الناقد السينمائي محمد أشويكة لـ"العرب": السينما آلية أيديولوجية بالمعنى الفكري للكلمة

في حوار جمعه مع صحيفة "العرب"، يقدم الناقد السينمائي المغربي محمد أشويكة كتابه الأحدث حول السينما المغربية، والأسلوب الذي اتبعه في تأليفه، إلى جانب نظرته الخاصة لقطاع الفن السابع وتأثيره وتأثره بالشعوب وبالتجارب الإنسانية المختلفة، مركزا على الحساسيات الجمالية التي تميز السينما المغربية عن غيرها.
بدأت رحلة السينما المغربية كمرآة للتطور الثقافي والفني في المملكة، حيث شهدت نشوء المهرجانات السينمائية على الصعيدين المحلي والعالمي، وانطلق المخرجون المغاربة في استكشاف طريقهم في هذا الميدان، مما أسهم في ظهور مجموعة من الكتاب الذين يقومون بتحليل الأفلام وصياغة الكتب حول فن السينما المغربية، وترسم كتاباتهم مسارا فنيا وتطورا ثقافيا، يسهم في إثراء المشهد السينمائي على الساحتين الوطنية والعالمية.
أحد أكثر هؤلاء الكتاب غزارة في مجال النقد السينمائي المؤلف محمد أشويكة، الذي يستعرض في كتابه الأخير بعنوان "السينما المغربية من التراكم إلى الحساسية الجمالية”، موضوعات متعددة منها التطورات التي شهدتها السينما المغربية، كما يسلط الضوء على الجوانب الجمالية الحساسة التي تميز هذا الفن.
جاءت في كتاب شويكة الجديد آراء وتوضيحات عن واقع السينما المغربية بكل حيثياتها الموضوعية والتقنية، كما استشهد بنماذج من أفلام مغربية حديثة، ونوعية انشغالاتها في خضم هذا التراكم الحاصل على مستوى الإنتاج، وطرح بعض القضايا المتعلقة بالحساسيات الجمالية التي تجمع بين هذه الإنتاجات.
عن سبب اختيارات المخرجين لهذا النوع من المواضيع، يقول محمد أشويكة في حوار مع "العرب"، "يأتي هذا الكتاب ضمن مساءلة بدأتُها حول السينما المغربية منذ كتابي الأول ‘السينما المغربية: أطروحات وتجارب’ الصادر في العام 2008، وهو المشروع الذي تجاوز اليوم عشرة كتب مكرّسة لما تحفل به السينما المغربية من موضوعات وشخوص وتفاعلات وتجاذبات، على الرغم من أن كل فيلم يشكل تفرده الخاص، وفقا لمستوى صاحبه الثقافي وتكوينه وخلفيته الفكرية إلا أن بعض المواضيع تتكرر أحيانا في السينما المغربية، لاسيما الموضوعات العاطفية والاجتماعية إلا أن ما يصنع الفارق يكمن في تناول التيمات من زوايا مختلفة، وبطرق مغايرة".
هكذا، يرى الكاتب أن "السينما المغربية تتطرق كباقي الإبداعات الإنسانية إلى موضوعات تدور في فلك الحب والدين والروحانية وبعض الظواهر الخارقة لكنها تغرق في الواقع الاجتماعي المرير أو فساد المدينة (الدِّيسْتُوبيا) وتنفتح بشكل محتشم على قضايا التاريخ".
ويصف لنا المؤلف محتوى الكتاب والنقاط الرئيسية موضحا “ينقسم الكتاب إلى أربعة فصول حَاوَلَتْ في مجملها الانطلاق من مساءلة الكم في علاقته بالكيف، وإمكانية بلورة حساسية أو حساسيات فنية تُمَيِّزُ السينما المغربية عن مثيلاتها في العَالَم، فمن المعروف أن سؤال الكم في علاقته بالكيف شائك ومعقد في الفن، ولكن الأمر في علم التسويق يكون واضحا لأن الإقبال الكمي على المحتوى يجعل العلاقة
بينهما متناسقة. من حيث المبدأ، يبدو ضمنيا، وبشكل عام، أن الأمور الكمية أهم من الأمور النوعية بالنسبة لمسيري قطاع السينما والجمهور العام، ولكن ذلك لا ينطبق على محبي السينما والنقاد والمتذوقين للفن السابع بشكل عام لأن مرجعيات الذوق والأهداف تختلف. ويفيد الكم التعدد والتنوع والكثرة.. ويشير الكيف، بالدرجة الأولى، إلى اختلاف الجوهر الإبداعي، وهذا ما تَمَّ الرهان عليه في اختيار الأفلام".
