المونتاج والإخراج المرتجل يضعفان فيلم "الإسكندراني"

فيلم يفشل في تحويل الرواية إلى تحفة سينمائية ناجحة.
السبت 2024/06/01
غياب إدارة الممثل يضعف أداء أحمد العوضي

يختار بعض المخرجين من فترة إلى أخرى، العودة إلى الأدب لتحويل أعمال روائية شهيرة إلى أفلام سينمائية، لكن بعضهم يسقط في فخ الاستسهال، فيقدم فيلما لا يعيد معالجة الحدث الروائي وشخوصه بنفس العمق والرؤية والفلسفة الخاصة بكاتبه، بل هم أحيانا يكررون النص الروائي دون إدراك لأهميته.

تحويل عمل أدبي إلى فيلم سينمائي مهمة تتطلب الكثير من الحسّ الفني والفهم العميق لجوانب القصة ورؤية كاتبها، إذ يمثل هذا التحويل تحدٍّ يواجهه العديد من الفنانين تكون فيه النتائج متفاوتة بشكل كبير.

وفيما يتعلق بتحويل رواية “الإسكندراني” للكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة إلى سيناريو فيلم، كانت التوقعات عالية لتقديم قصة ملحمية تنقلنا إلى عالم من الجرأة العائلية والثأر، ومع ذلك انتهى الأمر بفيلم لم يحقق النجاح المرجو، مما يثير العديد من الأسئلة حول الأسباب وراء هذا الفشل السينمائي.

ربما كان أحد الأسباب الرئيسية وراء هذا الفشل هي عدم قدرة فريق الإنتاج ومخرج الفيلم خالد يوسف على فهم وتقدير عمق وتعقيدات الرواية الأصلية، إذ تحمل في طياتها تفاصيل دقيقة وصورا تتطلب تفسيرًا معمقا وترجمة فنية متقنة إلى لغة السينما، وقد يكون للقيود الميزانية والتقنية دور كبير في تحديد مدى نجاح الفيلم، فالتحويل الناجح لرواية إلى فيلم يتطلب تكنولوجيا متطورة وميزانية كبيرة لتقديم الصور والمشاهد بشكل يواكب توقعات الجمهور ويعكس براعة الرواية الأصلية.

أحداث الفيلم تدور في الإسكندرية وتركز حول شخصية بكر التي يجسدها الممثل أحمد العوضي، وصراعه مع والده
أحداث الفيلم تدور في الإسكندرية وتركز حول شخصية بكر التي يجسدها الممثل أحمد العوضي، وصراعه مع والده

تدور أحداث فيلم “الإسكندراني” حول بطل اسمه بكر الإسكندراني يمر بالعديد من الصراعات مع والده وابن عمه وحبيبته، فيقرر السفر إلى الخارج بحثا عن حياة جديدة، وحينما يعود بعد تحقيق ذاته تعود الصراعات لتطارده مجددا.

العمل سيناريو الراحل أسامة أنور عكاشة، وبطولة كل من أحمد العوضي، وزينة، وحسين فهمي، وبيومي فؤاد، وصلاح عبدالله، ومحمود حافظ. وهو مأخود من رواية “الإسكندرانى” التي صدرت في سبعينيات القرن الماضي، للكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة، ولم يتم تقديمها من قبل، حتى اشترى المخرج خالد يوسف حقوقها من أجل تحويلها إلى فيلم سينمائي.

تتركز أحداث الفيلم التي تدور في مدينة الإسكندرية حول شخصية بكر التي يجسدها الممثل أحمد العوضي، وصراعه مع والده الحاج علي الذي يؤدي دوره الممثل بيومي فؤاد، وابن عمه يونس الذي يؤدي دوره الممثل محمود حافظ، إذ يتنافس بكر مع يونس في صراع متنامٍ يتحول إلى انتقام، بعد أن يخطف يونس حبيبة بكر السابقة، قمر التي تجسدها الممثلة زينة، حيث يتزوج يونس قمر وينجبان طفلًا يطلق عليه اسم علي، في محاولة لجذب انتباه عمه علي وإظهار الولاء له.

يتجلى الصراع الدرامي في العلاقة بين الشخصيات التي تبدأ برفض بكر مسار حياته المقترح من والده، فيسعى لتحقيق طموحاته في الملاكمة والابتعاد عن العمل في تجارة السمك، فيبدأ صراع الابن والأب وتتطور القصة لتبرز الاختلافات بينهما، ما يجعل هذا الصراع محور الأحداث الرئيسي في الفيلم، ومع ذلك يظل بناء السيناريو مقارنة مع الرواية قابلاً للتطوير والتحسين لتعزيز تماسكها وجاذبيتها للجمهور.

استخدم المخرج خالد يوسف تقنية الفلاش باك بشكل يشوش التركيز، حيث بدأ بعرض لقطات من عودة بكر من أوروبا ثريا بعد فترة غياب طويلة استمرت 10 سنوات، ثم عاد مرة أخرى إلى بداية الأحداث لنتعرف على شخصيات الحاج علي ويونس داخل وكالة السمك، وعلى شخصية بكر وسبب خلافه مع والده ومغادرته لمدينة الإسكندرية، وفيما بعد، يعود بنا المخرج مرة أخرى لمشاهدة المواجهة المنتظرة بين بكر ووالده، وهذا في الحقيقة أظهر رداءة المونتاج من حيث تركيب الأحداث وتواليها، والأسلوب السريع والعشوائي في التقاط اللقطات المناسبة.

