المناطق الآمنة لشركات الإنتاج المصرية تعوق تطور السينما

هيمنة الكوميديا لا تخدم التنوع وتوسيع سوق عرض الأفلام المصرية.
الجمعة 2023/08/25
أفلام تبحث عن ربح سهل وسريع

حقق الإنتاج السينمائي في مصر خلال الفترة الماضية تراجعا كبيرا على مستوى المحتوى، حيث اتجه أغلب المنتجين نحو الكوميديا الاجتماعية بهدف تحقيق الربح المادي السريع بدلا من التركيز على المواضيع والتنافس العربي، وهو ما دفع نقادا إلى المطالبة بإعادة النظر في طريقة عمل سوق الإنتاج لتطوير السينما المصرية.

القاهرة – عكست الأفلام المصرية في دور العرض خلال موسم الصيف اتجاها عامًا لدى شركات الإنتاج والمخرجين نحو الاستغراق في تقديم الكوميديا الممزوجة بقصص اجتماعية خفيفة، بدت كمناطق آمنة يتحرك فيها صناع السينما لضمان تحقيق عوائد مالية والابتعاد عن المناكفات السياسية، وتوفرت لها عوامل جذب لأسر تحرص على مشاهدة هذه الأعمال، وشريحة من جمهور السينما من صغار السن.

وتواجه السينما المصرية مأزقًا قد يؤدي إلى نتائج وخيمة على مستقبل صناعتها، لأن 11 فيلمًا بدأ عرضها في موسم الصيف حققت إيرادات بلغت 285 مليون جنيه (9.1 مليون دولار)، وهو رقم كبير مقارنة بما تحقق خلال السنوات الماضية، لكن ينقصها التنوع، فليس من بينها أفلام تاريخية أو أعمال تغوص في مشكلات اجتماعية عميقة، وافتقدت إلى أي فيلم جيد يمثل مصر في مهرجانات فنية دولية.

صناعة السينما في مصر تعاني أزمة مُركبة، ما دفع بعض المنتجين إلى تقديم أعمال لا تتطلب كلفة باهظة
صناعة السينما في مصر تعاني أزمة مُركبة، ما دفع بعض المنتجين إلى تقديم أعمال لا تتطلب كلفة باهظة

وسلط المخرج المصري يسري نصرالله الضوء على هذه الإشكالية عندما اعترف بأن السينما في مصر تعاني من محدودية السوق ولن يكون عليها طلب من الخارج في المستقبل، لأن المنتجين يتخوفون من الانتقال إلى المناطق الجديدة، مقابل الخروج من منطقة الراحة والتنازل عن الأفكار والتجارب المضمونة.

وتساءل المخرج المخضرم أثناء مشاركته في ندوة “ماستر كلاس الإخراج” ضمن فعاليات مهرجان عمان السينمائي الدولي الذي اختتم أعماله الثلاثاء: لماذا لا يتم تقديم تجارب سينمائية قائمة على الأكشن، رغم أن مصر فيها أكشن وفنون قتالية ليست موجودة في أي دولة أخرى، والأمر ذاته مع قصص وحكايات الرعب، لافتا إلى أن القائمين على صناعة السينما سيدركون لاحقاً أن أفلامهم مرتبطة بسوق محدود.

وبدأ موسم الصيف بعرض أربعة أفلام في نهاية يونيو الماضي مع إجازة عيد الأضحى، وهي “بيت الروبي” و”البعبع” و”مستر إكس” و”تاج”، ومنذ مطلع أغسطس الحالي جرى طرح أفلام “مرعي البريمو” و”ع الزيرو” و”البطة الصفرا” و”العميل صفر” و”وش في وش” و”خمس جولات” و”مطرح مطروح” الذي جرى سحبه بعد أيام قليلة من عرضه لضعف إيراداته.

ويتفق العديد من النقاد على أن صناعة السينما في مصر تعاني أزمة مُركبة، بدأت مع الخسائر التي حققها عدد كبير من الأفلام في السنوات الثلاث الماضية تأثرا بحالة الإغلاق العالمية بسبب انتشار فايروس كورونا وخروج بعض الشركات من السوق خشية تعرضها للتآكل وسط مخاوف من حدوث ممارسات احتكارية، ما دفع بعض المنتجين إلى الاتجاه لتقديم أعمال لا تتطلب كلفة إنتاجية باهظة.

وبدت الرغبة في ضمان تحقيق أرباح طاغية على أي معايير فنية أخرى، وكان يتم إنتاج الفيلم بالنظر إلى ما حققته أفلام سابقة من إيرادات، ما ترتب عليه خروج موجة أفلام تعتمد على الغناء والاستعراض تعقبها أخرى تصدرت فيها مشاهد العنف، وظهرت الكوميديا كمسيطرة الآن مفتقرة إلى التنوع الذي تقوم عليه صناعة السينما.

وربط البعض من المنتجين في مصر بين توجهات السوق السعودي الصاعد وبين ما يقدمونه من أعمال، ما يمكن ترجمته من خلال الاستعانة بنجوم لهم حضور بارز في السوق الخليجي مثلما الحال بالنسبة إلى فيلم “دادي شوجر”، بطولة بيومي فؤاد وليلى علوي، الذي حقق إيرادات ضخمة في السعودية ولم يحقق المردود ذاته في مصر.