تطرق الكاتب إلى مجموعة نماذج محددة من الأفلام المغربية، وعن سبب اختيارها هي دون غيرها يقول لـ"العرب"، "اخترت ما يزيد عن أربعة عشر نموذجا فيلميا من مختلف الأجيال السينمائية بالمغرب، مخرجين ومخرجات من الجيل المُؤسس والمخضرم والجديد، أنجزوا جملة من الأفلام الروائية والوثائقية، القصيرة والطويلة، فضلا عن مداخل نظرية تهم الشباب والمرأة والإنتاج والإخراج والتلقي".
ويوضح "يمكننا تبرير هذه الاختيارات بقدرتها على اختزال المعاني المختلفة للكيف المؤدي إلى نشوء الحساسية الفنية التي تتأسس على معنيين أساسين: يتجلى المعنى الأول في اختلاف المادة الفيلمية التي تحدد الكيفية التي انتهجها المخرجون في إعداد وإنجاز الأفلام لأن المسألة لا تتعلق باختلاف المادة فحسب، بل أيضا في تساوقها مع الشكل. ويشمل المعنى الثاني اختلافات الحركية الفيلمية التي تتآلف بموجبها الشخصيات والأشياء".
وفي حديثنا عن الاستفادة القصوى للقراء من خلال توضيحاته وآرائه حول واقع السينما المغربية، يقول محمد أشويكة “واقع السينما المغربية متغير ومتبدل بالرغم من كل المكتسبات التي راكمها مهنيو القطاع لأن فهم ما يعتمل في دواليب المجال يتطلب وعيا بقيمة المنتج الخيالي، والابتعاد عن الإدارة المرحلية المُشَخْصَنَة، وأساليب الدعاية المُتَجَاوَزَة، فالفن سيرورة تطبعها الاستمرارية، ولا يخدمها تضارب المصالح. قد لا يدرك البعض بسهولة أو بسرعة ما تتضمنه مختلف الإستراتيجيات الرمزية التي تهدف إلى إنشاء أنواع نقدية خاصة بالصورة السينمائية، ولكن فسح المجال للحديث عن تكتيكات جدلية حوله، شفهيا وكتابيا، يرتبط في عمقه بمفهوم التعليم والقيم".
ويكشف المؤلف الجوانب التقنية التي اهتم بها في تحليل الإنتاج السينمائي المغربي قائلا “حاولت منذ كتاباتي الأولى حول السينما الاشتغال على الاهتمام بالتقنيات السينمائية التي تشكل جوهر هذا الفن، وذلك للحديث عن السينما من داخل السينما، والابتعاد عن تغريب الخطاب عن مصادره المُلْهِمَة، فالحديث عن السينما يتطلب معرفة عميقة بمهنها ولغتها ومدى إسهام صناعها في صناعة جمالياتها التي تختلف عن جماليات النص المكتوب".
ويضيف أنه "يمكن تحليل أعمال المخرجين المغاربة من خلال علاقتهم بالتقنيات، وحساسيتهم تجاه فَنِّيَاتِها (الإخراج؛ إدارة الممثلين..)، وطرائق توظيفهم للآليات (تموضع الكاميرا، الإنارة، تقنيات الصوت..) واعتيادهم على بعض المعدات والأجهزة (الأستوديوهات مثلا)، وإتقان الخطابات التكنولوجية أو النظرية أو الحديث عن الخيال.. وهي مفيدة في رصد وفهم وتأويل الإنتاج السينمائي المغربي".
ويتناول الكتاب الصادر حديثا قضايا الحساسيات الجمالية في السينما المغربية، حيث يرى المؤلف في هذا السياق أن مؤلفه يقوم بـ”تعريف الحساسية الجمالية ضمن ما تعنيه الحساسية الفنية عموما من قدرات وكفايات لدى الأفراد على تشكيل الذائقة والقدرة على تقدير الاهتمامات المتعلقة بالفن وإنتاجه والتصرف بناء على ذلك".
