النفط في تقاطع نيران من كل الجهات

حوصرت أسعار النفط العالمية في تقاطع النيران من جميع الجهات بعد أن أطلقت السعودية حرب أسعار بعد خلافات مع روسيا بشأن خفض إنتاج النفط في وقت تتعرض فيه الأسعار لضغوط شديدة من انحدار الطلب بسبب تفشي فايروس كورونا.
لندن – فاقم انهيار أسعار النفط العالمية، حالة الهلع في أسواق النفط العالمية بعد سقوطها الحر وفقدانها لأكثر من ثلثي قيمتها خلال يومين.
وتحالفت عوامل كثيرة على دفع الأسعار إلى الانهار، أبرزها الخلاف في تحالف أوبك+ بشأن تخفيضات الإنتاج والذي دفع إلى إعلان حرب أسعار، أثارت الذعر في الأسواق العالمية.
وجاء ذلك في وقت تعاني فيه الأسواق من انحدار الطلب بسبب شلل الكثير من نشاطات الاقتصاد العالمي نتيجة الإجراءات الوقائية لمواجهة مخاطر تفشي فايروس كورونا.
وفاقمت تلك العوامل المخاض الذي تمر به صناعة النفط في ظل تصاعد الهواجس البيئية وابتعاد المستهلكين والمستثمرين عن الوقود الأحفوري، وإعلان الدول عن خطط لوقف استهلاكه تدريجيا.
وقالت وكالة الطاقة الدولية أمس إن الطلب العالمي على النفط يتجه للانكماش هذا العام للمرة الأولى منذ أكثر من عشر سنوات في ظل تعثر النشاط الاقتصادي العالمي بسبب فايروس كورونا.
وتزامن إعلان تقرير الوكالة مع تسجيل أسعار النفط أكبر انخفاض لها خلال يوم واحد منذ حرب الخليج عام 1991 بعد أن بدأت السعودية مسعى لزيادة حصتها السوقية بعد انهيار اتفاق للإنتاج مع روسيا.
وتوقعت الوكالة أن يبلغ الطلب على النفط 99.9 مليون برميل يوميا في 2020 لتخفض بذلك توقعاتها السنوية بقرابة مليون برميل يوميا وتشير إلى انكماش قدره 90 ألف برميل يوميا في أول تراجع للطلب منذ عام 2009.
مراقبون يرون أن الرياض تحاول الضغط على موسكو لقبول تخفيضات أكبر في الإنتاج على أمل فرض ذلك خلال وقت قصير وإعادة الأسعار إلى الارتفاع
وأشارت الوكالة التي تتخذ من باريس مقرا لها في تقرير توقعاتها متوسطة الأجل إلى أنه في حال فشل الحكومات في احتواء تفشي فايروس كورونا فإن الاستهلاك قد ينخفض بما يصل إلى 730 ألف برميل يوميا.
وأدى تفشي الفايروس إلى تراجع حاد في النشاط الصناعي خاصة في الصين واقتصادات آسيوية أخرى وكذلك إيطاليا وهي إحدى المناطق الأكثر تضررا خارج الصين. وأدى ذلك إلى تباطؤ في الطلب على النقل البري والجوي.
وناشد فاتح بيرول المدير التنفيذي لوكالة الطاقة الدولية المنتجين “التصرف بعقلانية” في مواجهة أزمة فايروس كورونا بعد انهيار اتفاق للحد من الإنتاج بين أوبك وروسيا ومنتجين آخرين الأسبوع الماضي، مما دفع أسعار النفط إلى الهبوط.
وقال للصحافيين “في مثل هذا الوقت من الضبابية والضعف المحتمل في الاقتصاد العالمي… لعب الروليت الروسي في أسواق النفط ربما يكون له عواقب وخيمة”.
ولوحت السعودية، أكبر منتج في أوبك، بأنها ستضخ المزيد، مما قاد أسعار النفط للنزول إلى مستويات ستضغط على موازنتها العامة شأنها شأن غيرها من منتجي النفط، كما تفرض ضغطا شديدا على منتجي النفط الصخري الأميركي الأكثر تكلفة.
ويرى محللون أن الرياض تحاول الضغط على موسكو لقبول تخفيضات أكبر في الإنتاج على أمل فرض ذلك خلال وقت قصير وإعادة الأسعار إلى الارتفاع.
لكن موسكو أبدت أمس إصرارا على موقفها الرافض لتعميق التخفيضات. وقالت إنها مستعدة للتأقلم مع الأسعار الحالية لمدة 10 سنوات، في تأكيد لصعوبة ردم الفجوة بين الطرفين.
ورجح بيرول أن يضع انخفاض أسعار النفط العديد من الدول الرئيسية المنتجة للخام مثل العراق وأنغولا ونيجيريا تحت ضغط مالي “هائل” ويتسبب في ضغوط اجتماعية.
وتوقعت الوكالة أن يتعافى استهلاك النفط بقوة في العام المقبل بعد الصدمة التي يتعرض لها في العام الحالي، وأن يرتفع الطلب بواقع 2.1 مليون برميل يوميا.
ورجحت أن يتباطأ النمو بعد ذلك وأن يرتفع بواقع 800 ألف برميل يوميا فقط بحلول عام 2025 بسبب نمو أبطأ في الطلب على وقود النقل في ظل تطبيق الحكومات لسياسات تحسن من كفاءة محركات السيارات وتخفض انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري.
وقال بيرول إن “أزمة فايروس كورونا تضيف إلى الغموض الذي تواجهه صناعة النفط العالمية في وقت تبحث فيه استثمارات واستراتيجيات أعمال جديدة”.
وأبقت الوكالة على توقعاتها لإمدادات النفط العالمية على حالها إلى حد بعيد، رغم التقلبات الكبيرة المتوقعة، ورجحت أن تنمو الطاقة الإنتاجية بواقع 5.9 مليون برميل يوميا بحلول عام 2025 لتتجاوز بذلك الطلب قليلا.
وقالت إن معظم النمو في الإنتاج سوف يأتي من توسع في النفط الصخري الأميركي وكذلك زيادة الإنتاج في البرازيل وغويانا وكندا.
وتوقعت الوكالة أن يرتفع إنتاج دول منظمة أوبك بواقع 1.2 مليون برميل يوميا بحلول عام 2025 بفعل التوسع في إنتاج العراق والإمارات، الذي سيعوض انخفاض الإنتاج في ليبيا وفنزويلا.