المغرب يطالب الاتحاد الأوروبي بإثبات التزامه بالشراكة بالأفعال لا الأقوال

ناصر بوريطة: الكرة الآن في ملعب الاتحاد الأوروبي لإيجاد الحلول.
الأربعاء 2024/11/27
مرحلة مفصلية تمر بها العلاقات المغربية - الأوروبية

تخفي الرباط انزعاجها من الإجراءات المتخذة من بعض المؤسسات الأوروبية تجاهها والتي لا تصب في صالح الشراكة القائمة بين المغرب والتكتل، وتطالب الحكومة المغربية الاتحاد بضرورة عمل المزيد في حال أراد فعلا الحفاظ على هذه الشراكة وما تحمله من مصلحة لكلا الجانبين.

الرباط - طالب المغرب الاتحاد الأوروبي بصون شراكتهما من الاستفزازات والمناورات السياسية، وقال وزير الشؤون الخارجية، ناصر بوريطة، في لقاء صحفي عقب مباحثاته مع المفوض الأوروبي المكلف بسياسة الجوار والتوسع أوليفير فاريلي، الاثنين بالرباط، أن المملكة تنتظر من التكتل الأوروبي إثبات التزامه بالشراكة عن طريق الأفعال وليس الأقوال.

وتعد هذه الزيارة الأولى لمسؤول أوروبي للرباط بعد قرار محكمة العدل الأوروبية في 4 أكتوبر الماضي، بإلغاء اتفاقيتين تجاريتين بين المغرب والاتحاد تتعلقان بالصيد البحري والزراعة، بدعوى أنهما تشملان سواحل ومنتجات في إقليم الصحراء.

ورغم تطمينات مسؤولين أوروبيين بـ”الحفاظ على الشراكة مع المغرب،” إلا أن الرباط أعلنت آنذاك رفضها قرار المحكمة الأوروبية. ولفت بوريطة إلى أن زيارة فاريلي تأتي في وقت “تمر فيه الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي بمرحلة مفصلية، ولتأكيد أن كل ما يقال في بروكسل وباقي العواصم الأوروبية حول أهمية هذه الشراكة يجب أن يتجسد على أرض الواقع.”

وفي إطار الرؤية التي أصبح المغرب يتبناها في إقامة الشراكات الدولية وتقييمها، اعتبر وزير الخارجية المغربي أنه ينبغي على الاتحاد الأوروبي “تثبيت الشراكة مع المغرب والدفاع عنها ضد الابتزاز والتحرش القانوني والاقتصادي، مبرزا أن المغرب ينتظر من الاتحاد الأوروبي كيف سيتعامل مع هذه الاستفزازات، من خلال التدابير والسياسات التي سيتخذها للتعامل مع هذا الواقع.”

وسجل المسؤول المغربي أن هناك “إجراءات عملية تعاكس فعليا التزام الاتحاد الأوروبي بالشراكة مع المغرب الذي ينتظر اقتراحات وإجراءات عملية للجواب عن التساؤلات والتحديات التي تواجهها هذه الشراكة،” مشددا على أن “الكرة الآن في ملعب الاتحاد الأوروبي لإيجاد الحلول، وأن موقف المغرب واضح وينطلق من الخطاب الملكي بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء، والذي أكد فيه العاهل المغربي الملك محمد السادس أنه لا شراكات على حساب الوحدة الترابية والسيادة الوطنية للمملكة المغربية.”

خالد شيات: موقف باريس ومدريد سيساعد على تجاوز معيقات التعاون
خالد شيات: موقف باريس ومدريد سيساعد على تجاوز معيقات التعاون

وجاء موقف المغرب في وقت قالت فيه مفوضية الاتحاد الأوروبي إن زيارة مفوض شؤون الجوار والتوسع “تعكس إرادة الاتحاد الأوروبي القوية لتعميق الشراكة الإستراتيجية والتضامنية مع المغرب.”

وفي ندوة صحفية  جمعته مع بوريطة بالرباط، أشار المفوض الأوروبي المكلف بالجوار والتوسع إلى أن “الاتحاد الأوروبي يعتبر المغرب شريكاً موثوقاً ويُنظر إليه من قبل أوروبا كركيزة للاستقرار والازدهار، وركيزة أساسية يمكن الاعتماد عليها في موضوع الأمن الإقليمي، وهي شراكة لا مناص منها مع ضرورة التوصل إلى حلول لتجاوز التحديات الحالية التي تواجه هذه الشراكة.”

وقال خالد شيات أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة إن الموقف الأوروبي ينبغي أن يكون واضحا جدا في ما يتعلق بالممارسة الفعلية التي تتبناها مؤسسات الاتحاد الأوروبي في الملفات كلها وخصوصا ملف الصحراء المغربية، مشددا على أن وجود دول مثل فرنسا وإسبانيا الداعمتين للمغرب على المستوى الأوروبي، ستعزز العلاقات الثنائية داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي.

