأوروبي.
وعلى مدار السنوات العشر الأخيرة انجذب مئات الآلاف من الطلبة الأجانب إلى ألمانيا بفضل نظام التعليم الذي اكتسب سمعة عالية، ويكاد يكون مجانيا وكذلك فرص العمل الكبيرة بعد التخرج.
وتوضح بيانات مكتب الإحصاء الاتحادي أن عدد الطلبة الأجانب في ألمانيا زاد بنسبة 70 في المئة تقريبا في الفترة بين 2009 و2019.
وقالت آنيا روبرت المستشارة بجامعة آر.دبليو.تي.اتش آخن والمختصة بتوجيه النصح للطلبة في ما يتعلق بالحياة العملية بعد التخرج، إن الطلبة الأجانب في ألمانيا يجدون صعوبات أكبر مما يواجهه الألمان في العثور على وظائف.
وأضافت أن الطلب على جلسات الاستشارة والدعم النفسي التي يقدمها فريقها زاد منذ مارس عندما فرضت ألمانيا العزل العام الأول لمكافحة الجائحة.
وتابعت “في فترات القلق هذه ينزع المرء إلى البحث عن الأمان بالاعتماد على المهارات المؤكدة من اللغة والخصائص الثقافية والتفاهم”.
وقد ارتفع معدل البطالة في ألمانيا إلى 6.4 في المئة بعد أن فرضت الحكومة الإغلاق الأول، من خمسة في المئة في الأشهر السابقة، وبلغ المعدل ستة في المئة في يناير الماضي.
وخففت من أثر الجائحة على سوق العمل في ألمانيا خطة حكومية تسمح لأصحاب الأعمال بخفض ساعات العمل خلال فترة الركود الاقتصادي، لكن هذه الخطة تجعل توظيف عاملين جدد أكثر صعوبة.
وقال لودفيغ كريستيان المتحدث باسم مكتب العمل الاتحادي، إن بإمكان الشركات التي تشملها الخطة توظيف عاملين في حالات استثنائية إذا كان لديها سبب مقنع.
وأظهرت بيانات مكتب العمل أن عدد الوظائف الخالية الجديدة في ألمانيا انخفض خلال الفترة من أبريل 2020 إلى يناير الماضي بمقدار 430 ألفا أي 26 في المئة مقارنة بالفترة المقابلة من العام السابق.
ومن التحديات الأخرى التي يواجهها الطلبة الأجانب، ضعف شبكة معارفهم على المستويين المهني والاجتماعي، ومما يزيد الطين بلة إلغاء معارض الوظائف والمناسبات التي يمكن من خلالها إقامة علاقات أو تنظيمها على الإنترنت خلال الجائحة.
وقالت يانا كوهلر التي تعمل في برلين في مجال استقدام عاملين من الخارج “التواصل الاجتماعي أصبح ببساطة أكثر صعوبة، خاصة إذا كنت من بلد آخر ولست معتادا على كيفية التواصل هنا”.
كما أدى فرض العزل العام مرتين في الربيع والشتاء العام الماضي إلى إغلاق المطاعم ومتاجر التجزئة، وهو ما ساهم في انخفاض بالآلاف في فرص العمل بعض الوقت للطلبة لإعالة أنفسهم ماليا.
وفي أبريل، أشركت الحكومة الألمانية الأجانب في برنامج لإتاحة قروض حسنة للطلبة، لكن الخريجين لم تحق لهم الاستفادة من هذا البرنامج.
كذلك فإن حق الطلبة الأجانب في الاستفادة من مساعدات البطالة مشروط بالإقامة في ألمانيا لمدة خمس سنوات، وهو ما يعني أن كثيرين لا يستفيدون بها.
وقد استطاع تيزيني الاستمرار بفضل تحويلات شهرية من شقيقه.
وبعد كل هذا الوقت الذي استثمره وأكثر من عشرة آلاف يورو (أكثر من 12 ألف دولار) أنفقها على الدراسة في ألمانيا، لا تمثل العودة إلى سوريا خيارا بالنسبة إليه.
يقول تيزيني “ما من سبيل للعيش سوى بانتظار المساعدة من الآخرين، فأنا أبذل كل ما في وسعي لكن هذا كله يذهب هباء”.