الموسيقى أقل حظا من الدراما والسينما والتلفزيون في سوريا

موسيقيون سوريون يطالبون بكسر قيود الإنتاج لتقديم أعمالهم.
الخميس 2022/05/26
موسيقى عربية بآلات وأجيال جديدة

تحفل الحياة الموسيقية والغنائية في سوريا بالطاقات الإبداعية الخلاقة التي أوجدت لنفسها أثرا كبيرا في تاريخ الموسيقى العربية. فصحف التاريخ الفني تبين أن أول من أوجد المسرح الغنائي والاستعراضي عربيا كان أبوخليل القباني ابن دمشق، ومن حلب يظهر اسم عمر البطش وشاح العرب أستاذ المطرب صباح فخري، كما تظهر أسماء أخرى في التلحين والعزف والتوزيع والغناء. وما تعيشه الموسيقى السورية حاضرا يحمل الكثير من طاقات الإبداع لكن هناك العديد من العوائق تعوق تقدمها.

تحاول الفرقة الوطنية السورية للموسيقى العربية بدمشق من خلال تجربتها أن تجد طريقا لتجاوز التحديات التي باتت تواجهها الموسيقى العربية اليوم. وقدمت الفرقة أخيرا في دمشق حفلها الأحدث "زخارف سورية" في دار الأسد للثقافة والفنون (أوبرا دمشق) بقيادة المايسترو عدنان فتح الله ومشاركة عازف آلة الساز هوشناك حبش وعازفة آلة الماريمبا حنين ملحو.

وهدف الحفل إلى تقديم الإبداعات الموسيقية الشابة الموجودة في سوريا والتي أنجزت خلال الفترة الماضية العديد من الإبداعات الهامة التي تقبلها الجمهور باهتمام. وكان لافتا أن البرنامج الموسيقي الذي قدم في الحفل ضم مؤلفات موسيقية حديثة، لمؤلفين سوريين شبابا، ولم تقدم مؤلفات موسيقية كلاسيكية أو قديمة كما جرت العادة في الكثير من الحفلات السابقة. وحتى الجزء الوحيد الذي ضم موسيقى رحبانية فيروزية قديمة خضع إلى عملية إعادة توزيع موسيقي وقدم لأول مرة عبر آلة الماريمبا نادرة الوجود في الموسيقى العربية.

حاولت الفرقة أن تعيد الروح إلى الموسيقى العربية من خلال التجديد في التوزيع أو المعزوفات والقطع الجديدة التي فتحت إمكانات جديدة أمام الموسيقى العربية. العمل الأول الذي قدمته الفرقة كان بعنوان “عاطفة” من تأليف وتوزيع عدنان فتح الله، ثم قدمت عمل “تحية” الذي أداه عازف العود السوري الشهير كنان أدناوي وكان من توزيعه، وثالث أعمال الحفلة كان مقطوعات رحبانية للفنانة اللبنانية فيروز من توزيع صالح كاتبة وأنجوت بتوزيع موسيقي جديد فظهرت فيها آلة الماريمبا بالدور الأساسي إضافة إلى الأداء الغنائي وقامت بالعزف على الآلة حنين ملحو.

تحديات إنتاجية

محاولة لإعادة الروح إلى الموسيقى العربية
محاولة لإعادة الروح إلى الموسيقى العربية 

"رؤية فلكلورية" كانت العمل التالي وهو من تأليف وعزف هوشناك حبش وتوزيع مهدي المهدي وطرح تنويعات من التراث الموسيقي الكردي، ثم قدم عمل “ذكرى” من تأليف محمد زغلول وتوزيع مهدي المهدي الذي ألف كذلك “رقصة سورية رقم 1”.

وعاد الحفل ليقدم عملا موسيقيا باسم “كابريس 1” من تأليف وتوزيع عدنان فتح الله خص به آلة الماريمبا وقدمته حنين ملحو عزفا. ليعود هوشناك حبش ليؤدي عملا موسيقيا تأليفا وعزفا باسم “مزيج” من توزيع ناريك عبجيان، وتكون الخاتمة بعمل لكنان أدناوي من تأليفه و توزيعه حمل اسم “رقصة شرقية”.

