الواقع الافتراضي ملاذ الهاربين من مواجهة مشاكلهم الاجتماعية

وسائل التواصل تتيح للأفراد فرصة عرض الظروف الصعبة أو الجيدة على السواء.
الجمعة 2021/08/20
الفضاء الافتراضي يقدم نفسه بديلا لحل مشاكل الواقع

يشير خبراء علم الاجتماع إلى أن نشر الحالات الاجتماعية والنفسية على تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي، انعكاس لما يمرّ به الإنسان من ظروف يوجهها المرسل بصورة غير مباشرة لعجزه عن المواجهة، كما يؤكدون على أنها مساحة إيجابية تتيح توجيه رسائل النصح والإرشاد والتوعية.

عمان – لم تعد مواقع التواصل الاجتماعي مجرد وسيلة للتواصل بين الأشخاص كما يدل على ذلك اسمها، بل صارت فضاء للإبلاغ عن حدث ما أو نشر حالات اجتماعية ونفسية عاشها أصحابها وأرادوا تقاسمها مع الآخرين، بما تحمله من مشاعر وانفعالات.

وفي حين يرى البعض أن نشر الحالات يعود إلى عجز أصحابها عن مواجهتها على أرض الواقع فاختاروا أن يبحثوا لها عن حلّ في العالم الافتراضي واصفين ذلك بانتهاك الخصوصية وإفشاء الأسرار، يرى البعض الآخر أن ذلك يمكن أن يكون لمجرد النصح والإرشاد والتوعية.

وتتيح وسائل التواصل الاجتماعي بمختلف مسمياتها مساحة معينة لنشر ومشاركة النصوص والصور ومقاطع الفيديو والصور المتحركة (GIF)، تختفي بعد 24 ساعة من نشرها ولفترة وجيزة بحدود 30 ثانية، ناهيك عن إمكانية التحكم بها توجيها وعرضا لأشخاص دون غيرهم.

وترى الناشطة الاجتماعية الأردنية ماجدة أسعد أن نشر الحالات الاجتماعية والنفسية على تطبيقات وسائل التواصل، تعبير آني عن مكنونات النفس من فرح أو حزن، وما يمر به الإنسان من ظروف يوجهها المرسل بصورة غير مباشرة لعجزه عن المواجهة، أو ضعف لا يتعدى حدود التلميح إذا كان يتحدث عن ذاته.

رولا عودة السوالقة: القصص والحالات انعكاس لذات الفرد وشخصيته

بينما يرى المعلم محمد الزبيدي أن هذه المساحة الصغيرة إيجابية تتيح توجيه رسائل النصح والإرشاد والتوعية بطريقة غير مباشرة إلى الأصدقاء والأحباب لتغيير بعض السلوكيات، لأن “المواجهة أحيانا تلقى ردود فعل سيئة لأن الإنسان يرفض تقبل النصيحة المباشرة”.

ويصف الزبيدي تلك المساحة “الحالة أو القصة” بمتنفس يعبر عما يختلج صدره من مشاعر وما يجول في خاطره وتروق له الكلمات، أو حيز يستعيد بعضا من الذكريات والحنين، أو الحوار مع نفسه والآخرين متجاوزا حدود المكان والزمان.

وتقول الدكتورة رولا عودة السوالقة أستاذة علم الاجتماع الإكلينيكي بالجامعة الأردنية “إن أكثر من مليار شخص حول العالم يستخدمون كل يوم القصص والحالات في وسائل التواصل الاجتماعي، وغالبيتهم من فئة الشباب، حيث استحدثت هذه الوظائف للتنسيق والتسويق الإعلامي لغايات تجارية مهنية بهدف التأثير على سلوك الأفراد في الشراء وزيادة زياراتهم

للمواقع الإعلانية، والحفاظ على تفاعل الأفراد بطرق أقل مباشرة واتصالا دائما”.

وأضافت السوالقة أن وظيفة القصص والحالات لا تختلف كثيرا عما تؤديه وسائل التواصل الاجتماعي بشكل عام من حيث التفاعل مع الأخذ بعين الاعتبار قصر المساحة والوقت، مشيرة إلى أن التفاعل بين الأفراد في المجتمع رمزي من خلال اللغة وإيماءات الجسد، وما ينطبق على التفاعل الاجتماعي الحقيقي، ينطبق على الافتراضي والثقافة الرقمية.

