النقابات تتحرك لتحسين أوضاع العاملين في الدراما المصرية

أحدث الإعلان عن لائحة أجور للعاملين في الدراما المصرية جدلا واسعا في القطاع الذي يشهد منذ فترة أزمات متنوعة منها ما يتعلق بالتمويل وتراجع عائدات الإعلانات والتزام المنتجين بالضوابط المهنية، ومنها ما يتعلق بجودة المحتوى وقدرته على المنافسة، ما جعل أهل القطاع يتحركون من أجل تحسين أوضاعهم.
القاهرة - يشهد الوسط الفني المصري صحوة من جانب النقابات وبعض الشُعب المهنية ذات الارتباط المباشر بالإنتاج الدرامي مع تداول لائحة أجور جديدة للفنانين تضمنت تصنيفات مختلفة للمشاركين في إنتاج الدراما، ما استفز قطاعات لا تحظى بحقوق مادية ومعنوية جيدة، في ظل حالة أشبه بالفوضى تعاني منها عملية الإعداد للأعمال الفنية انعكست سلبًا على جودة المحتوى وأحدثت مشكلات بين العناصر المشاركة.
وسارعت أطراف عديدة داخل اتحاد المنتجين المصريين الذي تأسس مؤخرا لإعادة ضبط أجور الفنانين وتطوير الإنتاج الدرامي لنفي ما جاء في اللائحة المتداولة على نطاق واسع بين الفنانين والمشاركين في صناعة الأعمال الفنية.
وتضمنت اللائحة التي انتشرت على مجموعات خاصة بالمشاركين في إنتاج المسلسلات والأفلام تحديد أرقام أجور الفنانين والفنانات وتصنيفهم إلى ثلاث فئات بحد أدنى وأقصى لكل فئة، والأمر ذاته بالنسبة إلى المؤلفين والقائمين على المونتاج والمصورين ومهندسي الصوت وغيرهم.
ولم يُقنع النفي الصادر عن المنتجين المصريين، وفي مقدمتهم المنتج جمال العدل، ومسؤولي الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية التي تتولى الجزء الأكبر من الإنتاج الدرامي، الكثير من العاملين في الدراما، وتحركت نقابة المهن السينمائية وغيرها من الجهات المنضوية داخلها لتفويت الفرصة على عمل تعديلات تؤدي إلى تخفيض الأجور والاعتراض على تصنيفات تخلق فتنة بين العاملين في مجال الإنتاج.
وكان الوسط الفني يترقب منذ تأسيس اتحاد المنتجين المصريين في يوليو الماضي ما سينتج عنه من قرارات، خاصة أن بيانه الأول تطرق إلى مسألة مناقشة وضع لائحة أجور جديدة، والحرص على إحداث توازن وضبط للأجور بعد مغالاة عدد كبير من النجوم في أجورهم بشكل كبير.
وطالبت نقابة المهن السينمائية بتطبيق حد أدنى للأجور وفقا لقرارات كل شعبة على حدة، ودعت الشُعب المختلفة إلى اجتماع قريب لتحديد اللوائح الخاصة بهم، وحثت أعضاءها على الالتزام بالقواعد المتفق عليها لتحسين ظروف عملهم وتعزيز قدرتهم على تقديم أعمال فنية متميزة.
وطالبت بربط عدد أيام التصوير المتفق عليها في التعاقدات بالسيناريو الفعلي الذي يتم تصويره، مع مراعاة عدد مشاهد العمل وأماكن التصوير، وتحديد زمن التعاقد، وألزمت الجهات الإنتاجية بالتأمين الصحي على جميع العاملين بأي عمل فني طوال مدة التعاقد والتصوير.
ويمنح الحراك الذي جاء على نحو مفاجئ من جهات مهنية فرصة مواتية لإصلاح أوضاع المشاركين في إنتاج الدراما عقب تزايد العشوائية على مراحل الإنتاج الفني، وما ترتب عليه من صعوبات لمن يقفون خلف الكاميرات ويتحملون العمل ساعات طويلة لإنجاز الأعمال في توقيتات محددة وكلفة أقل أحيانا.
وقال المنتج عمرو قورة إن التحركات التي تقودها جهات مسؤولة عن حماية العاملين في إنتاج الدراما جاءت في توقيتها المناسب، وهناك فرصة مواتية للاتفاق على طلبات بعينها والتوافق حولها مع اتحاد المنتجين والدخول في مراحل تفاوضية تصل إلى حلول وسط يمكنها أن تدعم تحسين أوضاع المهندسين والعمال وكل من يقفون خلف الكاميرات من جهة، والمنتجون من جهة أخرى.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن المنتجين لديهم مشكلات مع بداية الإعداد لموسم رمضان الدرامي المقبل، لأن تراجع الحصيلة الإعلانية للقنوات الفضائية التي تشتري حقوق بث المسلسلات يدفع نحو تقليص الميزانيات المرصودة لشراء أعمال درامية، ولذلك يبحث المنتجون عن تأمين مكاسبهم لتجنب التعرض للخسارة وإيجاد وسائل يمكنها تخفيض أجور الفنانين والعاملين بدلاً من اللجوء إلى تقليص أعداد المسلسلات.
