النقابات اللبنانية تجدد التعبئة ضد فساد الطبقة السياسية

دخلت النقابات العمالية اللبنانية على خط الأزمة الاقتصادية الخانقة، التي تعيشها البلاد منذ أشهر، بممارسة ضغوط أكبر على السلطات لدفعها إلى التحرك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الوضع المعيشي المتردي. لكن حكومة تصريف الأعمال قابلت ذلك بزيادة أسعار الخبز المدعوم، التي يرى محللون أنها ستدخل البلاد في متاهة لا يعلم أحد كيف سيتم الخروج منها.
بيروت - صبّت حكومة تصريف الأعمال في لبنان الزيت على نار الأزمة الاقتصادية بقرارات غير محسوبة العواقب، في الوقت الذي جددت فيه النقابات التعبئة ضد فساد الطبقة السياسية، التي انشغلت بصراعاتها دون أن تلقي بالا لمطالب الناس، الذين يمرون بأزمة معيشية خانقة منذ سنوات.
واختزلت الأحداث، التي عاشتها مدينة طرابلس في الأيام الماضية، مدى صعوبة الأوضاع المالية والاجتماعية المتردية، مما جعل البلاد تدخل في نفق مظلم من المشاكل، في ظل إصرار السلطات على التعامل مع ما يحدث وكأنه حدث عابر وأن الحل سيأتي مع مرور الوقت.
ونسبت وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية إلى بشارة الأسمر رئيس الاتحاد العمالي العام، إحدى أكبر النقابات في البلاد إلى جانب الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين (فيناسول)، قوله “بينما التعطيل يسود البلاد بأكملها وتنحدر أحوال الناس إلى القاع لم تجد السلطات حلا لإخراجنا من هذه المشكلة”.
ورأى الأسمر في بيان أن “التحرك الشعبي هو نتاج تقصير الدولة واستقالتها من واجباتها تجاه المواطنين الباحثين عن فرصة العمل والخبز والدواء والأمن الصحي في مواجهة جائحة كورونا والأمن الاجتماعي، وخصوصا السلع الاستهلاكية الأساسية”.
وتواجه الحكومة اللبنانية اتهامات بغض النظر عن احتكارات الشركات كالتي وُجدت في أحد مستودعاتها 200 ألف علبة حليب أطفال مدعومة ومخبأة بانتظار رفع الدعم عنها، وأحد مستودعات الدواء في البقاع، الذي وجدت لديه 8 آلاف علبة دواء، ناهيك عن فقدان الوقود والطحين وغيرهما.

بشارة الأسمر: التحرك الشعبي نتاج تقصير الدولة والتنصل من واجباتها
وجاء تحرك النقابات في الوقت الذي أعلنت فيه وزارة الاقتصاد، الاثنين، زيادة سعر كيس الخبز بنسبة 20 في المئة، في بلد يشهد انهياراً اقتصادياً حاداً باتت معه السلطات عاجزة عن مواصلة دعم المواد الأساسية وسط أزمة معيشية خانقة فاقمتها تدابير الإغلاق لمواجهة كوفيد – 19.
وأثارت إجراءات الإغلاق العام المشددة لمكافحة فايروس كورونا، والمستمرة حتى الثامن من الشهر الحالي، الخشية على مصير عائلات تعاني أساساً أوضاعا اقتصادية هشّة في بلد يشكل العمال الأجراء فيه قرابة نصف اليد العاملة، بحسب وزارة العمل، ويحتاج 75 في المئة من سكانه إلى المساعدة.
واعتبرت نقابة مستوردي المواد الغذائية أن “ما يمر به لبنان من ظروف صعبة بدءاً من الأزمة المالية والاقتصادية والشحّ في العملات الأجنبية وصولاً إلى الإقفال العام قد أرخى بثقله على القطاع وزاد من التحديات والصعوبات التي تواجهها الشركات المستوردة”.
وحذرت من أن تؤدي تلك العوامل “إلى نقص في المخزون الغذائي للنصف، أو أكثر”، في بلد يستورد 80 في المئة من حاجياته الغذائية.
وعلى وقع تضاؤل احتياطي مصرف لبنان المركزي بالدولار، تدرس السلطات منذ أشهر مسألة رفع الدعم عن استيراد مواد أساسية هي القمح والأدوية والوقود. وكان من المفترض رفع الدعم نهاية العام الماضي، في خطوة يحذّر محللون من “آثار تضخمية” ستنتج عنها وستدخل البلاد في فوضى شاملة.
وتبلغ نسبة الاحتياطي الإلزامي للمصارف اللبنانية نحو 15 في المئة من إجمالي الودائع، وهي أرفع مما في دول مجاورة كالأردن بنحو 5 في المئة، وفلسطين بنحو 9 في المئة، وفق تقديرات البنك الدولي.
ويقول النقابيون إنه بدلا من أن يبحث واضعوا الموازنة عن “الثقب الأسود”، الذي ابتلع أكثر من 55 مليار دولار ضاعت ومازالت تضيع بين المركزي والدولة، يطرح مشروع ضريبة التضامن، التي تضع ضريبة 1 في المئة على الودائع بين مليون و20 مليون دولار، و1.5 في المئة على الودائع بين عشرين وخمسين مليون دولار، واثنين في المئة على الودائع التي تزيد عن الخمسين مليون دولار، الكثير من التساؤلات حول صواب نظرة الحكومة اللبنانية لمعالجة الوضع.
الحكومة اللبنانية تواجه اتهامات من قبل النقابات بغض النظر عن المحتكرين والفاسدين على حساب الفقراء
ويتساءل بشارة عن مصير تلك الأموال وهل مازالت في المصارف أم هي خارج لبنان أو ذهبت إلى الاستثمار العقاري، فيما لا يوضح مشروع موازنة 2021 أي خطة لتوسيع هذه الضريبة على الثروات والممتلكات في الداخل والخارج أو أي خطة لاستعادة الأموال المهربة أو المنهوبة، كما لا يقدم خطة لإجراء تحقيق جنائي ولم يطرح بصورة جدية موضوع الضريبة التصاعدية على الأرباح والمداخيل الموحدة كما في جميع بلدان النظام الرأسمالي.
ولطالما أكد خبراء أن السوق العقارية اللبنانية كانت بالنسبة لبعض كبار المسؤولين ملجأ للتهرب الضريبي، ما جعل القطاع ضحية عدم الاستقرار السياسي وصعوبة الحصول على التمويل لبناء العقارات الجديدة، ما أدى في نهاية المطاف لنزوح الاستثمارات وتراجع حركة البيع والشراء.
وترى الأوساط الاقتصادية اللبنانية أن أخطر ما في موازنة هذا العام أنها تضرب استقرار القطاع العام وموازنة التخصيص تحت اسم الشراكة والتشريك وهي مشروع يستجيب مسبقا لإملاءات صندوق النقد الدولي ويجعل جميع موظفي القطاع العام لاحقا متعاقدين ويلغي نظام التقاعد ويحوله إلى نظام تعويض نهاية خدمة.
ومثّل العام الماضي خط نهاية عقود من سوء التسيير الاقتصادي وضريبة انعدام الحوكمة في لبنان، حيث تسبب تآكل احتياطي العملة الصعبة في فقدان توازن النظام المصرفي وظهور اختلالات كبيرة، وهو ما أدى إلى انخرام المنظومة الاقتصادية بشكل غير مسبوق نتج عنه تفجر الأوضاع في الأيام القليلة الماضية.