ويشير الخبراء إلى تأثير وسائل التواصل الاجتماعي على حياة الناس، وكيف أنّها ساهمت بقسط وافر في إحكام العزلة والوحشة على حياة الكثيرين ممّن ينشطون فيها، بحيث خلقت فجوة بين واقعهم الحقيقي وعالمهم الافتراضي الذي يتقمّصون فيه شخصيات مختلفة عن شخصياتهم الحقيقية، ويبنون قصورا من الأوهام أحيانا، أو يجدون فيها متنفّسا يريحهم من أرق أيامهم وقسوة واقعهم ليستعذبوا أمانا متوهّما يرون فيه راحة وسعادة بديلا من حياتهم البائسة.

ويدمن الشباب وسائل التواصل، وخاصة تويتر، الذي يبقي صاحبه في مستنقع الافتراض والتمثيل، بعيدا عن أرض الواقع، بحيث يهندس لنفسه قصورا في رمال متخيلة لا تمتّ بأيّ صلة للواقع، وترسم مسارا متوهّما لما يريد صاحبه أن يكون عليه، لا ما هو عليه حقّا، وفق الخبراء.

Thumbnail

وبينت السوالقة أن المتخصصين في علم الاجتماع والنفس منذ ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، مستمرون بفهم أبعادها وتأثيراتها الإيجابية والسلبية على الفرد والمجتمع سواء على الصحة النفسية والعقلية والجسدية أو تأثيراتها السلوكية، نظرا لسوء فهم بعض الأفراد لغاياتها الأساسية التي وجدت من أجلها أو عدم التكيف والقدرة على التعامل مع رموزها ومعانيها المحددة أصلا.

ووفقا للسوالقة، يمكن اعتبار القصص والحالات انعكاسا لذات الفرد وشخصيته وجوانبها المتعددة أو ما يرغب في إبرازه منها للآخرين، إما سعيا لإبراز مكانته الاجتماعية والاقتصادية وإما للتعبير عن إنجاز وفرح أو ما يعتريه من مشاعر أو للفت النظر، ومحاولة إثبات الذات والوجود لإيصال فكرة أو رأي أو رد فعل لشخص أو أشخاص معينين، وأحيانا قد يكون القصد منها الإساءة أو يظهر جوانب في شخصيته لا وجود لها أصلا أو يتمنى وجودها.

وينصح خبراء علم الاجتماع بألا يحدث ترويج المحتوى على منصات التواصل الاجتماعي عشوائيا بالاكتفاء بالنشر بلا وعي. ويرون أن المحتوى الذي يحصد الآلاف من التعليقات والمشاركات والملايين من المشاهدات قائم على خطة واعية للنشر، لتصل إلى جمهور أكبر، سواء كان الشخص يكتب من أجل كسب المال أو للتأثير في قطاع عريض من الناس، أو حتى من أجل الترفيه والتواصل المرح مع الناس.

نشر الحالات الاجتماعية والنفسية على تطبيقات وسائل التواصل، تعبير آني عن مكنونات النفس من فرح أو حزن

وينصح الخبراء الأشخاص بأن يضعوا لأنفسهم قواعد حياتية في التعامل مع وقتهم، لأن الفراغ دائما يجعلهم لا شعوريا يمسكون الجوال ويتصفحون أكبر قدر ممكن من التطبيقات، وينصحون دائما بأن يكون لهم وقت محدد في الدخول إلى هذه المواقع وأن يكون ذلك بوقت منضبط بعد الانتهاء من كافة أعمالهم الأساسية والمهمة، ومن المهم كذلك وضع فترات راحة حتى لا تزعج أعينهم بأشعة الجوال والأجهزة الإلكترونية وتريح أجسامهم بعد فترة طويلة من التصفح والجلوس.

ومن المهم أيضا إزالة المتابعة عن الأشخاص غير المهمين، ومحاولة التوقف عن متابعة الأشخاص غير المهمين ومن لا يضيفون لمعلوماتهم الكثير ويضيعون وقتهم، خصوصا في تطبيقات الفيديو، وكلما زادت التحديثات مع هؤلاء يزيد الوقت والتصفح. كما أن إضافة من لوجودهم ميزة في الأخبار والأنشطة تجعل الأشخاص يستفيدون من حياتهم، ويستفيدون أكثر بمتابعة الاهتمامات الشخصية وتطويرها.

وتتيح مواقع التواصل الاجتماعي الاستفادة من أشخاص لهم علاقات رائعة ومعلومات مميزة تساعد على تطوير الاهتمامات الشخصية، وينصح الخبراء بالاستفادة من هذه الشخصيات والتواصل معها بشكل مستمر، وتطوير الذات وذلك من خلال الاستفادة من هذه الشخصيات ومتابعة تطور ذواتهم عبر ما يتعلمونه منهم.

ومن المفيد تعيين فواصل وأيام دون الإنترنت، ما يساعد ذلك بشكل تدريجي على التعامل مع الإنترنت بشكل مستقل ويزيد من القدرة على السيطرة عليه وعدم الإدمان.

21