المفاوضات بين أكراد سوريا تثير هواجس من نوايا انفصالية

المجلس الوطني الكردي يعتبر أن التخوفات حيال المحادثات الكردية الكردية مبالغ فيها وأنه لا نية لإقصاء أي طرف.
الجمعة 2020/06/12
التفاؤل قائم رغم التوجسات

المفاوضات الكردية الكردية برعاية أميركية قطعت شوطا كبيرا في مسار بلورة تصورات مشتركة حول كيفية إدارة مناطق السيطرة الكردية، وسط مخاوف من باقي مكونات تلك المناطق على مستقبلها إذا ما انتصرت الرؤية القائمة على تشكيل حكم ذاتي كردي.

تثير المفاوضات الكردية – الكردية الجارية في شمال شرقي سوريا مخاوف باقي المكونات السورية لاسيما وأن التسريبات تتحدث عن أن هذه المحادثات لا تتركز فقط على المصالحة بين الفرقاء الأكراد بل وأيضا البحث في مستقبل المنطقة الشرقية التي تشمل محافظات الرقة والحسكة ودير الزور.

وتخشى تلك المكونات التي تضم عربا وسريانا وآشوريين وتركمانا، من أن تنتصر المحادثات لأجندة تطمح إلى تركيز إقليم حكم ذاتي كردي في المنطقة، وما يعنيه ذلك من إهدار لحقوق باقي الأطياف العرقية التي تعد جزءا أصيلا من النسيج الاجتماعي في تلك الرقعة الجغرافية، لا بل أن بعضها يملك الغلبة العددية والمقصود هو المكون العربي.

وبدأت المفاوضات بين المجلس الوطني الكردي وهو ائتلاف سياسي يضم نحو 15 حزبا، والاتحاد الديمقراطي الكردي في أبريل الماضي، برعاية الولايات المتحدة وفرنسا، وبمشاركة إقليم كردستان العراق.

وخطت تلك المفاوضات التي تهدف إلى إعادة ترتيب البيت الكردي وتوحيد تصوراته بشأن تسوية الأزمة في سوريا، بما يشمل هنا شكل النظام المستقبلي، خطوات هامة ولاسيما في العلاقة بالترتيبات السياسية بين الفرقاء.

وأوضح عضو المجلس الوطني الكردي فؤاد عليكو في تصريحات لـ”العرب” أن “المفاوضات تجري على مراحل حيث بدأنا بالملف السياسي وقد أنجزت مسودة هذا الملف بالتوافق، وتم التأكيد على أننا جزء من المعارضة السورية التي تطالب بتغيير النظام الحالي إلى نظام ديمقراطي علماني تعددي وأن الشكل الأمثل للحكم ضمن الواقع السوري الراهن وما حصل من انقسام مجتمعي حاد هو النظام الاتحادي (الفيدرالي) مع التأكيد على وحدة سوريا جغرافيا”.

ولفت عليكو إلى أنه تم التأكيد خلال تلك المفاوضات على أن الحوار مع النظام السوري بعيدا عن مظلة الأمم المتحدة غير مجد ونوع من العبثية، وأن القرار رقم 2254 لعام 2015 هو المعيار الأساسي في أي مفاوضات مستقبلية معه وبإشراف أممي مباشر من جنيف.

ويشكل الموقف من الأزمة السورية إحدى النقاط الخلافية البارزة بين المجلس الوطني الكردي والاتحاد الديمقراطي، ففيما انحاز المجلس الوطني منذ البداية للمعارضة السورية وهو لا يزال إلى اليوم ضمن مظلة الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة، فضل الاتحاد الديمقراطي النأي بنفسه وانتهج سياسة “الحياد” مع حصول تقاطعات مع دمشق في عدة محطات من عمر الصراع لعل أبرزها في العام 2016.

فدوى العجيلي: الخلاف الكردي الكردي هو على التصورات لمستقبل المنطقة
فدوى العجيلي: الخلاف الكردي الكردي هو على التصورات لمستقبل المنطقة

وعمد الاتحاد الديمقراطي في منعطفات خطيرة كانت تشكل تهديدا مباشرا له وللمناطق الواقعة تحت سيطرته (التوغلات التركية) إلى فتح قنوات حوار مع النظام السوري، بيد أن تلك المفاوضات لم تحقق أي اختراق فعلي ولم تسفر عن أي نتيجة.

والخلافات بين المجلس الوطني والاتحاد الديمقراطي لا تنحصر في رؤية كل منهما للأزمة السورية لا بل إن لها أبعاد في علاقة بصراع نفوذ تاريخي يتجاوز حدود سوريا إلى الإقليم في علاقة بحزب العمال الكردستاني التركي والحزب الديمقراطي المسيطر على إقليم كردستان العراق.

ولئن تبدي أوساط المعارضة السورية ترحيبا بالحوار بين الجانبين بيد أنها لا تخفي محاذيرها حيال إمكانية أن تنتصر رؤية الاتحاد الديمقراطي الذي تقول إن له صلات بحزب العمال الكردستاني معتبرة أن الأخير يريد فرض خيار إقليم ذاتي يكون منطلقا جديدا نحو المشروع الأكبر وهو قيام دولة كردية على أجزاء من سوريا والعراق وتركيا وإيران، ما يهدد وحدة سوريا.

