المغرب يفتح أبواب الاستثمار الصيني في صناعة النسيج

يتطلع المغرب إلى طبع بصمته على قطاع المنسوجات الإستراتيجي، ضمن خطة بعيدة المدى تساعد في وصول منتجاته بشكل أكبر إلى الأسواق العالمية عبر فتح أبوابه للاستثمارات الصينية، بما يعزز سلسلة القيمة ويغذي التنافسية بين الشركات العاملة في البلاد.
الرباط- قررت الحكومة المغربية دعم إنجاز مشروع استثماري إستراتيجي لمجموعة صنرايز الصينية بهدف تنشيط قطاع النسيج، ودمجه بالكامل في سلاسل القيمة العالمية والمساهمة في إستراتيجية إعطاء الأولوية لدعم سوق العمل المحلي.
ويرى المسؤولون والعاملون بقطاع إلى وجود إمكانيات كبيرة لتطوّر هذه الصناعة بسبب جودة المنتجات وتكاليفها الرخيصة، وأيضا للفرص الاستثمارية الكثيرة في سياق توظيف معايير الاستدامة بما يدعم رقم المعاملات السنوية ويعزز الإيرادات.
وسيمكن المشروع البالغة كلفته التقديرية نحو 4.1 مليار درهم (410 ملايين دولار) من توفير 11 ألف فرصة عمل مباشرة خلال ثلاث سنوات في عدة مناطق من البلاد، من خلال إطلاق مجمعات صناعية متكاملة للقطاع بأكمله.
وتعد الشركة الصينية التي تأسست في عام 1986 مورّدا محترفا للأقمشة والملابس سواء كانت محبوكة أو منسوجة، ولديها مصادرها الخاصة بمعدات المعالجة، وأيضا تكنولوجيا متقدمة ونظام صارم لإدارة الجودة.
وكان رئيس الحكومة عزيز أخنوش قد التقى السبت الماضي في مدينة شنغهاي على هامش قمة منتدى التعاون الصيني – الأفريقي مع لي شو رئيس صنرايز الرائدة عالميا في صناعة النسيج، والتي لها فروع في عدة بلدان آسيوية، لمناقشة الصفقة.
وسلط اللقاء الضوء على الانفتاح الاقتصادي للمغرب، وبنيته التحتية التي تستجيب لأفضل المعايير الدولية، وكذلك التزامه من أجل التنمية المشتركة داخل البلاد وأفريقيا في إطار شراكات رابح – رابح.
وأكد رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، وهو أكبر تجمع للشركات يمثل أكثر من 90 ألفا من أرباب العمل، شكيب لعلج الذي رافق الوفد المغربي أن بلاده لديها مقومات مهمة جدا، من قبيل اتفاقيات التجارة الحرة مع أكثر من 60 دولة، ويد عاملة مؤهلة.
وأشار أيضا إلى قرب المغرب من السوق المغربية وغيرها من الأسواق ذات الاستهلاك المرتفع، بالإضافة إلى الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.
وقال إن “كل هذه العوامل تجعل من المغرب بلدا جذابا جدا للشركات الصينية الراغبة في الاستثمار”. ويتماشى فتح الباب للشركة الصينية مع خطط الرباط الطموحة لتطوير القطاع لدعم الطلب الخاص وأيضا مواكبة الطلب المحلي لدعم مبادرة “صُنِعَ في المغرب”.
ورغم أن تحول صناعة النسيج المحلية نحو الاستدامة لا يزال في بدايته، فقد بات من الواضح أن عصر نموذج الإنتاج الخطي بهذا القطاع قد شارف على نهايته حيث يلوح مستقبل أخضر في الأفق.
وأكد ممثلون عن قطاع صناعة النسيج بمقاطعة كيكياو أكبر مركز تجمع للشركات في هذه الصناعة، خلال لقائهم أعضاء الجمعية المغربية لصناعة النسيج والألبسة، الذي نظم نهاية الأسبوع الجاري، على أهمية ترسيخ علاقات الشراكة بين الطرفين.
وشددوا في الوقت ذاته على أن المكانة التي يحظى بها المغرب والفرص والآفاق التي يوفرها سوقها، أضحت تعزز التقارب على أكثر من مستوى. وقال أنس الأنصاري رئيس الجمعية المغربية إن “قطاع النسيج ذو أهمية كبيرة لاقتصادنا، ونحن على قناعة بأن تجربة الصينيين وخبرتهم يمكن أن تضيف قيمة كبيرة لهذه الصناعة”.
