المغرب يوازن بين التشريع القانوني والإجراءات العملية لحماية التراث

مشروع قانون يستدرك النواقص والقصور ويسد ثغرات القانون الحالي.
الجمعة 2025/02/07
المغرب يولي تراثه المادي واللامادي أهمية بالغة

يولي المغرب تراثه المادي واللامادي أهمية بالغة ويتخذ إجراءات قانونية وتطبيقية للحفاظ عليه وحمايته من محاولات السطو، عبر ترسانة تشريعية إلى جانب ترميم الأبنية الآيلة إلى السقوط وتأهيلها.

الرباط - تعمل السلطات المغربية على تشريع قانون يضمن الحفاظ على تراث المملكة الثري والمتنوع وحمايته من السرقة، ويشدد وزير الشباب والثقافة والتواصل محمد المهدي بنسعيد على أهميته “في ظل الإكراهات والتهديدات والمخاطر التي أصبح يتعرض لها هذا التراث، مع محاولات الترامي والسرقة بشكل مسترسل من بعض الأطراف التي لا داعي لذكرها.”

وسلط بنسعيد الضوء على الظروف التي تستدعي الاستعجال في تشريع القانون وذلك خلال تقديم مشروع القانون الأربعاء، في جلسة عامة خصصت للدراسة والتصويت، وقال إنه “يهدف إلى تأهيل الترسانة التشريعية في مجال حماية التراث الثقافي والطبيعي والجيولوجي، والمحافظة عليه وتثمينه بهدف استدراك النواقص والقصور وسد الثغرات التي يعرفها القانون الجاري العمل به الذي يعود تاريخ إصداره إلى عام 1980،” مؤكدا كذلك تحديثها وجعلها تساير التشريعات الحديثة المعمول بها لدى بعض الدول المتقدمة.

وتطرّق الوزير إلى ملاءمة المقتضيات القانونية المرتبطة بهذه الحزمة القانونية مع مضمون الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي صادق عليها المغرب، مشيرا إلى أن “أهم المقتضيات الجديدة التي جاء بها مشروع القانون ترتكز على إدراج التعاريف الجديدة المتعلقة بمختلف أصناف التراث الثقافي والطبيعي والجيولوجي، التي تواكب المفاهيم الجديدة المعترف بها دوليا في ما يتعلق بالتراث الثقافي وتتلاءم مع التعاريف الحديثة المعمول بها لدى منظمة اليونسكو.”

وهذه الآثار يمكن أن تكون ذات طابع ثقافي أو تاريخي أو أثري أو علمي أو فني، وظلت مغمورة بالمياه جزئيا أو كليا، بصفة دورية أو متواصلة، والموجودة تحت المياه الوطنية لمدة 100 سنة على الأقل، ولاسيما المواقع والبنايات والمواد وحطام السفن، إذ من المهم إدراج صنف التراث الطبيعي الذي يراد به المواقع الطبيعية والبيئات والفضاءات والمناظر الطبيعية، وبصفة عامة كل المعالم الطبيعية التي لها قيمة علمية أو بيئية أو جمالية.

ويولي المغرب تراثه المادي واللامادي أهمية بالغة، فإلى جانب السعي لسن قوانين للمحافظة عليه، يتخذ إجراءات عملية للترميم وإعادة تأهيل الأبنية المهددة وتكريس ميزانية كافية للشروع في هذه الإجراءات.

وأكد كاتب الدولة في الإسكان أديب بن إبراهيم الأسبوع الماضي بمجلس المستشارين، في معرض حديثه حول “تأهيل المدن العتيقة والحفاظ عليها”، على العناية القصوى التي يوليها العاهل المغربي الملك محمد السادس لهذا النوع من الأنسجة العمرانية، حيث أعطى إشارة انطلاق برنامج تثمين ورد الاعتبار للمدن العتيقة في ثماني مدن، شملت الدار البيضاء والرباط وسلا والصويرة وتطوان ومراكش وفاس ومكناس، وسيتم تعميم الإجراء على باقي المدن الأخرى، بكلفة إجمالية تقدر بحوالي 6.106 مليار درهم.

إدريس الفينة: التطوير يحتاج إلى نهج تشاركي بين السلطات والمواطنين
إدريس الفينة: التطوير يحتاج إلى نهج تشاركي بين السلطات والمواطنين

ونظرا لكون تلك المدن تشكل تراثا ماديا ولاماديا ثمينا، ومن بين المكونات الأساسية للهوية الثقافية والرمزية والمجالية للخصوصية المغربية، فقد أبرز المسؤول الحكومي أن التدخل في المدن العتيقة أصبح يشكل إحدى أولويات عمل الوزارة، والذي يهدف بالأساس إلى الحفاظ على النسيج العمراني والتراث المعماري العتيق، بالإضافة إلى معالجة الاختلالات الهيكلية العميقة التي تطالها ومظاهر التدهور التي تعرفها سواء على صعيد موروثها الثقافي (الأسوار، الساحات، المآثر التاريخية والدينية…) أو على صعيد محيطها المبني والمرافق المرتبطة بها وأنشطتها الاقتصادية والاجتماعية والخدماتية.

وأكد رئيس الحكومة عزيز أخنوش أن حكومته تواصل هذه الرؤية الوطنية الطموحة، عبر تفعيل برنامج عمل 2024 الذي يتضمن بالأساس إتمام أعمال الترميم ورد الاعتبار داخل القصور النموذجية المتبقية، والبلورة الفعلية لبرنامج التثمين المستدام للقصور والقصبات خلال سنوات 2024 – 2028، من خلال التوقيع على أولى اتفاقيات الشراكة مع مختلف الفاعلين المعنيين.