وعلى خلاف الدراما السورية والسينما والتلفزيون لا توجد للحالة الموسيقية جهة إنتاجية حاضنة. ولا يجد المؤلفون الموسيقيون في سوريا منابر لتقديم أعمالهم على الشكل المطلوب لا فنيا ولا إنتاجيا، ويشكل عدم وجود هذا المنبر الإنتاجي عائقا أمام تطور الحياة الموسيقية في سوريا على الوجه الحقيقي الفعال الذي تستحقه. فالمشهد الموسيقي السوري وخاصة بعد وجود المعهد العالي للموسيقى قدم العديد من القامات في مجال التأليف والعزف والتوزيع حقق بعضها وجودا عربيا وعالميا، مثل غزوان زركلي وكنان أدناوي وكنان العظمة وعصام رافع وكمال سكيكر ومحمد عثمان ومحمد زغلول وإيهاب قطيش ونزيه أسعد وجوان قره جولي وباسم صالحة وغيرهم.

عدم وجود منابر إنتاج يشكل عائقا أمام تطور الحياة الموسيقية في سوريا بالشكل الحقيقي الفعال الذي تستحقه

ويقول المايسترو عدنان فتح الله في حديثه لـ"العرب" عن ضرورة تقديم أعمال الطاقات الشابة وكذلك في ضرورة وجود جهات إنتاجية حاضنة فيقول “هذه الأعمال تقدم على المسرح للجمهور لأن واجب الفرقة الوطنية أن تقوم بذلك ضمن أعمالها الفنية، فنحن لدينا معاناة في تقديم هكذا أعمال في غير هذا الشكل، ولا نستطيع أن نقوم بتسجيلها في أستوديوهات خاصة بسبب التكاليف الباهظة".

ويتابع "ليس لدينا في سوريا شركات إنتاج تقدم هذه الأعمال وبالتالي فإن أيّ مؤلف موسيقي سيكون أمام خيار وحيد هو الدراما التلفزيونية لكي يقدم مؤلفاته ويعرّف بها. كونها مطلوبة من قبل الجمهور وهي محط اهتمامه، وتتيح للموسيقي أن يقدم أعماله فيها بشكل هام، وهو أمر غير صحيح مهنيا ولا يصح حصر المؤلف الموسيقي فيها. لذلك أطالب مع زملائي الموسيقيين والمغنين بأن تكون لدينا مؤسسة إنتاج موسيقي كما هو الحال بالنسبة إلى السينما والتلفزيون، والسبب أن لدينا ما يليق بتقديم موسيقى جيدة محليا وعربيا، ونخرج من فكرة تقديم عرض موسيقي لمرة واحدة في الأوبرا".

ويشدد فتح الله لـ"العرب" أنه "يجب أن نصل إلى مرحلة استقرار تقديم هذه النشاطات عبر تسجيلات تتمتع بتقنيات عالية وتتوفر على مواقع التواصل والعرض، وهو أمر في غاية الأهمية. هذا الشكل من الحضور يؤمّن للجمهور أن يستمع إلى العمل في الوقت الذي يناسبه، وهذا سيساهم بتنشيط متابعة الجمهور وحتما سيطور الموسيقى ويترك فيها إرثا للأجيال القادمة عن كيفية تعاملنا مع الموسيقى ليكون لها لاحقا وجهة نظر في السير قدما للأمام".

ويؤكد المايسترو حضور الموسيقى العربية الآلية والجهود التي بذلت سابقا في سبيل تحقيق الانتشار والاستمرارية فيقول "أنوه إلى جهود لا بد من تحيّتها كونها رسخت الخطوة الأولى في ظهور هذه الموسيقى محليا على الأقل. فكان لجهد الدكتورة لبانة مشوح وزيرة الثقافة عام 2013 بضرورة أن يكون للفرقة الوطنية السورية للموسيقى العربية نصيب من العروض الدورية في دار الأوبرا وكذلك بتسمية قائد لها كبير الأثر في تثبيت الخطوة الأولى في هذا الطريق الطويل. والفرقة تحقق أهدافها الآن بتقديم هذه الأعمال التي أصبحت تقارب الأربعين عملا، وقدمت طيفا من الأعمال لمؤلفين موسيقيين متنوعين وسنعمل على تقديم أعمالهم كلما سنحت الفرصة في ذلك، ونأمل أن نحقق كل أهدافنا لاحقا".

