المنشطات تعجز عن إنقاذ العملة التركية

البنك المركزي يوقف مزادات الريبو لتجميل الليرة في أعقاب تراجعها إلى أدنى مستوى لها أمام الدولار خلال ثمانية أشهر.
الجمعة 2019/05/10
انكماش متسارع للعملة التركية

لجأت السلطات التركية إلى إجراءات طارئة غير معهودة بإيقاف عمليات الاقتراض بين المصارف بعد اتساع المخاوف من خروج انحدار الليرة عن السيطرة، في ظل انهيار ثقة المستثمرين بسبب تزايد لجوء أنقرة إلى إجراءات ملتوية لحقن الليرة بمنشطات مؤقتة.

إسطنبول - دخل البنك المركزي التركي أمس في مغامرة غير محسوبة العواقب، بإيقاف مزادات الريبو لأسبوع ولفترة غير محددة، في أعقاب تراجع الليرة إلى أدنى مستوى لها أمام الدولار خلال ثمانية أشهر.

وقال البنك على موقعه الإلكتروني “في ظل التطورات في الأسواق المالية، تقرر وقف مزادات الريبو لأجل أسبوع لفترة من الوقت” لم يحددها.

وأصيبت أسواق المال بالصدمة وسيطر الترقب على المتعاملين بسبب هذا الإجراء غير المعهود في بلدان السوق المفتوح، والذي يفاقم انحدار ثقة المستثمرين ويمكن أن يعمق الأزمات المالية ويلقي بأعباء كبيرة على النظام المالي المتعثر.

وجاء القرار بعد تراجع العملة التركية إلى أدنى مستوياتها منذ سبتمبر الماضي لتصل إلى 6.25 ليرة للدولار، لتصل خسائرها إلى أكثر من 18 بالمئة منذ بداية العام، تضاف إلى فقدانها أكثر من 30 بالمئة من قيمتها في العام الماضي.

وقال مصرفيون إن قرار البنك المركزي سيؤدي إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض للبنوك العاملة في تركيا. ويحاول البنك المركزي وقف تراجع الليرة بصورة أكبر من خلال تقييد مبالغ الليرة التي يمكن أن تشتريها البنوك.

لكن المحللين يقولون إنها إجراءات ملتوية وحقن مؤقت لليرة التركية بالمنشطات من خلال فرض طلب غير حقيقي على الليرة. ورجحوا أن يؤدي إلى نتائج عكسية بعد إلغاء الإجراءات عاجلا أم أجلا.

وتلوح في القرار إملاءات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي يتصاعد غضبه كلما تراجعت الليرة، والذي يتهم مؤامرة خارجية بتخريب الاقتصاد التركي.

ويمكن لتصاعد الشكوك باستقلالية البنك المركزي، أن تفاقم مخاوف المستثمرين بعد تصاعد الشكوك بسيادة القانون والقواعد الاقتصادية خاصة بعد قرار إلغاء نتائج الانتخابات البلدية في إسطنبول.

ويقول محللون إن قبضة أردوغان على جميع مؤسسات الدولة بعد التحول إلى النظام الرئاسي في يونيو من العام الماضي فتحت الباب لقيام دكتاتورية الشخص الواحد.

وقف البنك المركزي لمزادات الريبو إجراء مؤقت لتجميل الليرة لكنه محفوف بالمخاطر
وقف البنك المركزي لمزادات الريبو إجراء مؤقت لتجميل الليرة لكنه محفوف بالمخاطر

وتضع حقائق الأزمات التركية ضغوطا كبيرة على البنك المركزي لرفع معدل الفائدة، إلا أنه مع ذلك أبقى على معدلات الإقراض عند 24 بالمئة بسبب ضغوط أردوغان الذي يعارض رفع أسعار الفائدة.

ومن المقرر أن يعقد مجلس السياسة النقدية للبنك اجتماعه المقبل في 12 يونيو المقبل، وهو ما يختبر قدرته على اتخاذ قرارات مستقلة تستجيب لواقع الأزمات بعيدا عن إملاءات الرئيس التركي.

وسبق للسلطات المالية التركية أن لجأت إلى إجراءات ملتوية لحقن الليرة بالمنشطات لفترة مؤقتة لأسباب دعائية خاصة قبل أيام من الانتخابات البلدية التي جرت نهاية مارس الماضي في محاولة للتأثير على أصوات الناخبين.

وجندت حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان كافة أسلحتها لحقن الليرة بالمنشطات من أجل عبور حاجز الانتخابات البلدية الأحد المقبل، بعد تصاعد قلق حزب العدالة والتنمية من خسارة بعض المدن الكبيرة.

كما لجأت إلى عمليات مالية ملتوية لنفخ احتياطاتها المالية بطريقة شكلية ومؤقتة، وهي إجراءات يقول محللون إنها يمكن أن تغرق البلاد في مستنقع الديون وتغلق أبواب إمكانية خروجها من أزماتها الاقتصادية العميقة.

وكشفت صحفة فايننشال تايمز البريطانية الشهر الماضي أن البنك المركزي التركي عزز احتياطياته من العملات الأجنبية بمليارات الدولارات من خلال الاقتراض لآجال قصيرة محفوفة بالمخاطر.

وقالت إن ذلك يثير مخاوف المحللين والمستثمرين من أن أنقرة تبالغ في تقدير قدرتها على الدفاع عن نفسها مع تجدد انحدار سعر صرف الليرة.

وهاجم الرئيس أردوغان تقرير الصحيفة رغم أنه يستند إلى أرقام رسمية من البنك المركزي، الذي أعلن أن صافي الاحتياطيات الأجنبية تراجع إلى 28.1 مليار دولار في أوائل أبريل، وهي مستويات يرى مستثمرون أنها غير كافية بسبب حاجة تركيا الشديدة للدولار لتغطية الديون والتجارة الخارجية.

