المنصات الرقمية تخلق موسما دراميا صيفيا ينافس موسم رمضان

تتطور منصات البث العربية بروية سنة بعد سنة لتحرر الإنتاج الدرامي من هيمنة القنوات الفضائية التي حولته إلى تخمة رمضانية فحسب، وتسعى هذه المنصات إلى خلق مواسم درامية أخرى لا ترتبط بشهر رمضان وإنما بجودة الأعمال وتوفير رغبات المشاهدين، وهو ما يترسخ هذا العام مع الموسم الصيفي.
القاهرة - تستعد بعض المنصات الرقمية لبث مجموعة من الأعمال الدرامية في شهر مايو الجاري، تليها سلسلة أخرى من المتوقع الانتهاء منها قريبا وعرضها خلال الشهرين المقبلين، ما يشير إلى اتجاه جديد يعمل على خلق دراما صيفية قوية تضم عددا كبيرا من الأعمال الجذابة التي سيتم عرضها لتتحول إلى ما يشبه “دراما رمضان” ولا تكون مقتصرة على الشهر الكريم، وتصبح هناك مجموعة من المواسم المستمرة على مدار العام، بما يمهد لتحولات على مستوى صناعة الدراما المصرية والعربية.
أعلنت منصة “شاهد” السعودية عن بدء بث مسلسل “اللعبة 4” في منتصف مايو الجاري بعد أن كان من المقرر عرضه في موسم رمضان المنقضي، بطولة هشام ماجد وشيكو. وتستعد لبث مسلسل “روز وليلى”، بطولة يسرا ونيللي وكريم، كما نشرت المنصة البوستر الدعائي لمسلسل “ليه لأ” في جزئه الثالث، وهو من بطولة نيللي كريم أيضا.
ومن المقرر أن تعرض منصة “شاهد” مطلع شهر يونيو المقبل مسلسل “سفاح الجيزة”، بطولة أحمد فهمي وباسم سمرة، ومسلسل “سكر” وهو عمل درامي موسيقي كوميدي، بطولة ماجدة زكي ومحمد ثروت، و”جروب الماميز” الجزء الثاني، ومسلسل “بطن الحوت”، بطولة محمد فراج، بجانب مسلسل “نصي الثاني”، بطولة علي ربيع. وتستعد منصة “واتش ات” المصرية لبث الجزء الثاني من مسلسل “ريفو” الذي حقق نجاحاً جماهيريا في جزئه الأول، بطولة أمير عيد وصدقي صخر.
اختلاف التوجهات
يؤكد عدد الأعمال التي انتهى صناعها من تصويرها في توقيتات سبقت موسم رمضان الدرامي وجود مجموعة من المتغيرات التي طرأت على طرق تفكير شركات الإنتاج التي دائما كانت ترى أن فرصتها الوحيدة للنجاح وقت تزايد معدلات متابعة الفضائيات في رمضان، كما أن وجود عدد من نجوم الصف الأول على رأس الأعمال المقدمة يشير إلى تغير مواز في تفكير الفنانين أنفسهم الذين يثقون بإمكانية تحقيق نجاحات مهمة عبر المنصات في موسم رمضان أو خارجه.
وتمضى المنصات الرقمية بخطى ثابتة نحو خلق مواسمها الخاصة التي تجذب قطاعات واسعة من الجمهور أضحت أكثر ارتباطاً بها مقارنة بفضائيات عربية متعددة، وهو ما يشي بوجود تحولات أخرى على مستوى حجم السوق الإعلانية التي مازالت تستحوذ عليها بعض الفضائيات، وكلما حدثت استدارة إعلانية نحو المنصات يغير ذلك طبيعة موسم دراما رمضان الذي بدأ يتّخذ صبغة قريبة من المنصات عبر التوسع في إنتاج المسلسلات القصيرة التي حقق بعضها نجاحاً جماهيريا هذا العام.

وتقول الناقدة الفنية ماجدة خيرالله إن حالة “التقاتل” لإذاعة المسلسلات في موسم رمضان بدأت تتقلص هذا العام، وربما تتراجع على نحو أكبر في السنوات المقبلة، وإن المنتجين باتت لديهم رؤى مختلفة في الاتجاه نحو الاعتماد على موضوعات تجذب الجمهور بدلاً من تحمل كلفة باهظة في استقطاب نجوم الصف الأول، وهي وصفة حققت نجاحاً مضمومًا في المنصات خلال الموسم المنقضي.
وأوضحت في تصريح لـ”العرب” أن “اتجاهات الجمهور بدأت تختلف، لأن هناك أعمالا ينتظر الجمهور عرضها عقب نهاية موسم رمضان، على رأسها ‘اللعبة 4’ والجزء الثالث من مسلسل ‘ليه لأ'”، معتبرة أن المنصات نجحت باقتدار في عملية التسويق لهذه الأعمال، وخلق حالة تشويق قبل عرضها، على الرغم من أن الجمهور انتهى للتو من “تخمة” الأعمال التي عرضت خلال موسم رمضان.
