الميليشيات الشيعية تُنذر رئيس الوزراء العراقي باغتيالها ضابطا في المخابرات

الاغتيالات في العراق، سواء طالت نشطاء معارضين أو مسؤولين أمنيين، تظلّ سلاحا فتّاكا بيد الميليشيات الشيعية في حروبها ضدّ خصومها لا تهدف فقط لتحييدهم من الصراع ضدّها، ولكنّها تستهدف أيضا معنويات من يفكّر في السير على نهجهم وتهديد مصالحها ومصالح المعسكر الإقليمي الذي تنتمي إليه وتعمل لحسابه.
بغداد – جاء اغتيال ضابط كبير في جهاز المخابرات العراقية، بمثابة إنذار شديد اللّهجة لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في أوج توتّر علاقته بالميليشيات الشيعية المعروفة باستخدام سلاح الاغتيالات لتصفية خصومها من نشطاء وسياسيين وأمنيين وغيرهم.
واغتيل الاثنين العقيد نبراس فرمان مدير المخابرات بمنطقة الرصافة في العاصمة العراقية بغداد على يد مسلحين مجهولين.
وقال ضابط في شرطة بغداد إنّ المسلّحين هاجموا بالأسلحة الرشاشة مركبة تقل العقيد نبراس وأصابوه بعدة طلقات نارية في مناطق متفرقة من جسده فارق على إثرها الحياة. وأوضح متحدّثا لوكالة الأناضول أنّ المسلحين لاذوا بالفرار إلى جهة مجهولة فيما وصلت قوة أمنية من الجيش والشرطة إلى مكان الحادث وفتحت تحقيقا عاجلا لمعرفة ملابساته.
ويرأس الكاظمي جهاز المخابرات العراقية الذي كثيرا ما كان موضع ارتياب الميليشيات الشيعية لصعوبة اختراقه من قبلها قياسا بباقي أجهزة الدولة بما فيها الأمنية، وهو ما يفسّر الحملات المعلنة ضدّه والتي وصلت حدّ اتّهام قياداته بـ“العمالة” لدول إقليمية وبالتواطؤ في قتل قائد فيلق الإيراني قاسم سليماني ورئيس أركان الحشد الشعبي أبومهدي المهندس مطلع العام الماضي في غارة جوّية أميركية قرب مطار بغداد الدولي.
والعقيد نبراس هو ثاني ضابط في المخابرات العراقية يتمّ اغتياله في أقلّ من ثلاثة أشهر بعد المقدّم محمود ليث حسين الذي اغتيل في مارس الماضي في منطقة المنصور ببغداد.
وبلغت علاقة رئيس الوزراء العراقي الذي يشغل أيضا منصب قائد عام للقوات المسلّحة، بالميليشيات المشكّلة للحشد الشعبي منعطفا جديدا من التوتّر بعد أن قامت قوة أمنية الأسبوع الماضي باعتقال القيادي في الحشد قاسم مصلح للتحقيق معه بتهم تراوحت بين الفساد المالي والتورّط في اغتيال النشطاء المعارضين.
حادثة اغتيال العقيد في المخابرات العراقية هي الثانية خلال أشهر بعد اغتيال مقدّم في الجهاز في مارس الماضي
وعلى إثر ذلك قامت الميليشيات باقتحام المنطقة الخضراء المحصّنة وسط بغداد حيث يوجد أهم المقرات الحكومية والسفارات الأجنبية وحاصرت لفترة وجيزة مقرّ إقامة الكاظمي.
وتصاعدت عمليات الاغتيال خلال السنوات الماضية مع تصاعد حركة الاحتجاج الشعبي ضد تجربة الحكم الموصوفة بالفشل والفساد في العراق والتي تقودها بشكل رئيسي قوى شيعية من أحزاب وفصائل مسلّحة مرتبطة بها، وذات مصلحة كبيرة في حماية تلك التجربة وضمان استمرارها.
واستهدفت تلك العمليات نشطاء معارضين وقادة بارزين للحراك الشعبي. ورغم وجود قناعة عامّة بمسؤولية الميليشيات على تلك العمليات، إلاّ أنّه لم يحدث إلى حدّ الآن أن تمت محاسبة أي من مرتكبيها، ما جعل اعتقال مصلح بمثابة سابقة رأت فيها الميليشيات تصعيدا ضدّها من قبل القوى الأمنية المرتبطة برئيس الوزراء.