تبرز المشاهد الأخيرة حبكة الفيلم من خلال تصدي ابنة الخواجة، لمحاولة بكر تغيير معالم المنطقة، حيث يحول وكالة السمك والمقهى وجميع المحلات إلى شركة للتخليص الجمركي، مستغلا ضعف الناس وقلة رزقهم وإغرائهم بالمال، فتظهر ابنة الخواجة كشخصية مقاومة ترفض بيع محل الأنتيكا الخاص بوالدها وتستنكر المبالغ الضخمة التي عرضها عليها بكر.

يمكن اعتبار أداء الممثل بيومي فؤاد في دور الحاج علي متوسطًا، حيث جسد الشخصية ببرودة رغم المساحة الشاسعة للدور، لكنه يفتقر إلى الطبيعية في العديد من اللقطات ويبدو متصنعًا بعض الشيء، أما بالنسبة لأداء الممثل أحمد العوضي يرتجل في العديد من المشاهد والحركات التي جعلت غياب إدارة الممثل يظهر جليا في أداءه، وعلى الرغم من أن استخدامه للغة الجسد كان معقولًا.

على الرغم من قوة السيناريو الذي يحمل رسائل هامة، يفتقر الفيلم إلى القدرة على تقديمها بشكل فعال
على الرغم من قوة السيناريو الذي يحمل رسائل هامة، يفتقر الفيلم إلى القدرة على تقديمها بشكل فعال

يعاني فيلم “الإسكندراني” بصفة عامة من رداءة في عملية المونتاج وارتجالية في الإخراج، مما يؤثر سلبا على تجربة المشاهدة وخاصة في ترتيب اللقطات وترتيب المشهد، مما يجعل القصة تبدو متشتتة وغير منسجمة، كما يظهر الإخراج بشكل عشوائي دون تسلسل الأحداث، ما يخلق ارتباكا أثناء المشاهدة. ثم يظهر أيضا غياب إدارة الممثل التي تكشف الكثير من الارتجالية في الحوارات غير الموجهة بشكل جيد والتي أداها الممثلون باستخفاف، ما يقلل من قوة التعبير عن الشخصيات ويجعل العلاقات بينها تظهر غير متجانسة، فعلى الرغم من قوة السيناريو الذي يحمل رسائل هامة، يفتقر الفيلم إلى القدرة على تقديم هذه الرسائل بشكل فعال.

في مقارنة بين فيلم “الاسكندراني” وفيلم “كارما”، اللذين أخرجهما خالد يوسف، يمكن القول إن يوسف أظهر تميزه بشكل واضح في إخراج وكتابة “كارما”، الفيلم الذي يتناول موضوعات قوية حساسة ومعقدة تتمحور حول العلاقات بين المسلمين والمسيحيين انطلاقا من قصة شاب مسلم يقع في حب فتاة مسيحية ويتزوجها رغم الاعتراضات الشديدة من المجتمع. رغم ذلك، لا يقتصر الفيلم على الجانب الرومانسي فحسب، بل يسلط الضوء على التحديات الاجتماعية والسياسية في مصر، ويبرز دور الأجهزة السيادية في التدخل في شتى مجالات الحياة.

هذا التدخل المستمر يثير مخاوف حقيقية من تزايد القيود على حرية التعبير في البلاد، وهو ما يعبر عنه الفيلم بجرأة ووضوح، إذ يتجلى إبداع خالد يوسف في قدرته على معالجة قضايا اجتماعية حساسة بعمق وإتقان، مما يجعل “كارما” عملا فنيا مميزا يثير التفكير والنقاش حول قضايا جوهرية في المجتمع المصري عكس عشوائية فيلم “الإسكندراني”.

أما أداء الممثل عمرو سعد في “كارما” فهو لا يمكن مقارنته بأداء أحمد العوضي في “الإسكندراني”، لأن سعد ممثل قوي يجسد  ببراعة شخصيتين هما أدهم ويوسف، حيث يظهر في إطار اجتماعي تشويقي يتناول الفوارق الطبقية والصراعات المرتبطة بها. ويتميز أداء عمرو سعد بالقوة والعمق، إذ يقوم بدور مزدوج يتطلب مرونة وتنوعا كبيرين، مما يجعله يتفوق بوضوح على أداء أحمد العوضي في “الإسكندراني”، الذي بدا متصنعا وغير طبيعي.

ومن جهة أخرى نجد أن الممثل خالد الصاوي في “كارما” يخرج عن الثوابت التقليدية التي اعتاد على تجسيدها، حيث يبرز الجوانب الاجتماعية والروحانية للشخصية، مما يضفي على أدائه عمقا وتعقيدا فريدين. وعلى النقيض يظهر بيومي فؤاد في “الإسكندراني” بأداء باهت وغير مقنع، حيث لم يأخذ دوره بجدية كافية، مما أفقد الشخصية مصداقيتها وتأثيرها على الجمهور.

13