وتوقعت خيرالله أن تختلف اتجاهات الفنانين أنفسهم الذين ستكون لديهم فرص عديدة للتواجد على مدار العام، ما يحقق لهم انتشارا أوسع، ولن يكون كافيًا التواجد فقط في موسم درامي واحد والغياب طيلة العام، ما يصب في صالح أسماء أخرى قد تحجز مكانها وإن لم تكن ضمن نجوم الصف الأول حاليًا، مضيفة أن تحقيق النجاح يتوقف على من ستكون لديه القدرة على توظيف الفرص التي تتيحها له المنصات بشكل إيجابي.
وتختلف إستراتيجيات نجاح المنصات عن الفضائيات في أنها تبحث دائما عن توليد المزيد من القيمة الفعلية والتنافسية، فمهمتها الرئيسية جذب المزيد من المتفاعلين والحفاظ على حضورها واستخدام طرق جذابة، وتعلم أنها أمام مجموعة من التحديات تحاول التغلب عليها عبر البحث عن جودة المحتوى وتنوعه، ما يخدم صناعة الدراما التي من المنتظر أن تحقق طفرات فنية في السنوات المقبلة.
يتفق البعض من النقاد على أن احترافية المنصات الرقمية وإدراكها لطبيعة الجمهور الذي تخاطبه ومساعيها المستمرة لإحداث قدر من التفاعل معها وعملها بشكل مستمر على تسهيل مهمة الجمهور في الوصول إليها…، كل ذلك يدفع نحو نجاح المواسم الدرامية العديدة التي ستكون متاحة طوال العام، وأن الانتشار الذي حققته بعض الأعمال التي سبقت موسم رمضان هو مقدمة لما ستحققه الأعمال المعروضة عقب انتهائه.
منافسة صعبة
تعمل المنصات الرقمية بشكل مستمر على تحليل بيانات المستخدمين للمساعدة في جذب الجمهور على نطاق واسع، ما يجعلها تسير بخطوات ثابتة نحو تقديم أعمال تتماشى مع رغبات المشاهدين، خاصة أن صناعة الدراما مرتبطة أساسا بما يتماشى مع إستراتيجية رغبات الجمهور وليس رغبات الحكومات المختلفة التي ربما تدفع باتجاه تسليط الضوء على قضايا اجتماعية وأمنية بعينها لخدمة أهدافها.
ويؤكد الناقد الفني أحمد سعدالدين أن موسم دراما رمضان يمكن وصفه بأنه “موسم دراما الفضائيات”، على عكس المنصات التي تعد مواسمها عديدة ومستمرة طوال العام، وأن التنافس التقليدي على تركة الإعلانات عبر الفضائيات يختلف في المنصات التي تعتمد على اشتراكات جمهور يشكل الرافد الأول لتحقيق الأرباح، وهو ما يجعلها في حاجة إلى أعمال فنية متنوعة على مدار العام.
◙ المنصات الرقمية لديها أساليب عديدة تجعلها أكثر قدرة على إنتاج الأعمال الدرامية دون كلفة مالية باهظة
ويوضح في تصريح لـ”العرب” أن "المنصات الرقمية لديها أساليب عديدة تجعلها أكثر قدرة على إنتاج الأعمال الدرامية دون كلفة مالية باهظة، لأنها تعتمد على المسلسلات القصيرة التي قد لا تتجاوز العشر حلقات، وتعمل على توزيع عملية الإنتاج عبر تقديم أجزاء لضمان تحقيق أرباح من كل جزء على حدة عند بثه، وتدرك أن هناك جمهورا لديه رغبة في مشاهدة الأجزاء مجمعة، وآخر ينجذب نحو الحلقات القليلة".
يظهر ذلك من خلال الأعمال ذات الـ15 حلقة والمقرر عرضها قريبًا، كما أن الجزء الأكبر منها يتراوح بين ثماني وعشر حلقات، مثل مسلسل “نصي الثاني” و”سفاح الجيزة” (ثماني حلقات)، وعدد من هذه الأعمال يعد أجزاء ثانية وثالثة ورابعة من مسلسلات عرضتها المنصات سابقًا، مثل “اللعبة” و”ليه لأ” و”ريفو".
وأصبحت المنصات العربية أمام منافسة صعبة مع اتجاه بعضها إلى الاهتمام بالجمهور والمحتوى العربي العام، والتوسع في سوق المنصات بوجه عام بعد نجاح تجربتها، وفي المقابل لا يضر ذلك بصناعة الدراما بل يخدمها، ما يجعل الأعمال المصرية في حاجة إلى تحقيق استفادة كبيرة من الانفتاح المتصاعد لتحسين جودة الدراما المقدمة.