وكانت محكمة العدل الأوروبية رفضت كل الطعون التي تقدمت بها المفوضية الأوروبية للدفاع عن الاتفاقيتين، وأعلن المغرب أنه غير معني بتاتاً بقرار محكمة العدل وليس طرفاً في هذه القضية، مطالباً المجلس والمفوضية الأوروبية والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي باتخاذ التدابير اللازمة من أجل احترام التزاماتها الدولية والحفاظ على مكتسبات الشراكة بين الجانبين.

ولفت خالد شيات، في تصريحات لـ”العرب”، إلى أنه تبين بعد القرار الصادر عن المحكمة أن أكثر من 20 دولة أوروبية أبدت رغبتها في تعزيز علاقتها مع المغرب والاستعداد لتمثيل التعاون بشكل فعال مع المملكة، وأن موقف باريس ومدريد الثابت بشأن قضية الصحراء المغربية سيساعد الرباط وباقي الدول الأوروبية على تجاوز معيقات التعاون، مما يجعل أيّ قرار على مستوى المحاكم الأوروبية أقل تأثيرا ويخدم مستقبل الشراكة بين المغرب والاتحاد الأوروبي.

ويرفض المغرب توظيف المؤسسات الأوروبية وتدخلها في قضية الصحراء المغربية التي هي غير مخولة بالبت فيها أو التداول بشأنها، على غرار ما أقدمت عليه محكمة العدل، ما دفع  فاريلي إلى التأكيد على أنه “يجب تكثيف الجهود اليوم لتجاوز الشدائد والعقبات التي نواجهها، ونحن مثمنون للمشاركة في الإصلاحات التي يطلقها الملك محمد السادس وقد ساهمنا فيها جميعاً، ولنا إرادة للعمل معه، وملتزمون بكل المكتسبات التي حققناها.”

ورغم التعبير عن رغبة الاتحاد الأوروبي للارتقاء بشراكته مع المغرب وبنائها على أسس جديدة، إلا أن ناصر بوريطة جدد التأكيد على أنه بالنسبة إلى المغرب لا يمكن، بأي حال من الأحوال، أن تكون هناك توافقات على حساب الخطوط الحمراء التي تضعها المملكة، مسجلا أن “المغرب بقدر ما يعبر عن التزامه بهذه الشراكة، ويتطلع إلى رؤية أدلة ملموسة بالنسبة إلى هذه الشراكة، وهو ما ننتظره في الأسابيع والشهور القادمة.”

وفي رده اعتبر المسؤول الأوروبي أن الدليل الآخر هو “التوقيع على مبلغ 190 مليون يورو التي تم رصدها في إطار برنامج شامل لإعادة بناء المناطق المنكوبة جراء زلزال سبتمبر 2023 وتأهيلها،” وأضاف أن “هذا البرنامج، الذي تبلغ قيمته الإجمالية 225 مليون يورو، يُعنى بدعم السكان المتضررين من الزلزال وإعادة تفعيل الخدمات العمومية الأساسية وإنعاش الاقتصاد المحلي.”

وفي إطار التزام المغرب بالشراكة أكد المسؤولون المغاربة على حرصهم على تعزيز التعاون مع الوكالات الأوروبية المعنية، بمجال الأمن والهجرة، وإطلاق حوار عالي المستوى في القضايا الأمنية. وقال خالد شيات لـ”العرب” إن التعاون المغربي – الأوروبي في مجال مكافحة الإرهاب مسألة أساسية في تعزيز هذه العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، وهي مسألة جيدة وإيجابية تهدف إلى تكثيف العلاقات الأمنية الثنائية التي كانت هي الغالبة في هذه العلاقات.

وكان المدير العام للأمن الوطني ولمراقبة التراب الوطني عبداللطيف حموشي بحث، الاثنين، مع المديرة العامة لأمن الدولة ببلجيكا فرانسيسكا بوستين سبل تعزيز مجالات التعاون الأمني الثنائي. جاء ذلك وفق بيان للمديرية العامة للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني، نشرته وكالة المغرب الرسمية، على هامش زيارة رسمية تجريها بوستين إلى الرباط، على رأس وفد أمني، بدأت الاثنين وغير محددة المدة.

وناقش الطرفان “أهمية توسيع مجالات ونطاق التعاون الثنائي بين أجهزة الأمن الداخلي في كلا البلدين، وتيسير إجراءات تبادل المعلومات وتقاسم الخبرات والتجارب، وذلك بشكل يضمن الارتقاء بالشراكة الأمنية،” حسب البيان نفسه.

وشكل الاجتماع “مناسبة لاستعراض ومناقشة مختلف قضايا الأمن الداخلي التي تشكل موضوع الاهتمام المشترك بين البلدين، خصوصا مواجهة التهديدات التي تطرحها المخاطر الإرهابية على الصعيدين الإقليمي والدولي، وتحديدا في منطقة الساحل جنوب الصحراء.”

وأضاف البيان أن المسؤولة البلجيكية أشادت خلال اللقاء “بالمستوى المتميز والمتقدم للتعاون الأمني مع مصالح الأمن المغربية في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف، معربة عن رغبة بلادها في تدعيم وتطوير هذا التعاون بما يسمح بتحييد المخاطر المحدقة بأمن البلدين.”

4