المغرب يُشرّع أبوابه أمام استخدام العملات الافتراضية

انضم المغرب أخير إلى قافلة طويلة من الدول التي تتيح التعامل بالأصول الافتراضية في سوقها، وذلك بعد تريث دام سنوات لمعاينة هذه التكنولوجيا المالية الحديثة، وترجم في نهاية المطاف إلى سن تشريع لتنظيم هذا النشاط بهدف حماية المستخدمين والمستثمرين من الأخطار المنجرّة عنها.
الرباط - وضعت السلطات النقدية في المغرب قدما باتجاه الترخيص للعملات المشفرة بعدما كان الحديث عن هذا الأمر على مدار سنوات يثير القلق من أن السماح بتداولها قد يؤثر على الاقتصاد المحلي ويفاقم الجرائم الإلكترونية.
وفي كسر للجمود الذي ظل مهيمنا على تفكير أصحاب القرار كشف محافظ البنك المركزي عبداللطيف الجواهري هذا الأسبوع أن هناك مشروع قانون في طور الاعتماد لتنظيم استعمال الأصول الافتراضية.
وأوضح أن مسودة مشروع القانون جاهزة وتنتظر مصادقة الحكومة لبدء مسار المناقشة في البرلمان، الذي “قد يتطلب وقتا أطول” لدراسة التأثيرات الداخلية المرتقبة.
وأشار أمام منتدى الاستقرار المالي الذي عقد في الرباط الثلاثاء إلى أن القانون أخذا بالاعتبار التطورات على مستوى التنظيمات الدولية. وأضاف “يهدف المشروع كذلك إلى تعزيز قدراتنا وخبراتنا في هذا المجال المعقد والمتعدد الأبعاد”.
وشدد على أنه مشروع طويل الأمد، يجب أن يأخذ في الاعتبار السياق الاجتماعي والاقتصادي الوطني، والتطورات المسجلة في المحيطين الإقليمي والدولي، والتأثير على بعض مهام البنك المركزي، مثل السياسة النقدية والاستقرار المالي.
وبحسب الجواهري، فضلت السلطات اتباع “نهج تنظيمي يهدف إلى ضمان حماية ملائمة للمستخدمين والمستثمرين مع الحفاظ على إمكانيات الاستفادة من هذه الابتكارات” المفيدة للاقتصاد.
ويخشى المغرب على اقتصاده وعملته المحلية، نتيجة لاستنزاف العملة الصعبة عبر تجارة العملات الافتراضية، وهو ما قد يخفض في مرحلة من المراحل معروض النقد الأجنبي في السوق المحلية.
وقال الجواهري “فيما يتعلق بالعملات الرقمية للبنوك المركزية، وعلى غرار العديد من البلدان، فإننا نسعى إلى تحديد مدى مساهمة هذا الشكل الجديد من العملات” في تحقيق بعض أهداف السياسة العامة، لا سيما فيما يخص الشمول المالي.
وأكد أن العملة الرقمية حال إطلاقها ستخضع لتحكم البنك المركزي، على عكس العملات المشفرة التي عادة ما تكون لامركزية.
وتم حظر العملات المشفرة في المغرب منذ 2017، لكن الجمهور يواصل استخدامها سرا بالتحايل على القيود، لكن منذ ثلاث سنوات يتم العمل على مشاريع قوانين لتنظيم العملة الرقمية للمركزي والعملات المشفرة، بدعم تقني من صندوق النقد والبنك الدوليين.
وأكد الخبير الاقتصادي المغربي إدريس الفينة أن التشريع ضرورة ومعطى واقعي أفرزه التطور التكنولوجي، ولكون المغاربة الذين يتعاطون التجارة الإلكترونية، يتعاملون بهذا النوع من العملات، رغم عدم وجود أرقام دقيقة بخصوص حجم التعامل.
27
ترتيب المغرب في مؤشر التبني العالمي للعملات المشفرة 2024 الصادر عن منصة شاين أناليزيس
وأوضح رئيس مركز المستقبل للتحليلات الاستراتيجية لـ”العرب” أن المغرب سيسير على منوال عدة دول، وعلى رأسها الولايات المتحدة والصين، التي تفكر في تقنين هذه العملات المشفرة بالنظر إلى إيجابياتها في تقليص كلفة الخدمات المالية وسرعتها كذلك، على غرار التحويلات.
