الملك محمد السادس يضخ نفسا جديدا في الحكومة بتعديل موسع

بعد مرور ثلاث سنوات على الولاية الحكومية الحالية، أجرى المغرب تعديلا وزاريا شمل عدة قطاعات حيوية على غرار الصحة والتعليم والنقل، في حين تم الإبقاء على الأسماء التي تمثل وزارات السيادة كالعدل والداخلية والمالية والخارجية والأوقاف.
الرباط - أجرى العاهل المغربي الملك محمد السادس، الأربعاء، تعديلا وزاريا موسعا على الحكومة في خطوة لضخّ دماء جديدة في التشكيل الحكومي. وشمل التعديل قطاعات حيوية مثل الصحة والتعليم والنقل، مع تعيين وزراء جدد فيها، بينما بقيت وزارات كالداخلية والمالية والخارجية والعدل والأوقاف على حالها دون تغيير.
وضمت الحكومة وزراء جددا وكتّاب دولة ينتمون إلى أحزاب الأغلبية منذ تكليف عزيز أخنوش برئاستها في السابع من أكتوبر 2021، لتتغير بذلك حصة الأحزاب الثلاثة الاستقلال والتجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة في عدد الوزارات.
وتشمل الحكومة في صيغتها الجديدة ثلاثين وزيرا، موزعين بين ثمانية عشر وزيرا وخمسة وزراء منتدبين وسبعة كتاب دولة في عدد من القطاعات الوزارية لأن عملهم تقني، إلى جانب الأمين العام للحكومة، دون تغيير في وزراء السيادة ويتعلق الأمر بستة وزراء، فيما غادر ثمانية وزراء.
وتم تغيير بعض الوجوه الوزارية كوزير الصحة والنقل والزراعة ووزيرة التضامن ووزيرة الانتقال الرقمي، بينما حافظ عبداللطيف وهبي عن حزب الأصالة والمعاصرة على منصبه وزيرا للعدل، نظرا لارتباطه ببرامج قانونية مازالت مفتوحة كالقانون الجنائي والمدني ومدونة الأسرة.
وقبل تأشير الملك محمد السادس على النسخة المعدلة للحكومة أكد رئيس الحكومة عزيز أخنوش في اجتماع تحالف الأغلبية الثلاثاء الماضي، بحضور نواب ومستشاري الأحزاب الثلاثة المكونة لها، أن النضج السياسي الذي طبع تدبير الأغلبية كان سببا حاسما في تجاوز التعطيل التنموي ومخلفات التأخر المسجل في عدد من الملفات الإستراتيجية.
وفي كلمته أوضح أخنوش أن “الأغلبية الحكومية حريصة منذ بداية هذه التجربة على ضمان تماسكها ومدى قوتها وانسجام مكوناتها، بهدف تجاوز كل الصعوبات الظرفية الموروثة عن فترات سابقة، والتي انعكست سلبا على الأداء الحكومي والبرلماني في السنوات الماضية”. وشمل التعديل الحكومي سبعة كتاب دولة ألحقوا بالوزارات التقنية كالسياحة والصناعة والتجارة وغيرها، فضلا عن تغيير بعض الوزارات التي شهدت احتياجات اجتماعية وقطاعية كوزارة التربية ووزارة التعليم العالي، بالإضافة إلى وزارة الصحة.
واعتبر رضوان اعميمي، أستاذ القانون الإداري والمحلل السياسي، أن “إدماج كتّاب الدولة في الحكومة سيعطي لمجموعة من القطاعات الوزارية ديناميكية أكبر وتسريعا للعمل وتفعيله على عدة مستويات”. وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن “مجموعة من القطاعات الوزارية كانت في حاجة إلى تفادي العراقيل والصعوبات والتأخر على مستوى مجموعة من السياسات العمومية التي يراهن عليها المغرب في المجال الزراعي والطاقي ومجالات اجتماعية، إضافة إلى برنامج التعليم والتعليم العالي”.
