النظرة المثالية للشباب الباكستانيين إلى طالبان تقودهم إلى الموت

السلطات الباكستانية تعترف بأن عائلات قادة كبار في طالبان تعيش في إسلام أباد وهو ما يعرضها إلى اتهامات بدعم الإسلاميين المتشدددين وتأمين ملاذ لهم.
الاثنين 2021/07/19
تهليل عابر للحدود

بيشاور (باكستان)- آخر مرة رأت عائلة الشاب الباكستاني عبدالرشيد ابنها على قيد الحياة كانت في مايو عندما ذهب للقتال في أفغانستان في صفوف حركة طالبان. والأسبوع الماضي، عاد الشاب إلى منزله في نعش.

وبسبب معتقداتهم الدينية أو رغبتهم في السير على خطى أصدقائهم، ينضمّ المئات من الشباب الباكستانيين البشتون على غرار متمردي طالبان، في السنوات الأخيرة إلى صفوف الحركة في أفغانستان.

وبدأت طالبان هجوما شاملا على القوات الأفغانية في أوائل مايو مستغلة بدء انسحاب القوات الأجنبية الذي من المقرر أن يكتمل بحلول نهاية أغسطس.

منذ سقوط نظام طالبان عام 2001 تمكن المتمردون من تجنيد مقاتلين باكستانيين وتنظيم مقاومتهم انطلاقا من إسلام أباد

وقال المفتي معروف خان عمّ الشاب عبدالرشيد لوكالة فرانس برس من منزله القريب من بيشاور على بعد حوالى 60 كلم من الحدود الأفغانية، إن “رشيد ضحّى بحياته من أجل قضية كبيرة”.

وعند إعلان مقتل الشاب البالغ من العمر 22 عاما، استقبلت العائلة حشدًا من الناس قدموا لإحياء ذكراه وتهنئة أقربائه. وأوضح معروف خان “ذهب (رشيد) إلى هناك بروح الجهاد. الآن أصدقاؤه الشباب يريدون الموت شهداء مثله”.

ومطلع يوليو، أقرّ وزير الداخلية الباكستاني أن عائلات قادة كبار في طالبان تعيش على الأراضي الباكستانية، بما في ذلك قرب العاصمة إسلام أباد، وأن مقاتلين في طالبان يتلقون في الكثير من الأحيان العلاج أو حتى يُدفنون في باكستان.

السلطات الباكستانية فشلت في منع مواطنيها من الذهاب للقتال في أفغانستان

واتُهمت باكستان مرارا بدعم هؤلاء الإسلاميين المتشددين وتأمين ملاذ لهم. ويتمركز جزء كبير من قادتهم على الأراضي الباكستانية وخصوصا في كويتا (غرب)، منذ سقوط نظام طالبان في أفغانستان عام 2001. وقد تمكنوا من تجنيد مقاتلين وتنظيم مقاومتهم انطلاقا من باكستان.

وهذه مسألة بالغة الحساسية لإسلام أباد التي اضطرت في الوقت نفسه لمواجهة أعمال إرهابية ارتكبها متمردو طالبان الباكستانيون على أراضيها. وحضّت الحكومة الأفغانية والولايات المتحدة مرارا إسلام أباد على الضغط على طالبان من أجل إرغامها على القبول باتفاق سلام.

ونشأت حركة طالبان مطلع التسعينات في قندهار (جنوب) أثناء الحرب الأهلية التي تلت انسحاب القوات السوفياتية من أفغانستان. وجنّدت عناصرها بشكل أساسي من بين عشرات الآلاف من الأفغان اللاجئين في باكستان. كما أنها استقطبت إلى صفوفها باكستانيين.

وأوضح المحلل الأمني طاهر خان أن السلطات الباكستانية حاولت مؤخرًا منع مواطنيها من الذهاب للقتال في أفغانستان، لكن بما أنه من السهل اختراق الحدود، تمكن البعض رغم كل شيء من اجتيازها.

وأكد خان أن “عدد مقاتلي طالبان المتحدرين من باكستان اليوم أقلّ بكثير من (عددهم) في الماضي”. وأضاف أن عدد مقاتلي طالبان “الآن كبير جدًا إلى درجة أنهم ليسوا بحاجة إلى مقاتلين من باكستان”.

والكثير من الباكستانيين ومن بينهم عبدالرشيد، حائزون على شهادة من مدرسة “دار العلوم الحقانية” القرآنية في باكستان المعروفة باسم “جامعة الجهاد”، لأن عددًا كبيرًا من طلابها القدامى أصبحوا قادة كبارا في حركة طالبان.

ومنذ عقود، تُتهم المدارس القرآنية في باكستان بتغذية التطرف الإسلامي، عبر تلقين العقائد للعشرات من الطلاب الشباب. ولم تجرؤ الحكومات الباكستانية المتعاقبة المدعومة غالبا من أحزاب إسلامية، على مكافحة هذه المشكلة.

بسبب معتقداتهم الدينية أو رغبتهم في السير على خطى أصدقائهم، ينضمّ المئات من الشباب الباكستانيين البشتون على غرار متمردي طالبان، في السنوات الأخيرة إلى صفوف الحركة في أفغانستان

ولا تعرف عائلة عبدالرشيد تاريخ ومكان وفاته، لكن قد يكون تُوفي في ولاية ننغرهار الشرقية. وأكد مسؤولان في الشرطة المحلية وصول أربع جثث على الأقل في الأسبوعين الأخيرين لمقاتلين باكستانيين ذهبوا للقتال في أفغانستان.

وترافقت عودة جثة عبدالرشيد إلى مسقط رأسه بمظاهر فرح. فقد هتف المئات من الرجال عبارات إسلامية ورفعوا أعلام طالبان، وتهافتوا للمس نعشه. لكن بعد ذلك اعتُقل خان لأسبوعين. وقال متحدث باسم الشرطة المحلية إنه دين لنشره الإرهاب وتنظيم تجمع غير قانوني.

وهذا الأسبوع أيضًا، واصل ناصر خان والد الشاب الراحل، استقبال الزوار جالسا على مقعد خشبي تقليدي. وكرر خان ذو اللحية البيضاء، أمام زواره قوله إن “رشيد كان طالبًا لامعًا”، معربًا عن فخره بما حصل لابنه. وأضاف “لنصلِ كي يقبل الله موت ابني كشهيدٍ”.

5