وليست المرّة الأولى التي تلوّح فيها الميليشيات الشيعية بخيار القوة في وجه الكاظمي والأجهزة الأمنية الخاضعة لإمرته. ففي شهر مارس الماضي نظمت ميليشيا ربع الله استعراضا للقوة في شوارع بغداد سيّرت خلاله العشرات من الشاحنات رباعية الدفع وعلى متنها العشرات من المقاتلين المسلّحين والرافعين لصور رئيس الوزراء ومسؤولين آخرين وعليها آثار دوس بالحذاء.
كما استهدفت الميليشيا بشعاراتها ولافتاتها وكيل الاستخبارات في وزارة الداخلية العراقية الفريق أحمد أبورغيف. وحملت إحدى اللافتات عبارة “أيّها السيء سنقطع يدك بمجرد المساس بالمقاومة”.
وكانت تلك العبارة تشير إلى قيام القوات الأمنية آنذاك بتوقيف شخص جرح في حادث انفجار دراجة نارية في منطقة المشتل ببغداد وتبيّن لاحقا أنه عنصر من ميليشيا ربع الله كان مع شخص آخر على متن الدراجة المحمّلة بالمتفجّرات وفي الطريق لتنفيذ إحدى العمليات. وقد قتل سائق الدراجة بينما نُقل مرافقه تحت حراسة أمنية إلى إحدى المستشفيات حيث هاجم عناصر من الميليشيا المستشفى وقاموا بنقل الجريح إلى مكان مجهول وذلك قبل أن يستمع المحقّقون إلى أقواله.

ويُعتبر اغتيال العقيد فرمان بمثابة تصعيد ضدّ الدائرة القريبة نسبيا من رئيس الوزراء المعروف بقربه من جهاز المخابرات ومتابعته الميدانية لعمله.
ويعتبر الجانب الأمني إحدى نقاط قوة الكاظمي في قيادته المرحلة الانتقالية الصعبة في العراق بعد تسلّمه رئاسة الحكومة في ظرف سياسي واقتصادي واجتماعي بالغ التعقيد.
وقام الكاظمي منذ تسلّمه المنصب بتعديلات في قيادة الأجهزة الأمنية استبعد بموجبها شخصيات مقرّبة من الأحزاب والميليشيات الشيعية، وعيّن بدلا منها شخصيات معروفة بمهنيتها وكفاءتها، لكنّ تلك الأحزاب والفصائل رأت أنّ رئيس الوزراء بصدد تنفيذ “انقلاب” تدريجي ضدّها وهاجمته على أساس ذلك كما هاجمت جهاز المخابرات الذي تعتبره أخطر أداة في يده.
ويعتبر متابعون للشأن العراق أن تركيز الكاظمي على المجال الأمني هو استغلال لنقاط قوّته في مواجهة الميليشيات والحدّ من تسلّطها على الدولة، إذ أنّ تجربته في قيادة جهاز المخابرات وفّرت له خبرات واسعة في المجال ومكّنته من ربط شبكة علاقات قد تساعده في تلك المواجهة.
ويلخّص أبوعلي العسكري المسؤول الأمني في ميليشيا كتائب حزب الله العراقي نظرة التوجس من الجهاز ورئيسه عندما يقول في بيان إن “الكاظمي عندما كان يشغل منصب رئيس المخابرات العامة قام بتسهيل قتل سليماني والمهندس”، داعيا إلى “أخذ الثأر” منه.
كما سبق لقيس الخزعلي قائد ميليشيا عصائب أهل الحقّ المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني أن هاجم الكاظمي بعد قرار جهاز المخابرات نقل بضع مئات من منتسبيه إلى هيئة المنافذ الحدودية، معتبرا القرار جزءا مما سمّاه “مؤامرة تحاك ضد العراق”، مدّعيا امتلاكه “معلومات موثوقة” بشأن تسليم إدارة جهاز المخابرات العراقي لفريق أمني من دولة عربية، ما جعل الجهاز يرد على الخزعلي ببيان قال فيه إنّ فئات سياسية وإعلامية تتعمّد الإساءة إلى “سمعة الجهاز والنيل من كرامة ووطنية ضباطه ومنتسبيه”، واصفا ضباطه بـ“الأوفياء لوطنهم”.