◙ محمد أشويكة حاول منذ كتاباته الأولى حول السينما حاولت الاشتغال على الاهتمام بالتقنيات السينمائية التي تشكل جوهر هذا الفن
ويشير إلى أن "المقصود في الكتاب ما يمتلكه المخرجون السينمائيون المغاربة من قدرات فنية، وما يفرق بينهم من حساسيات تجاه الذات والعَالَم، يجعل السينما المغربية تتميز به عن مثيلاتها من السينمات الأخرى، ومنه ما يدخل في سياق الفردي الخاص، أي مختلف المؤثرات التي صدر عنها المخرج، ومنه ما يندرج ضمن السياق العام، أي المؤثرات الخارجية المرتبطة بالبيئة الحاضنة لمنظومة إنتاج الأفلام المغربية لاسيما وأن دوائر التلقي محدودة للغاية، وأشكال الرقابة متأصلة ومضاعفة. ولذلك، أعتقد بأن حساسية المخرج الفنان تكون مغايرة إذا استطاعت فهم كل ذلك وتجاوزه بطرق فنية غير مباشرة".
وفي حديثنا عن الموضوعية في مجال التأليف السينمائي، يوضح محمد أشويكة لـ”العرب” أن “مسألة الموضوعية تشكل في مجالات الذوق والتذوق تحديا كبيرا أمام الباحث في حقول العلوم الاجتماعية والإنسانية لأن التعبير عن مشاعر أو أفكار معينة لا يمكن قولها أو إظهارها بسهولة عبر مختلف الأنماط الفنية، فضلا عن أن السينما آلية أيديولوجية بالمعنى الفكري للكلمة، فهي مجال أثير للذات، يسمح لها بالإعلاء من قيمة الأنا".
ويوضح "حاولت أن يقدم مشروعي رؤية موضوعية للسينما المغربية لا تَنْظُر إلى ذاتية الفن على أنها تقويض لمساهمته البناءة في موضوعية المعرفة. وأعتقد أن الاستشهاد بها من قبل أولئك الذين لديهم اهتمام خاص بالفن السينمائي، يُقَوِّي من إمكاناتها التي تدخل في نطاق القوة النقدية للعلاقة بين الفن والعلم لا بوصفها علاقة تضاد وتنافر، وليست مسألة حدود، بل هي انعطافات متشابكة في الفهم".
وفي سؤالنا عن سبب اختيارات المخرجين لمواضيع معينة في الإنتاج السينمائي المغربي وكيف تؤثر هذه الاختيارات على الصورة النهائية للسينما المغربية، يفسر المؤلف بقوله “يصعب التفصيل في هذا الموضوع باقتضاب لأن عملية الاختيار محكومة بما هو ذاتي وموضوعي. يمكن أن تتوفر حالات الصفاء التام والهدوء العميق للمخرجين كي يتأملوا ويختاروا موضوعاتهم التي تخدم مشاريعهم، وما أقل حملة المشاريع الفنية في بلادنا، ويمكن لآخرين، أن يُحَضِّرُوا موضوعات على عجل للحصول على الدعم الذي يتيح لهم إنجاز فيلم معين فقط. وهنا يمكن التأكيد على أن الاختيار يمر عبر مرحلة مهمة من التأمل مهما استولى على الذات المتأملة الشعور بالدوار أثناء الانتشاء بلحظات الحرية، إذ مهما أراد المبدع التخلص من ثقل الاختيار، وإرضاء أطراف الإنتاج (الدعم والإنتاج المشترك) فإنه يسقط في دائرة التقليص من حرية الإبداع، وتلك مشكلة السينما المغربية المستعصية”.
ويكشف الناقد محمد أشويكة أن “هناك استمرارية لمشروعي حول السينما المغربية، سيكون الجزء القادم منه مكرسا لبعض المكونات الثقافية في هذه السينما بالنظر إلى أن اهتمام الدراسات السينمائية الثقافية محصورة للغاية، ولا تنفتح بما فيه الكفاية على علم الاجتماع والأنثروبولوجيا الثقافية والفلسفة والإثنولوجيا والأدب والطب والفنون وغيرها. وهناك بحث آخر حول السينما والفلسفة، فضلا عما يمكن إنجازه من مداخلات ومحاضرات حول مجالات اشتغالي البحثية والإبداعية".