لكنه قال “رغم أن العملة الرّقمية لن تصنع فرقا حاسما في الاقتصاد المغربي دفعة واحدة، ولكنها ذات أثر محوري في بنية اقتصادات المستقبل” عبر نظام مالي تكنولوجي متطور.
وفي الشرق الأوسط شرعت العديد من الدول في منطقة الخليج على اعتماد العملات الافتراضية ولعل من أبرزها البحرين والإمارات والسعودية.
وحل المغرب في المرتبة الـ27 عالميا في مؤشر التبني العالمي للعملات المشفرة لعام 2024 الصادر حديثا عن منصة شاين أناليزيس، كإحدى الدول التي تنتشر فيها حالات استخدام فريدة للعملات الرقمية المشفرة خلف نيجيريا التي جاءت في المرتبة الثانية عالميا والأولى أفريقيا.
ويأتي حلول المغاربة في هذه المرتبة عالميا بالموازاة مع اعتبار البنك المركزي النشاط غير مقنن، لكونها غير مرخصة من قبل حكومة أو اتحاد نقدي معين، إذ يتم إنشاؤها من قبل أشخاص ذاتيين ومعنويين بغرض تسوية المبادلات متعددة الأطراف.
ونظرا لتعقد الجرائم المرتبطة بالعملات المشفرة، ولكونها مع التمويل اللامركزي باتت أهدافا مفضلة للمحتالين والجماعات المشبوهة، فقد عبر المغرب على حاجته الملحة إلى تطبيق لوائح تنظيمية لحماية المستثمرين والحد من هذه الممارسات غير القانونية.
ومع تشبث المركزي المغربي بأن تداول عملة بيتكوين على سبيل المثال يتم في سوق غير منظم، يواصل العمل على مشروع الدرهم الإلكتروني، إذ سينتقل من مرحلة الدراسة إلى التجربة والتفعيل بالاستعانة بدعم تقني من صندوق النقد والبنك الدوليين.
وأحدث مكتب الصرف لجنة داخلية مهمتها تتبع ورصد التعاملات بالعملات المشفرة، وتعمل بتنسيق مع عدد من الإدارات ذات الصلة، مثل بنك المغرب وإدارة الجمارك والهيئة المغربية لسوق الرساميل، والهيئة الوطنية للمعلومات المالية.
وتراقب هذه اللجنة كل ما يرتبط بالتعامل بهذه العملة، كما تعكف على تدقيق عمليات العملات الصعبة التي تتم بين مغاربة ووجهات خارجية من أجل رصد أي مخالفات لقانون الصرف.
وسبق أن حذر المركزي من مخاطر الإقبال على العملات المشفرة في غياب حماية قانونية لتغطية الخسائر في حالة حدوث عجز في منصات التبادل وتقلب صرف هذه العملات، فضلا عن إمكانية استخدامها في أهداف غير مشروعة أو إجرامية، بما فيها تمويل الإرهاب وغسيل الأموال.
وفرضت إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة على أحد المتورطين في المتاجرة بالعملة الافتراضية غرامات مالية تجاوزت 13 مليون درهم (1.3 مليون دولار).
وأثبتت التحقيقات أنه يتعامل، عبر منصة إلكترونية فنلندية، في سوق العملات المشفرة، ويتوسط للراغبين في اقتناء هذه العملة مقابل عمولات تتراوح بين 3 و6 في المئة، حسب قيمة المبادلة.
ويرى الفينة أن المشكلة الوحيدة التي يطرحها تداول العملات الرقمية هو مسألة السيادة، كونها لا تخضع لرقابة دولة أو بنك مركزي معين، وهو ما يفسر حذر بعض الدول من الترخيص بتداولها، لتجنب التعرض لهزات مالية على غرار الانهيار المفاجئ لقيمتها كما حصل مع عملات رقمية شهيرة.
وبخصوص الأمن السيبراني، اعتبر الجواهري، أنه يمثل مصدر قلق كبير، خاصة بالنسبة للهيئات التنظيمية للقطاع المالي. وقال إيمانا منا بضرورة اعتماد مقاربة جماعية، أنشأنا مجموعة متخصصة” يُسيرها الفاعلون في النظام المالي والهيئات التنظيمية.
وعلى المستوى الدولي، انضم المركزي المغربي إلى هيئات متخصصة في مجال الأمن السيبراني لتبادل الخبرات والمعلومات.