النهضة متوجسة من سيطرة محمد عبو على ملفات الفساد

أثار منح رئيس الحكومة التونسية إلياس الفخفاخ صلاحيات واسعة لوزير الوظيفة العمومية والحوكمة ومكافحة الفساد محمد عبّو (التيار الديمقراطي)، حفيظة حركة النهضة الإسلامية (شريك الحكم) التي سارعت إلى انتقاد هذه الخطوة من دون تقديم تبرير يدعم وجاهة اعتراضها، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى تضامن حكومي واسع لمواجهة فساد تقول أطراف سياسية إنه محمي بأدوات حزبية.
تونس – يطرح توجّس حركة النهضة الإسلامية من منح وزير الدولة محمد عبّو صلاحيات واسعة لمكافحة الفساد عديد التساؤلات ونقاط الاستفهام، في وقت يفترض فيه أن تكون مكافحة هذه الآفة التي تنخر الاقتصاد التونسي محلّ تضامن حكومي بين الأحزاب المكوّنة للائتلاف الحاكم لا محل خلاف بينها.
ومنح رئيس الحكومة التونسية إلياس الفخفاخ جزءا كبيرا من صلاحياته لوزير الدولة المكلّف بالوظيفة العمومية ومكافحة الفساد الذي ستكون له صلاحيات رقابية واسعة، من بينها هيئة الوظيفة العمومية والهيئة العامة لمراقبة المصاريف العمومية، حيث ستكون الملفات التي فيها شبهة فساد محلّ متابعة دقيقة من الوزير الذي جعل منذ عشر سنوات من مكافحة الفساد برنامجا انتخابيا.
ويرى مراقبون أن تحفظ حركة النهضة على الصلاحيات الموسعة لممثل حزب التيار الديمقراطي في حكومة الفخفاخ يعكس مخاوف من أن يطال فتح الملفات لعدد من قياداتها ووزرائها السابقين في حكومات ما بعد ثورة يناير 2011 والذين تحوم حولهم شبهات فساد واتهمهم محمد عبّو نفسه في وقت سابق بالتستر على الفاسدين.
لكنّ آخرين يعتبرون أن تحفظ النهضة ليس على فتح ملفات الفساد بقدر ما هو تحفظ على شخص الوزير والحزب الذي أوكل إليه هذه الصلاحيات الواسعة، إذ تحظى “الحرب على الفساد” باهتمام التونسيين وقد ترفع من شعبية حزب التيار الديمقراطي إذا ما نجح في مهامه وهو ما سينعكس بالضرورة على صورة الحركة الإسلامية التي فشلت في محاصرة الظاهرة خلال عشر سنوات من مشاركتها الحكم ومباشرتها لهذه الملفات.
وأعلن وزير الدولة للنقل أنور معروف، المنتمي إلى حركة النهضة، رفض حزبه للصلاحيات الواسعة الموكلة لوزير الوظيفة العمومية ومكافحة الفساد، في خطوة مفاجئة لم تعترض عليها الحركة الإسلامية خلال مشاورات تشكيل حكومة حبيب الجملي التي أطاح بها البرلمان قبل منحه الثقة لحكومة الفخفاخ. ورغم موقف معروف الذي قال إنه يمثّل حزبه، فإن مجلس الوزراء صادق على الأمر الحكومي المتعلّق بصلاحيات وزارة الوظيفة العمومية والحوكمة ومكافحة الفساد، ما يمثّل فرض أمر واقع على حركة النهضة ويشير إلى أن ”لا حلفاء داخل هذه الحكومة”.
واستغرب القيادي في حزب التيار الديمقراطي هشام العجبوني في تصريحات لوسائل إعلام محلية تحفظ النهضة على صلاحيات الوزير عبّو قائلا “النهضة وافقت على نفس هذه الصلاحيات في حكومة حبيب الجملي والآن ترفضها في حكومة الفخفاخ”.
وأضاف العجبوني “اعتراض النهضة على صلاحيات محمد عبّو ربما لأن رؤيتنا في التيار الديمقراطي في تطبيق القانون ليست انتقائية”، مؤكدا أن حزبه يطبّق القانون على الجميع ولا يحابي أحدا في ذلك”.
ويرى متابعون أن تصريحات القيادي في التيار الديمقراطي تحمل اتهاما غير مباشر لحركة النهضة بالمحاباة في تطبيق القانون على الفاسدين وهو ما يفسر تحفظها. وكان عبّو قد استقال من منصبه كوزير مكلّف بالإصلاح الإداري في حكومة حمادي الجبالي سنة 2012 بسبب رفض رئيس الحكومة إحداث جهاز للرقابة على الإدارة يراه الوزير ضرورة ملحة لمكافحة الفساد.
وتفتح تحفظات حركة النهضة أبواب الخلافات مبكّرا صلب حكومة الفخفاخ، وهو ما سينعكس سلبا على واجب التضامن الحكومي.
وفي خطوة وصفها مراقبون بالاستباقية لمحاصرة توسع هوة الخلافات بين أطراف الائتلاف الحكومي، عين إلياس الفخفاخ كل من القياديين بحركة النهضة عماد الحمامي وأسامة بن سالم مستشارين له.
وسيشغل الحمامي خطة مستشارا لدى رئيس الحكومة برتبة وزير، فيما يشغل بن سالم خطة مستشار برتبة كاتب دولة.
وصنّف متابعون هذه الخطوة ضمن سياق استرضاء رئيس الحكومة لحركة النهضة، بعد تحفظها على الصلاحيات الواسعة الممنوحة لوزير مكافحة الفساد، بالترفيع في عدد ممثّليها داخل الحكومة.
ويسعى الفخفاخ من خلال هذه الخطوة إلى إدارة توازنات الثقل الحزبي داخل حكومته وتجنيبها تصدّعا قد يمتد صداه إلى البرلمان وينتهي ربما بسحب الثقة منها، وهو سيناريو تشير مصادر إلى أنه غير مستبعد.