وأضاف “المغرب يوفر مزايا تنافسية مثل تكاليف الإنتاج الجذابة، والقوى العاملة المؤهلة، والبنية التحتية الحديثة للنقل، وامتياز الوصول إلى الأسواق الأوروبية والأفريقية بفضل اتفاقيات التجارة الحرة المتعددة”.
ومن المتوقع أن تنافس الشركات الصينية موقع الشركات الفرنسية والإسبانية والبريطانية على رأس القائمة باعتبارها من أكبر زبائن مصانع النسيج المغربية. وأوصت مؤسسة التمويل الدولية، التابعة للبنك الدولي، الرباط بالاتجاه نحو صناعة نسيج أكثر استدامة ودائرية لزيادة صادراتها إلى الاتحاد الأوروبي.
وأشارت المؤسسة إلى أهمية الانفتاح على دول جديدة في التكتل الإقليمي الأوروبي وتشجيع الاستثمار في القطاع مع الامتثال لشروط الملاءمة الأوروبية في معالجة نفايات القطاع التي مازال المغرب يتعامل معها بنوع من التهاون. ووفق البنك الدولي يجب تخصيص ما يناهز 78 مليار دولار لجعل الصناعة المغربية خضراء، وتعبئة الاستثمار من أجل قطاع نسيج مستدام وتنافسي.
وأشار البنك قبل أشهر إلى أن هذا المبلغ يمثل استثمارا سنويا نسبته 3.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد بحلول عام 2050، والذي يعتبر في صميم إستراتيجية مؤسسة التمويل الدولية بالمغرب.
ويعد النسيج واحدا من بين القطاعات الرئيسية، وأكثرها ديناميكية في الاقتصاد المغربي، إذ يعتقد المهنيون أن هذه الصناعة أصبحت اليوم جزءا لا يتجزأ من صناعة مستدامة منخفضة الكربون، وقادرة على تقديم حلول مبتكرة.
ويمثل القطاع أكثر من 17 في المئة من الشركات الصناعية، وهو داعم مهم لسوق العمل، إذ يضم 189 ألف شخص، أي 22 في المئة من عدد العاملين في القطاع الصناعي.
وتعمل الحكومة على متابعة قرابة 102 مشروع جديد في القطاع ضمن مخطط الإنعاش الصناعي بمبلغ استثماري مبدئي ناهز أكثر من 330 مليون دولار يُرتقب أن يسمح بتوفير أكثر من 15.5 ألف فرصة عمل بشكل ثابت.
ويطمح القطاع إلى حيازة 40 في المئة من حصة الصناعات في السوق المحلية مع تحقيق 5.9 مليار دولار للتصدير، و20 في المئة رقم معاملات الصادرات في أسواق أميركا الشمالية وأوروبا.
وهناك توجه لإحداث سلسلة تمهيدية محلية تشمل الخيوط والثياب والطباعة والصباغة من شأنها ضمان تتبع مسار العلامات التجارية وزيادة التعاون القائم بين الشركات المحلية في المراحل الأولى من السلسلة لاستيفاء القواعد الأصلية وقواعد التحويل لدخول تفضيلي إلى أوروبا. وبحسب معطيات وزارة الصناعة، يقدر عدد الشركات العاملة بقطاع النسيج في السوق المغربية، بأكثر من 1500.
وأشار الأنصاري إلى أن رقم معاملات القطاع بلغ 600 مليون دولار بنهاية العام الماضي، بزيادة قدرها 5.5 في المئة على أساس سنوي.
وبلغت قيمة صادرات القطاع 400 مليون دولار، أي 10 في المئة من إجمالي الصادرات الصناعية للمغرب، وملياري دولار قيمة مضافة سنة 2023 أي 8 في المئة من القيمة المضافة الإجمالية للقطاع الصناعي المغربي،
أما حجم الاستثمارات بالقطاع فقد وصلت إلى بلغ 200 مليون دولار العام الماضي، أي 4 في المئة من إجمالي الاستثمارات الصناعية بالبلاد، وفق الأنصاري.