الشباب والتجديد

طاقة شبابية إبداعية متفجرة
طاقة شبابية إبداعية متفجرة 

في طريق الوصول إلى وجود حاضن إنتاجي للفرق الموسيقية يستوعب طاقاتها الإبداعية فإن الفرقة الوطنية السورية للموسيقى العربية تقوم بتقديم أعمال الموسيقيين الشباب المؤهلين علميا وإبداعيا للجمهور السوري ليبقى التفاعل موجودا بينهما.

وفي ذلك يقول عدنان فتح الله قائد الفرقة “مع وجود المعهد العالي للموسيقى بدأنا بتخريج كوادر موسيقية مهتمة بالتأليف الشرقي، بعد تمكنهم من دراسة المواد النظرية في المعهد واهتمامهم بالموسيقى السورية والشرقية عموما. حاول هؤلاء تطوير الموسيقى وإخراجها من موضوعة اللحن الواحد، ونظروا إليها على أنها تحتمل الآلات الغربية وعلم الهارموني وتناغم الأصوات والبوليفوني. هذه الحالة هي من الأهداف العليا للفرقة الوطنية السورية للموسيقى العربية".

ويتابع "فعلنا هذا النهج سابقا في أعمالنا عبر سنوات، فقدمنا موسيقى لعدد من المؤلفين الشباب منهم كمال سكيكر ومحمد عثمان وآخرين لديهم باع في التأليف الموسيقي والتوزيع الأوركسترالي، وهذا ما رسم هوية خاصة للفرقة عن طريق التراكم وأصبحت لدينا هوية للموسيقى السورية المعاصرة تحمل نوعا من الحداثة.

الموسيقيون السوريون الشباب يحاولون تطوير الموسيقى وإخراجها من اللحن الواحد وإدخال آلات جديدة وتناغم الأصوات والبوليفوني

وشخصيا عملت على هذا حتى عندما قدت فرقا سيمفونية عربية، منها في لبنان في قيادة الأوركسترا الوطنية اللبنانية للموسيقى الشرق – عربية فحرصت على تقديم موسيقى سورية لكي يتعرف الجمهور اللبناني على ما يبدعه المؤلفون الموسيقيون السوريون الشباب من نتاج عصري".

ويرى فتح الله أن تقديم المواهب الموسيقية يجب ألا يكون قاصرا على المؤلفين. فالعازفون لهم مساحة في العمل الموسيقي وكذلك تقديم آلالات موسيقية مختلفة بعيدة عن ثقافتنا.

فيقول لـ"العرب" ، "رغبنا بالتنوع في الحفل، فأوجدنا مساحة لآلتين هما الماريمبا والساز. وكان الهدف إلقاء الضوء على المواهب الشابة التي تعزف على هذه الآلات الموسيقية وأن نقدمهم مع الأوركسترا. كما هدفنا موسيقيا إلى تطويع هذه الآلات الموسيقية لخدمة الموسيقى الشرقية والسورية بالشكل الذي نريده لها. والنتيجة كانت مثمرة، فالجمهور أحب وجودهما. ضمن تشكيل الحفل قدم هوشناك حبش أعمالا من تأليفه و الألحان الفيروزية التي قدمت على آلة الماريمبا قدمت من وجهة نظر الموزع الموسيقي كمال صالحة بشكل مختلف فظهرت الآلة الموسيقية وهي تأخذ محل الغناء".

المواهب الموسيقية لا تقتصر فقط على المؤلفين
المواهب الموسيقية لا تقتصر فقط على المؤلفين

15