النساء في مخيمات تندوف يعانين من انهيار القانون والعنف الجنسي

الرباط - لا يقتصر عنف ميليشيات بوليساريو على أبناء القبائل الصحراوية وأطفالهم، بل تجاوزه إلى النساء الصحراويات داخل مخيمات تندوف، حيث حذرت منظمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية غير الحكومية الجمعة بجنيف، من خطورة أوضاع النساء في مناطق النزاع على غرار مخيمات تندوف جنوب غرب الجزائر، حيث يعانين من انهيار سيادة القانون والعنف الجنسي.
وأبرزت المنظمة المعتمدة لدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي في مداخلتها ضمن المناقشة السنوية حول حقوق النساء في إطار الدورة الـ53 لمجلس حقوق الإنسان، خطورة الوضع القائم في العديد من مناطق النزاع التي تعيش غيابا حقيقيا للأمن بسبب الانهيار العام لسيادة القانون والهياكل الاجتماعية والعائلية والتطبيع مع العنف الجنسي، وتفاقم الاتجار بالبشر، وانعكاساتها الخطيرة على النساء والفتيات في بعض المناطق منها مخيمات تندوف “حيث يدفعن الثمن غاليا”.
ولفتت عائشة الدويهي رئيسة مرصد جنيف الدولي للسلام والديمقراطية وحقوق الإنسان إلى أن المنظمات الحقوقية لها دور مهم كونها أكثر مرونة من أجل التواصل مع مختلف الفاعلين والجهات للترافع حول القضايا العادلة على جميع المستويات بما فيها نسب التقاضي، لأن ما يقع للنساء في المخيمات ليس فقط انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وليس خروقات، بل يصل إلى جرائم حرب.
كما أكدت الدويهي في تصريح لـ”العرب” أن الأعمال العدائية ضد النساء داخل مخيمات تندوف تتكرر بما فيها نزع أبنائهن، واستعمالهن كأداة لإطالة الأزمة وأعمال الاغتصاب والتعذيب داخل السجون، وأيضا الضغط النفسي وجرهن إلى البروباغندا الحربية وأعمال الترهيب والحرمان من الحقوق الأساسية التي تشترك فيها مع جميع سكان المخيمات، وأن وما يحدث الآن داخل المخيمات تغير مركزه القانوني وأصبح يدخل في خانة جرائم الحرب.
ونبّهت منظمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية إلى أن النساء والفتيات يتعرضن بصفة رئيسية وعلى نحو متزايد للاستهداف باستخدام العنف الجنسي، بما في ذلك استخدامه كأسلوب من أساليب الحرب، حيث تمثّل النساء المدنيات، وفق المنظمة، النسبة الأكبر لضحايا عمليات القتال المسلح، إلا أن نسبة منهن ينخرطن في العمل المسلح كمقاتلات، سواء طواعية أو مكرهات حيث يتعرضن لامتحان مضاعف نظرا إلى طبيعتهن الجسدية.
وأوضحت رئيسة المرصد أن جبهة بوليساريو صادرت الحق في تنظيم الأسرة كخيار طبيعي لكل امرأة، وتم فرض سياسة الإكراه الإنجابي على النساء في المخيمات، متوقفة عند مظهر آخر من مظاهر العنف تمثل في إجبار النساء على تسليم أطفالهن إلى الجبهة لإرسالهم في مجموعات إلى أميركا اللاتينية لفترات طويلة دون أن يكون لدى هؤلاء النساء القدرة أو الحق في الاحتجاج على الترحيل الجماعي لأطفالهن.
وعرضت المنظمة أوضاع النساء المحتجزات بمخيمات تندوف كنموذج مخز لما تعانيه النساء في الأزمات الإنسانية، حيث تعيش مخيمات تندوف الهشاشة البنيوية التي تسم وضع النساء والأطفال، وهن يجدن أنفسهن ضمن التعسفات الممنهجة التي تمارسها قيادة بوليساريو كالاتجار بالبشر، والزواج القسري، والاستغلال الجنسي، والتجاهل الذي تمارسه سلطات الدولة المضيفة الجزائر.
وأبدت الناشطة الحقوقية الإيطالية جيورجيا بوتيرا قلقها تجاه انتهاكات الحرمة الجسدية والمعنوية للأطفال والنساء ومجموع المحتجزين في مخيمات تندوف، متوقفة بشكل خاص عند ظاهرة إجبار الفتيات على الزواج المبكر، بما له من انعكاسات صحية فادحة، وأنه لا يمكن البقاء في حالة تجاهل تجاه ما يجري، داعية إلى تحريك الآليات على المستوى المتوسطي من أجل وقف هذه التعسفات.
منظمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية نبّهت إلى أن النساء والفتيات يتعرضن بصفة رئيسية وعلى نحو متزايد للاستهداف باستخدام العنف الجنسي
وسجلت المنظمة أن العنف الجنسي يأتي على رأس قائمة الاعتداءات التي يمكن أن تلحق بالنساء في فترات النزاع المسلح، والذي كثيرا ما يتم استخدامه كسلاح حرب لتطبيق أجندات سياسية على أرض الواقع وفرض السلطة على الأرض.
وقالت ذات المنظمة إن النساء يعانين من كونهن الحلقة الأضعف والأكثر هشاشة في السلم المجتمعي، وهو واقع يلقي بثقله على النساء في مناطق النزاع ويضاعف من حدة عدم المساواة والتمييز بين الجنسين القائم مسبقا، مشيرة إلى أن النزاع يمكن أن يسفر عن قبول مستويات أعلى من العنف ضد النساء والفتيات، بما في ذلك عمليات القتل العشوائي، والتعذيب، والعنف الجنسي، والزواج القسري.
ومن النماذج التي عانت من تعسف بوليساريو الناشطة الحقوقية وعضو المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية سعداني ماء العينين التي تم تهجيرها قسرا رفقة أطفال آخرين وهي في التاسعة من عمرها إلى كوبا، حيث ظلت منقطعة عن أسرتها لمدة 18 سنة.
وفي هذا الصدد أكد محمد سالم عبدالفتاح رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان أن تدخلات الهيئات الحقوقية الإنسانية المتضامنة مع قاطني مخيمات تندوف تصطدم بالتنصل والتنكر من قبل الدولة الجزائرية بالنظر إلى المسؤوليات الملقاة على عاتقها، لكونها الدولة المستضيفة لتلك المخيمات، وتنصلها من التزاماتها، وتفويضها عددا من سلطاتها لجماعة على ترابها، كما تستمر حالة الاحتجاز التي يتعرضون لها، ومنها معاناة النساء المعنّفات، فصار المتدخلون الحقوقيون في ما يجري في مخيمات تندوف عاجزين أمام هذه الحالة الاستثنائية.
وأشارت اللجنة الوطنية للقانون الدولي (مؤسسة رسمية) إلى الحصار المضروب على النساء المحتجزات في مخيمات تندوف وما يتعرضن له من تعسف ومن انتهاكات ماسة بكرامتهن وظلم ومس خطير بحقوقهن الأساسية بشكل يتناقض مع القيم الإنسانية المشتركة، وتابعت أنه إذا كان القانون الدولي الإنساني يوفر الحماية للمرأة في النزاعات المسلحة، فإن ما تتعرض له المرأة في المخيمات يبعث على التساؤل حول مدى فعالية أحكام القانون الدولي الإنساني في توفير الحماية الإنسانية الفعلية للمرأة.