وأكد رضوان اعميمي أن “المرحلة المهمة بعد التعديل الحكومي بالنسبة إلى الوزراء الجدد ستتميز بتحدّ مرتبط بسرعة ودقة معالجة الملفات التي تشتغل عليها القطاعات الوزارية التي أصبحوا مسؤولين عنها، بالإضافة إلى خلق ديناميكية على مستوى الهياكل الإدارية التي يشرفون عليها سواء على المستوى المركزي أو اللامركزي”.
وفي إطار الدخول السياسي الجديد اعتبر عزيز أخنوش أن “المكتسبات السياسية والاجتماعية التي تم تحقيقها مشرفة، ونعتز بها، وأننا نجحنا في وضع أسس وركائز الدولة الاجتماعية؛ حيث تمكنت الحكومة، في فترة وجيزة، من تعميم الحماية الاجتماعية، ونواصل العمل على تعزيز أسس الدولة الاجتماعية، وفي قطاع التعليم بدأنا عملية إصلاح متكامل تحت شعار بناء أسس الأسرة”.
وتنتظر الحكومة في نسختها الجديدة، فيما تبقى من ولايتها، الزيادة من نسق اشتغالها خاصة فيما يتعلق بمباشرة برامج عاجلة تهم التشغيل وإصلاح صناديق التقاعد واستكمال الترسانة القانونية بما فيها التصويت على قانوني الإضراب والنقابات.
وتولى عضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار، محمد سعد برادة، مهمة تدبير قطاع التربية والتعليم الأولي والرياضة خلفا للوزير السابق شكيب بنموسى، والذي تنتظره رهانات كبيرة لإصلاح قطاع يعرف عددا من المطبات، مع استكمال تنفيذ عدد من المضامين المرتبطة بالنظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية وحل عدد من الملفات الفئوية الخاصة بأطر التدريس.
وتنتظر وزير الصحة الجديد ووزير التعليم العالي والبحث العلمي رهانات كبيرة من خلال التعاطي مع الاحتقان في صفوف موظفي الصحة وتطويق احتجاجات طلبة الطب المستمرة قرابة عام كامل، وامتناع طلبة الطب عن استئناف الدراسة واجتياز الامتحانات لرفضهم الإصلاح البيداغوجي الجديد في كليات الطب والصيدلة، بالإضافة إلى الإصلاح الجامعي والارتقاء بالجامعة المغربية.
وأمام عبدالصمد قيوح الوزير الجديد للنقل واللوجيستيك، مهمة ثقيلة على مستوى إصلاح مدونة السير وعصرنة قطاع النقل العمومي، كما أن وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات الجديد مطالب بالتعامل الجدي مع أزمة غلاء المواد الزراعية ومواكبة أوضاع المزارعين، إلى جانب الوزيرة الجديدة المكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، التي ستكون في مواجهة ملف إصلاح الإدارة وتبسيط الإجراءات ورقمنتها، وتحسين الخدمات الإدارية بعد إطلاق الإستراتيجية الوطنية “المغرب الرقمي 2030”.
وإلى جانب مجموعة من التحديات والرهانات أمام المغرب على المستوى السياسي والاقتصادي أو الاجتماعي والرياضي أيضا، تزامن التعديل الحكومي مع حركية شملت الإدارة الترابية لمجموعة من العمال والولاة، حيث استقبل العاهل المغربي الأربعاء بالقصر الملكي في الرباط، الولاة والعمال الجدد المعينين بالإدارة الترابية والمركزية.
واعتبر رضوان اعميمي أن "تلك الخطوة بمثابة مؤشر قوي على أن هناك حاجة إلى ضخ دماء جديدة وإلى تسريع مجموعة من البرامج في مجموعة من القطاعات الحيوية، خاصة القطاعات الاقتصادية والاجتماعية"، لافتا إلى أن "المغرب يعول على اللامركزية لمواكبة البرامج الجهوية المتقدمة، بهدف تنفيذ البرامج الكبرى والسياسات العمومية خاصة من خلال المجال الترابي الذي يعتبر امتدادًا لعمل الوزراء على المستوى المركزي".