وبالنظر إلى ما يجري على أرض الواقع فإن الكثير من الفضائيات المصرية تعاني أوضاعا اقتصادية صعبة منذ سنوات وتلجأ إلى دفع نسبة 10 في المئة فقط من إجمالي التعاقد مع شركات الإنتاج، ويتم تحديد القيمة الشرائية للمسلسل بناء على اختيار النجم الذي يقوم بالبطولة وتحصيل أجزاء أخرى مع بدء العرض، ويختار المنتجون البدء في الإعداد للمسلسلات في وقت متأخر لعدم تحمل النفقات من أموالهم، وتحدث أزمات بسبب ضغط عدد ساعات العمل لملاحقة عرض الحلقات يوميًا.
وتوافقت مطالب نقابة المهن السينمائية وشُعب التصوير والعاملين في مجالي المونتاج وهندسة الصوت على ضرورة تطبيق حد أقصى لساعات العمل اليومي، وساعات العمل الإضافي، على ألا يزيد العمل العادي عن 12 ساعة، وإمكانية إضافة ساعتين بحيث لا يزيد عن 14 ساعة كحد أقصى، وطالبوا بتخفيض ساعات العمل إلى 8 ساعات يوميا، كما ينص قانون العمل بمصر، عقب انتهاء أزمات الإنتاج الراهنة.
وذكر قورة لـ"العرب" أن قضية الأجور لا تمثل أزمة في حد ذاتها، لأن الأزمة الحقيقية تتمثل في الحقوق الإنسانية للعاملين في المجال الفني، والتصنيفات التي خلقت فتنة في الوسط الفني، والأفضل أن يتم ترك الأمور وفقًا للعرض والطلب مع وضع حد أدنى وأقصى للأجور، وسيكون نجاح تحرك النقابة مقترنًا بوقت زمني يمكن التوافق خلاله على قواعد تُرضي جميع الأطراف بما يضمن عدم استمرار العشوائية.
وطالب بضرورة تدخل جهات ليس لها مصلحة مباشرة بين المنتجين والجهات النقابية، تملك القدرة على تقييم أوضاع صناعة الفن المصري، مع أهمية أن تكون الفضائيات حاضرة في الأزمة، حيث تؤثر بشكل كبير في التوجهات الإنتاجية، لافتا إلى أن اتجاهات المعلنين وتقييم نجاح حملاتهم في التلفزيون لهما أثر مباشر على طبيعة الإنتاج الدرامي المصري في السنوات المقبلة.
ويتخوف العديد من النقاد أن يؤدي تخفيض أجور العاملين في الدراما إلى هجرة بعض الكوادر المحترفة إلى الخارج في ظل اتساع سوق الإنتاج الفني في المنطقة العربية، بما لدى مهندسي الصوت والتصوير من خبرات مهمة تجعلهم قبلة لشركات إنتاج عربية وأجنبية، ولذلك تأثيره السلبي على الإنتاج الفني، ما يدفع نحو توالي التحذيرات من المهتمين بالفن المصري الذين دعموا مطالب النقابات المهنية وشُعبها.
وأوضحت الناقدة الفنية حنان شومان أن النفي الرسمي للائحة المسربة لا يمنع وجود ظل لحقيقة مفادها أن الفن المصري يعاني من الضبابية وعدم اليقين وغياب الانضباط والتأثر بالأوضاع الاقتصادية العامة، ووجود عوامل تشي باستمرار الاحتكار تقود إلى تفاقم المشكلات، فهذه النوعية من الممارسات تؤثر على أي صناعة.
وأشارت في تصريح لـ”العرب” إلى أن لوائح الأجور معمول بها في غالبية دول العالم، لكن الأزمة تتمثل في الضوابط، وما إذا كانت اللوائح يتم إعدادها على معيار الكفاءة أم وفقا للأهواء الشخصية، ومن الذي يقوم بوضعها، ومن لديه القدرة على تقييم الكتاب والمؤلفين ومهندسي الصوت وغيرهم؟
يذكر أن شُعبة مهندسي الصوت أعلنت عن أزمة المهندسين المشاركين في تصوير مسلسل "نعمة الأفوكاتو" بسبب قرار الجهة المنتجة بتخفيض الأجر بعد مرور 3 أسابيع من تصوير العمل، وقررت التوقف عن العمل إلى حين الاتفاق على الأجر المالي.
وتضمنت قرارات شُعبة مهندسي الصوت في نقابة المهن السينمائية وقف جميع التعاقدات الجديدة، بدءا من الثلاثين من أغسطس الماضي إلى أجل غير مسمى، ووقف التعامل مع أي جهة إنتاجية ترغب في الاتفاق مع مهندس صوت دون الرجوع إلى لائحة الأجور المعلنة من مجلس شُعبة الصوت المرسلة إلى جميع الجهات الإنتاجية وتطبيقها، وإيقاف كل مهندس صوت يخالف القرارات.