وتعرب عضو هيئة التفاوض السورية فدوى العجيلي عن دعمها لأي حوار كردي كردي، “ذلك أنه ليس من صالح أحد وجود أي شروخ مجتمعية أو سياسية بين السوريين مهما كان انتماؤهم القومي أو العرقي”، بيد أنها لا تخفي انشغالها بما يدور في المفاوضات الجارية بالحسكة.

وتقول العجيلي “إن الخلاف الكردي الكردي لا يتعلق فقط بشؤون سياسية صرفة، بل على نفوذ وتصورات حول شكل ومستقبل المنطقة التي يحتلها ميدانيا حزب العمال الكردستاني التركي”.

وتضيف “نحن نتقاطع مع المجلس الوطني الكردي الذي يشترط في مفاوضاته فك ارتباط حزب الاتحاد الديمقراطي السوري مع حزب العمال الكردستاني التركي من جهة ومع نظام بشار الأسد والإيرانيين من جهة أخرى، لكن نختلف معه حول تغييب صوت الملايين من عرب المنطقة الشرقية في المحافظات الثلاث دير الزور والرقة والحسكة، لاسيما وأن المحادثات لم تقتصر فقط على بحث الخلافات السياسية بين الأكراد، بل طالت المؤسسات والقضاء والتعليم والأمن والمعابر والجيش في المنطقة التي تعد خزان سوريا النفطي والمائي والغذائي”.

وتلفت العجيلي إلى صدور بيان مؤخرا وقعت عليه 750 شخصية من النخب السورية للتعبير عن “رفضنا لما سيتم الاتفاق عليه طالما أننا لسنا شركاء في التخطيط له ووضعه بما يناسب مصالح شعبنا العربي في الجزيرة والفرات”.

من جهته يقول المعارض السوري ميشيل كيلو لـ”العرب” إنه يؤيد أي حوار يفضي إلى توحيد الموقف الكردي باعتباره ضرورة حيوية، ولكن شريطة ألّا ينتصر هذا الحوار لمشروع إقليمي يهدد وحدة سوريا.

ويؤكد كيلو أنه مع وجهة نظر المجلس الوطني الكردي الداعم لخيار قيام نظام ديمقراطي تعددي في سوريا يأخذ في الاعتبار منح الأكراد وضعا خاصا يسمح لهم بإدارة شؤونهم، وأنه يأمل في أن تنتهي المفاوضات قريبا ويتم عرض ما تم التوصل إليه من تصورات لتسوية الأزمة وشكل النظام على باقي الطيف السياسي وإجراء حوار بنّاء حولها.

ويرى المجلس الوطني الكردي أن الهواجس المثارة حيال المحادثات الكردية الكردية مبالغ فيها وأنه لا نية لإقصاء أي طرف، ويقول في هذا السياق العضو في المجلس فؤاد عليكو “نحن لا نستبعد أحدا من الحوارات ولا يمكننا فعل ذلك، لكننا نبغي من وراء هذا الحوار التأسيس لتصور كردي مشترك ومن ثمة نقدم تصورنا هذا على طاولة الحوار مع قوى المعارضة السورية، وأنه لا يمكن بناء أي رؤية حقيقية للمستقبل السوري وللإدارة الحالية دون مشاركة كافة القوى السورية”.

واعتبر عليكو أن “التخوفات في غير محلها وهي حالة استباقية لا مبرر لها لأننا لا نزال في مرحلة بناء التفاهمات المشتركة، خاصة وأن الملفات التي سنتناولها مستقبلا أكثر صعوبة وتعقيدا، وتحديدا في ما يتعلق بعلاقة حزب الاتحاد الديمقراطي ‘ب.ي.د’ مع حزب العمال الكردستاني ‘بي.كا.كا’ التركي وكيفية تشكيل قوة أمنية محلية وعودة شبابنا من قوات البشمركة (روج آفا) من إقليم كردستان العراق للمساهمة في حفظ الاستقرار في المنطقة”.

إضافة إلى ملف الإدارة المشتركة والاقتصاد والعلاقة مع المعارضة ودول الجوار. وملف التعليم الذي يدمر الآن جيلا كاملا من الأطفال من خلال فرض مناهج غير معترف بها سوريا وإقليميا ودوليا.

وشدد عضو المجلس الوطني الكردي في تصريحاته لـ”العرب” “شئنا أم أبينا هناك واقع أفرزته الأزمة السورية في شرق الفرات وفي شمال سوريا أيضا خارج عن إرادتنا وعلينا التصدي له وإدارة المنطقة بطريقة رشيدة انتظارا للحل السياسي النهائي للأزمة، وهذا ما يتطلب مشاركة جميع أبناء المنطقة من عرب وكرد وسريان وآشوريين وتركمان في تحمل مسؤولياتهم دون إقصاء أو تهميش من أحد”.

2