الموناليزا.. الشاهد الأخير على وباء كورونا

قد نختلف حول تفسير القيمة الفنية للموناليزا ولكننا لن نختلف على مدى شهرتها التي دفعت الناس إلى استلهامها.
الثلاثاء 2020/03/17
يستلهمون الموناليزا.. حتى في كورونا

منذ أن رسمت عام 1503، وعلى مدى 500 عام، احتلت الموناليزا المكانة الأولى بوصفها أشهر لوحة في العالم، شيء ما جعل منها أيقونة، استلهمها الفن الشعبي (بوب آرت). وكان من بين أشهر الفنانين الذين استلهموها؛ أو “اعتدى عليها” وفق تعبير سلفادور دالي، الفنان الأميركي آندي وارهول.

اللوحة التي طافت الولايات المتحدة عام 1963 في جولة ناجحة، لفتت انتباه آندي، الأب الروحي للفن الشعبي، البوب، فالتقط الخرافة التي أحاطت بالموناليزا ومنحتها أهمية تاريخية مميزة. أنجز وارهول سبع لوحات، كانت لوحة ليوناردو الشهيرة محورا لها، ويعتبر النقاد أن اللوحة المعنونة بـ“الموناليزا الملوّنة” هي من أكثر اللوحات إثارة للاهتمام، بل والأكثر أهمية من بين أعمال الفنان جميعها.

في تلك اللوحة، حسب نقاد للفن التشكيلي، يمكننا أن نرى دليلاً على قدرة الفنان الاستثنائية في التقاط روح العصر، في لحظة معينة من الزمن، ليقدم مثالا مبكرا على قدراته الواعية لاستشراف عصر تصبح فيه الفنون مرتبطة بشكل لا ينفصم مع ثقافة الاستهلاك.

خلال شهر أكتوبر الماضي، عام 2019، افتتح واحد من أكثر العروض الفنية المنتظرة، هو المعرض الاستعادي للفنان ليوناردو دافينشي، في متحف اللوفر في باريس، الذي احتفل بالذكرى 500 لرحيل عبقري عصر النهضة. وذكّر القائمون على المعرض بمقال لسلفادور دالي، حمل عنوان “لماذا يهاجمون الموناليزا”.

حسب دالي، الذي قدم إجابته عن السؤال، تعرضت الموناليزا لنوعين من الهجمات، النوع الأول فكري متطرف، أفضل من يمثله حركة دادا الفنية، عندما قام مارسيل دوشامب، أحد أبرز المنتسبين إليها، بإضافة شارب صغير على صورة للموناليزا، مع تعليق شهير”Elle a chaud au cul”، إنها ساخنة المؤخرة.

اللوحة التي وصفها دالي بـ“الوجهية البسيطة”، ورسمها أكثر الفنانين غموضا، فريدة من نوعها، وفي قدرتها على إثارة أكثر أنواع العنف والاعتداء تطرفا.

النوع الثاني من العنف، الذي تعرضت له اللوحة، هو عنف يرتكبه بدائيون، بقصد إلحاق الأذى المادي باللوحة، بدءا بإلقاء حجر عليها، وصولا إلى محاولة تمزيقها، أو سرقتها لفترة تطول أو تقصر، بقصد إثارة الفضول.

سلفادور، المأخوذ بالتفسير الفرويدي للأمور، يرى أن النوع الأول من الاعتداءات، يجسد المثالية الفنية القصوى، وأن من يقوم بهذه الاعتداءات، يمثل “الرجل الذي يثور على سلطة الأب ويتغلب عليه أخيرا”.

أما لتفسير النموذج البدائي الثاني من الاعتداءات، فيسوق دالي تحليل فرويد للرغبة الجنسية المكبوتة لدى ليوناردو، والأحلام اللاواعية التي تدور حول والدته؛ يزور أحد المتاحف ابنًا ساذجًا بسيطًا، وبالنسبة إلى هذا الابن الساذج، فإن المتحف عبارة عن بيت عام، وبعبارة أخرى، بيت دعارة، حيث يتم تعزيز التشابه من خلال وفرة المعروضات المثيرة للغرائز، وفي خضم كل هذا الاختلاط الإيروتيكي، يصاب ابن أوديب بالذهول لاكتشاف صورة لأمّه، تم عرضها بأقصى قدر من المثالية الأنثوية؛ والأسوأ من ذلك أن الأم تبتسم إليه بشكل غامض، ليصبح الهجوم سلاحه الوحيد للرد على هذه الابتسامة، أو يحاول سرقة اللوحة لإخفائها عن الأنظار اتقاء للفضيحة والعار الذي قد يجلبه عرضها في مكان عام.

يقول سلفادور، أيّ شخص قادر على تقديم تفسيرات مختلفة للهجمات التي تعرضت لها الموناليزا، أن يلقي حجره الأول في وجهي؛ سوف أستلهمها وأكمل مهمّتي في بناء الحقيقة.

لم يكتف سلفادور، الذي استلهم الموناليزا، أو اعتدى عليها، بإضافة شارب إلى وجهها، بل أضاف إليها أيضا ملامح وجهه.

ابحث في غوغل قليلا، ستجد للموناليزا، صورة وهي تحتسي الجعة، وفي أخرى ترتشف النبيذ الأحمر. وهناك صورة للموناليزا بملامح الكوميدي البريطاني الشهير مستر بين. وأخرى تحمل إلى صدرها نبتة الخشخاش. وهناك من أضفى عليها ملامح يابانية، ومن قدمها بملامح المغنّي البريطاني، بوي جورج، أو على هيئة قط، أو ممرضة.

الاعتداءات التي لا تحصى، يضاف إليها الجديد كل يوم؛ جيش من الباباراتزي يلاحقون الموناليزا، يقدّمونها بصور مختلفة. ومن حسن حظ عالم النفس فرويد أنه رحل قبل أن يشهد هذا كله، فهو مهما اجتهد لن يجد تفسيرا لكل تلك الاستعارات، بل سيعزوه للكبت الجنسي.

للشهرة إغراءات لا يعلمها سوى شركات التسويق والإعلان. قد نختلف على تفسير القيمة الفنية للموناليزا، ولكننا لن نختلف حتما على مدى شهرتها، التي دفعت الناس، من مختلف المشارب، إلى استلهامها.

واليوم، والعالم يشهد جائحة، قد تتطور لتكون الأسوأ في تاريخ البشرية، حضرت الموناليزا، ولكن هذه المرّة حضرت وهي تخفي ابتسامتها وراء قناع طبي.

لا نعلم حتى الآن الثمن الذي ستدفعه البشرية، بسبب جائحة كورونا، سواء على الصعيد البشري، أو الاقتصادي، أو الاجتماعي، ولكن ما نعرفه، بالتأكيد، أن صورة موناليزا، مرتدية قناعا طبيا على وجهها، ستبقى بعد رحيل آخر من شهد الوباء من البشر، لتكون هي شاهد على عام 2020، العام الذي اجتاح فيه فايروس كورونا دول العالم.

15