وأظهرت حسابات أجرتها فايننشال تايمز أن ذلك الاحتياطي الضئيل، جاء من خلال زيادة غير معتادة في استخدام الاقتراض أو المقايضات قصيرة الأجل، منذ 25 مارس الماضي. وأكدت أن استبعاد تلك المقايضات يجعل الاحتياطات تقل عن 16 مليار دولار.

ووجه أردوغان سهام غضبه إلى وسائل الإعلام الغربية، وأشار بالتحديد إلى صحيفة فايننشال تايمز، وذلك على خلفية التقارير التي تصدرها بشأن حالة الاقتصاد التركي.

وقال في مؤتمر اقتصادي دولي في أنقرة إن وسائل الإعلام الأجنبية تصور بصورة خاطئة الاقتصاد التركي على أنه “انهار”. وأضاف بلهجة متحدية أن “تركيا سوف تبقى قوية وسوف تستمر في طريقها وتنمو لتكون أقوى”.

ويرى محللون أن السياسات الارتجالية التي تتعارض مع القواعد الاقتصادية الراسخة والافتقار للإصلاحات الهيكلية تثير قلق المستثمرين، خاصة في ظل الشد والجذب في ملف الخلافات مع الولايات المتحدة.

ووفقا لصحيفة فايننشال تايمز فإن المحللين والمستثمرين، يشعرون بالقلق من أن حالة الدفاعات المالية الهشة تجعل البلاد غير مجهزة للتعامل مع أي أزمة سوق محتملة.

وأكدت أن المستثمرين يتخوفون بالفعل من ضخ أموال في الاقتصاد التركي في ضوء اتجاه السياسة الاقتصادية الحالية خاصة في ما يتعلق بتدخلات أردوغان في السياسات المالية والاقتصادية.

وتتكشف فجاجة ادعاءات أردوغان في رد مكتوب للبنك المركزي التركي على أسئلة من فايننشال تايمز، يقر فيه علنا لأول مرة بأن استخدامه لمقايضات العملة “قد يؤثر على أرقام الاحتياطيات” لكنه قال إن طريقة حساب قيمة الاحتياطيات كانت “متوافقة تماما مع المعايير الدولية”.

كآبة
كآبة

وجاءت أمس بيانات سلبية جديدة من وزارة الخزانة والمالية، أظهرت تسجيل الخزانة التركية عجزا بقيمة 2.4 مليار دولار في الشهر الماضي، وقد أوردت ذلك وكالة الأناضول التركية الرسمية.

ويمكن لإجراءات وقف مزادات الريبو أن تفاقم متاعب المصارف التركية التي تعاني من جبال من القروض، التي لا تستطيع تحصيلها من الشركات المتعثرة.

وكشفت مصادر مطلعة هذا الأسبوع أن مجموعة من المستثمرين الدوليين يجرون مباحثات مع مسؤولي البنوك التركية، لبحث شراء ديون متعثرة في إطار خطة حكومية تركية لتخليص البنوك من تلك الديون.

وأكدت أن مصرفي الاستثمار الأميركيين غولدمان ساكس وباين كابيتال، بدأ أمس اجتماعات في إسطنبول شارك فيها البنك الأوروبي للإعمار والتنمية ومؤسسة التمويل الدولية التابعة للبنك الدولي.

وتدرس تلك المؤسسات شراء جزء من الديون المتعثرة من البنوك التركية، لكن محللين يقولون إنها عملية تنظيف تجميلية قد تكون باهظة الثمن بسبب صعوبة تحصيل الديون التي يجري التفاوض بشأنها.

وأشارت وكالة بلومبرغ إلى أن مؤسسة الاستشارات “برايس ووتر هاوس كوبرز” تنظم الاجتماع وهو الأول من نوعه منذ كشف وزير الخزانة والمالية التركي براءت البيرق منذ شهور عن خطط للتخلص من ديون قطاعي الطاقة والعقارات المشكوك في تحصيلها.

ووفقا للخطة الحكومية سيتم نقل هذه الديون إلى صندوقين تديرهما البنوك والمستثمرون الدوليون والمحليون. وقالت المصادر إن المحادثات التي جرت أمس هي نقاشات أولية لدراسة تفاصيل عمل الصندوقين وهيكليتهما والمسؤولين عن إدارتهما.

وأكدت متحدثة باسم البنك الأوروبي للإعمار والتنمية مشاركة البنك في الاجتماعات، في حين رفض مصرفا غولدمان ساكس وباين كابيتال التعليق على هذه المعلومات.

وتكشف البيانات الرسمية التركية رغم شحتها وقلة الثقة بدقتها، حجم الأضرار الكبيرة التي لحقت بالمصارف التركية نتيجة ارتفاع حجم الديون المتعثرة والمشكوك في تحصيلها، إضافة إلى تزايد طلب الشركات المدينة إعادة جدولة ديونها.

وتشير البيانات إلى أن البنوك التركية تلقت طلبات لإعادة جدولة ديون قيمتها 28 مليار دولار تقريبا في أعقاب تراجع سعر الليرة التركية أمام الدولار في العام الماضي. ومن المتوقع أن تكون تلك الأرقام قد تضاعفت منذ ذلك الحين.

وتقر السلطات المالية بأن نسبة الديون المشكوك في تحصيلها إلى إجمالي القروض المصرفية في تركيا ارتفعت في مارس الماضي إلى 4.04 بالمئة من نحو 2.9 بالمئة قبل عام. لكن محللين لا يستبعدون أن تكون تلك الأرقام قد خضعت لعمليات تجميلية لتخفيف حجم الأزمة.

10