ورصدت وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة للوكالة الوطنية، كافة الإمكانيات المادية والبشرية لتأهيل المباني الآيلة إلى السقوط، وتمكينها من مواصلة عمليات تفعيل النظام المعلوماتي – الجغرافي لقاعدة بيانات الرصد والمراقبة على الصعيد الوطني، حيث تمكنت الوكالة الوطنية عبر هذا النظام المعلوماتي من جرد أكثر من 57 ألف بناية مهددة بالانهيار سنة 2023، وإنجاز الخبرة التقنية لأكثر من 47 ألف بناية خاصة في المدن المغربية العتيقة.

وأشار أديب بن إبراهيم إلى أن التدخل يرتكز على مجموعة من العمليات المتوازية في إطار تعاقدي مع الشركاء المعنيين وذلك بناء على دراسات تقنية متخصصة، تهدف إلى معالجة وضعية قاطني الأبنية المهددة بالسقوط، وتعزيز وتقوية البنايات المهددة بالانهيار وتحسين واجهات المباني المعنية.

أما التدخل الذي يخص الموروث الثقافي فينبني على مقاربة تشاركية وتعاقدية تكفل التقائية مختلف القطاعات ذات الصلة، وذلك عبر تقوية البنى التحتية وتأهيل وترميم المعالم التاريخية والدينية وتحويل بعض البنايات إلى تجهيزات للقرب وكذلك تهيئة الفضاءات العمومية والمدارات والمسالك.

إلى جانب السعي لسن قوانين للمحافظة على التراث، يتخذ المغرب إجراءات عملية للترميم وإعادة تأهيل الأبنية المهددة

وفي إطار نجاح التطوير والتجديد الحضري لهذه المدن والمحافظة على الطابع المعماري أكد إدريس الفينة، رئيس المركز المستقل للدراسات الإستراتيجية، لـ”العرب” أن تحسين جودة الدراسات والتخطيط يتطلب استخدام أدوات نمذجة حديثة ورسم الخرائط الحضرية، بالإضافة إلى تعزيز التعاون مع الخبراء الوطنيين والدوليين.

ويرى أن التطوير الحضري يحتاج إلى نهج تشاركي يشمل السلطات المحلية والمواطنين في المراحل الأولى، لضمان الدعم المحلي. كما يشدد على أهمية التنسيق بين مختلف الجهات المعنية، مثل مجالس المدن والإدارات المحلية، لضمان تنفيذ المشاريع بنجاح.

وتم إطلاق دراسات لإنجاز مواثيق معمارية جديدة بهدف تحسين المظهر العام وتثمين التراث المعماري. وبلغت نسبة التغطية بوثائق التعمير 59 في المئة حتى أكتوبر 2024، ومن المتوقع أن تصل إلى 90 في المئة بحلول 2025، حيث تعكس هذه الجهود رؤية وطنية تهدف إلى تعزيز مكانة المدن العتيقة كفضاءات سياحية وثقافية، تسهم في التنمية المحلية المستدامة.

وحسب معطيات رسمية قامت الوزارة المعنية، خلال الفترة الممتدة بين 2014 و2024، بالتعاقد بشأن ما مجموعه 34 مشروعا يهم التدخل على مستوى المدن العتيقة للمملكة، بكلفة إجمالية تقدر بحوالي 6.106 مليار درهم وبمساهمة من طرف هذه الوزارة تقدر بـ1.905 مليار درهم منها 1.234 مليار درهم تم تحويلها لفائدة المؤسسات المكلفة بإنجاز الأشغال المتعاقد بشأنها.

وتعزيزا لهذه المجهودات يقول كاتب الدولة إن وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة بالتعاون مع قطاعات وزارية أخرى تعمل على إعداد برامج جديدة للتدخل بالمدن العتيقة التي لم يشملها التدخل خلال السنوات العشر الأخيرة، والتي تتطلب تدخلا سريعا من أجل الحفاظ عليها كموروث ثقافي، ومن بينها المدينة العتيقة للجديدة (الحي البرتغالي) والمدينة العتيقة لآسفي.

وتعاني المدن العتيقة مثل فاس من مشكلة الدور الآيلة إلى السقوط، حيث أكد إدريس الفينا لـ”العرب” أن البرنامج الذي تمتلكه الدولة في هذا الصدد قديم، لافتا إلى أن مدينة فاس لديها وكالة مختصة (وكالة التنمية ورد الاعتبار لمدينة فاس)، انطلقت في بداياتها الأولى (منذ تأسيسها سنة 1989) بمشاريع تمحورت حول المعالم التاريخية، فيما أنيطت بها لاحقا مهمة رد الاعتبار لمنازل ومباني المدينة القديمة أيضا، مبرزا أن الوكالة قامت بمجهود كبير خلال العقدين الماضيين، إلا أن هناك مباني مازالت مهددة بشكل كبير وتستدعي التعجيل بعمليات هدمها.

وفي هذا الإطار أشار أديب بن إبراهيم إلى الإستراتيجية الحكومية الجديدة لمعالجة الدور الآيلة إلى السقوط، والتي تعتمد على تنفيذ بنود القانون المتعلق بهذا الشأن وكذلك مرسومه التطبيقي، حيث يتم العمل حاليا على تعميم عملية الجرد والخبرة التقنية اللازمة مع إعطاء الأولوية للمدن العتيقة في المملكة.

4