مصطفى الكيلاني: المناطق الآمنة والمضمونة لا تخدم السينما المصرية
مصطفى الكيلاني: المناطق الآمنة والمضمونة لا تخدم السينما المصرية

وقال الناقد الفني مصطفى الكيلاني إن انتشار عبارة “المناطق الآمنة والمضمونة” لا يخدم السينما المصرية التي بحاجة إلى التنوع، وتعاني من تصنيفات خاطئة للأفلام بسبب تقديم أعمال يغلب عليها الطابع الكوميدي، وإن سوق الإنتاج ينقسم بين شركات تملك القدرة على تحصيل عوائد مالية من الجمهور المحلي المصري وأخرى تتجه بأعمالها إلى دول الخليج وتستطيع أن تحقق أيضا عوائد مالية أكبر هناك.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن “الخاسر هو المحتوى الفني، وانبهار بعض شركات الإنتاج بتحقيق عوائد مالية كبيرة في بعض دول الخليج قد لا يستمر طويلاً، لأنه بالنظر إلى تاريخ السينما نجد أن الأفلام التي أنتجت في حقبة الستينات من القرن الماضي كانت تجوب ما يقارب 70 دولة في العالم، والآن الأفلام المصرية تقتصر على 6 أو 7 دول، بينها دول الخليج والمغرب وتونس، وإذا استمر الوضع الحالي فسوف يحدث المزيد من الانكماش الفني”.

وقد لا تكون الكوميديا الجافة التي يقدمها صُناع السينما مقبولة بالنسبة إلى السوق الخليجي، لأنها تعتمد على النكتة والضحك وليس كوميديا الموقف، وانفتاح الأجيال الصاعدة على الأفلام الأجنبية التي لها محتوى متنوع سوف يكون في مقدمة اهتماماتهم.

ولفت الكيلاني إلى أن السينما المصرية تستطيع أن تحقق ضِعف أرباحها الحالية إذا كانت أكثر انفتاحًا على أسواق خارجية سجلت فيها حضوراً في السابق، مثل الصين وروسيا والهند، لكن ذلك يتطلب تقديم مضمون جيد يمكن تسويقه وترجمته لعرضه في هذه الدول، خاصة السوق الروسي الذي يحظر عرض الأفلام الأميركية.

وتواجه السينما المصرية أزمة عدم قدرة شركات الإنتاج والتوزيع على فتح أسواق جديدة، وليس لدى الغالبية العظمى منها رغبة في تحقيق نجاحات خارجية، وتكتفي بما تحققه من إيرادات في الداخل، ويعد ذلك وسيلة آمنة بعيداً عن الدخول في تفاصيل أو قضايا قد يترتب عليها تعطيل صناعة الفيلم لأسباب رقابية ومالية.

وتحتاج الأفلام الناجحة إلى ميزانيات ضخمة تشبه المغامرة غير محسوبة النتائج، كما أن عدم وجود خبرات كافية تجذب تمويلاً لأفلام تتناول مشكلات اجتماعية وتعرض في مهرجانات عالمية يشكل عاملاً إضافيًا، وتبقى شركة “كلينيك” التي يملكها المنتج والسيناريست محمد حفظي الوحيدة التي تقوم بهذا الدور، وإن كانت بدأت تتجه مؤخرا نحو تقديم أفلام تجارية وآخرها فيلم “حامل اللقب” بطولة هشام ماجد.

ححح

وقدم حفظي هذا العام فيلم “19 ب” وجرى عرضه في شهر أبريل الماضي وحصد ثلاث جوائز في مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الأخيرة، وسيشارك بفيلم “هجان” في مهرجان تورنتو السينمائي الدولي في دورته المقبلة التي من المزمع عقدها خلال الفترة الممتدة من 7 إلى 17 سبتمبر المقبل، والفيلم إنتاج مصري – سعودي بين شركتي الإنتاج “إثراء للإنتاج السينمائي” و”فيلم كلينيك”.

غابت الأفلام المصرية عن منصات التتويج في المهرجانات الدولية مؤخراً ولم تشارك الأفلام الروائية الطويلة في الدورة السابقة من مهرجان كان السينمائي، ما عبر عن أزمة في صناعة السينما رغم قدرة الأفلام القصيرة ذات الإنتاج الزهيد على تحقيق نجاحات مهمة في بعض المهرجانات الخارجية.

وحصد الفيلم الروائي القصير “عيسى” للمخرج مراد مصطفى جوائز عديدة، من بينها جائزة أفضل فيلم ضمن فعاليات الدورة الـ71 من مهرجان ملبورن السينمائي الدولي بعد مشاركات في مهرجانات دولية عدة، حصد فيها نحو سبعة جوائز.

وأكد الكيلاني في تصريحه لـ”العرب” أن “مصر تعاني مشكلة ترتبط بعقلية شركات الإنتاج التي لم تعد لديها لجان متخصصة في قراءة أكبر قدر من الأعمال المكتوبة وتقييمها واختيار الأفضل منها، حيث تقوم عملية الاختيار على وجهة نظر المخرجين والفنانين دون دراسة كافية، والكثير من الشركات تستعين بأفلام مقتبسة من أفلام أجنبية أو أعمال ناتجة عن خليط من قصص جرى تقديمها في أفلام مختلفة، وفي النهاية يخرج المنتج ضعيفًا ولا يمكن أن يحجز لنفسه مكانًا في أي منافسة دولية”.

ويطالب نقاد مصريون بتدخل الدولة في الإنتاج السينمائي كما كان الوضع سابقًا لضمان تقديم أعمال جيدة بعيدا عن النزعة التجارية المهيمنة. غير أن الاستجابة بطيئة حتى الآن ولم تخرج شركة الإنتاج، التي كان من المقرر أن تتبع وزارة الثقافة، إلى النور. كما أن الدعم المقدم إلى بعض مشاريع الأفلام لاستكمالها لم يعد موجوداً.

15