المغرب يضع لبنة جديدة في طريق تطوير صناعة الأدوية

يسعى المغرب لتوسيع آفاق صناعة الدواء وتشجيع الإنتاج المحلي من أجل التمكن من تجاوز الأزمات الصحية وتحقيق الاكتفاء الذاتي في هذا المجال إلى جانب القيمة المضافة التي ستنعكس على سوق العمل مع التركيز على التصدير إلى أسواق أفريقيا.
الرباط - وضع المغرب لبنة أخرى في طريق ترسيخ قطاع صناعة الأدوية بتوقيع وزارة الصناعة والتجارة اتفاقيات استثمارية مع شركات محلية في إطار برنامج “تجديد السياسة الدوائية” والذي يمتد حتى العام 2025.
وتشمل الاتفاقيات التي تم إبرامها الأربعاء الماضي ثلاثة مشاريع بكلفة استثمارية تقديرية تبلغ 531.4 مليون درهم (54 مليون دولار) ستتيح توفير 280 وظيفة مباشرة و300 أخرى غير مباشرة.
وتتعلق المشاريع التي ستقام بجهة الدار البيضاء - سطات بتصنيع وتعبئة الأدوية المعقمة القابلة للحقن وإنتاج الأدوية الجنيسة (البديلة) الموجهة إلى السوق المحلية والتصدير، وبتصنيع المركزات الخاصة بغسيل الكلى.
واعتبر وزير الصناعة رياض مزور أن الوتيرة المتواصلة للاستثمارات المولّدة للثروة وفرص العمل، والتي تتشكل في معظمها من رؤوس أموال مغربية “ستشكل الديناميكية الكبرى لكسب رهان الإنعاش الصناعي بالمغرب منها قطاع الدواء”.

رشيد ساري: الميزانية المرصودة للاستثمار جعلت تطوير القطاع أولوية
وتأتي الخطوة بعد أسابيع من تدشين العاهل المغربي الملك محمد السادس أعمال بناء مصنع لإنتاج اللقاح المضاد لفايروس كورونا المستجد ولقاحات أخرى، في خطوة الهدف منها تحقيق الاكتفاء الذاتي للبلاد وتعزيز وصول هذه المنتجات إلى قارة أفريقيا.
وهذا التوجه حسبما أكدت بشرى مداح مديرة الأدوية والصيدلة بوزارة الصحة سيسفر عن زيادة في فرص العمل في مجال صناعة الأدوية لتلبية الطلب المحلي المتزايد.
وبرقم معاملات إجمالي سنوي يناهز 1.5 مليار دولار تمثل 1.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي و5.2 في المئة من الصناعة، يشغل القطاع قرابة 50 ألف شخص.
وقال الخبير الاقتصادي رشيد ساري لـ”العرب” إن “الميزانية الأخيرة المرصودة للاستثمار في ظل ميثاق الاستثمار الجديد الذي يعتبر نقلة نوعية جعل من تطوير قطاع الأدوية من الأولويات المهمة”.
وأرجع ذلك إلى اعتبارات مختلفة منها الوضع الراهن الذي يعيشه العالم في ظل احتمال ظهور أوبئة أو أمراض جديدة “مما يعجل بضرورة الاستثمار في مجال صناعة الأدوية والصحة بشكل عام، والذي سيوفر فرصا بصيغة العمل في مجال المعرفة”.
وتبرز الاستثمارات الجديدة مدى أهمية الدور الذي يضطلع به التصنيع المحلي كمحفز للتنمية وسلاسل القيمة المستدامة وتصدير منتجات متنوعة ذات قيمة مضافة عالية حتى تشق علامة “صنع في المغرب” طريقها نحو النجاح.
وأكدت مريم لحلو المديرة العامة لشركة فارما 5 المتخصصة في صناعة الأدوية أن المغرب لديه مؤهلات تكنولوجية وصناعة متنوعة تستطيع الاستجابة إلى 80 في المئة من الطلب المحلي.
وقالت إنه “من الضروري اتخاذ قرارات سياسية قوية من أجل الدفع بعلامة ‘صنع في المغرب’ في مجال الأدوية، وترويجها داخل المغرب وخارجه”.
وتشير معطيات شركة سوطيما، إحدى أبرز شركات القطاع، إلى أن التصنيع المحلي للدواء تراجع خلال العقدين الماضيين من 80 إلى 50 في المئة.
وتتوقع المديرة العامة للشركة لمياء التازي أن يتضاعف رقم معاملات القطاع بحلول 2026 ليصل إلى 3.5 مليار دولار ارتفاعا من 1.6 مليار دولار كتقديرات حالية بفضل السياسة الجديدة.
ويساندها في هذا الموقف رشيد ساري الذي قال إنه “لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نكون أكثر تفاؤلا بأننا سنحقق السيادة الدوائية قريبا لأننا في مرحلة البناء”.
وأوضح أن “الاستثمار في الصحة أو التكنولوجيا الحيوية (بيوتكنولوجيا) هو مفهوم جديد في البلاد تم الشروع فيه بعد الخطوة الأولى من خلال صناعة اللقاحات”.
وتطالب الفيدرالية المغربية لصناعة الأدوية والابتكار الصيدلي بسياسة تفضل المنتج المحلي للأدوية في طلبات العروض، وذلك لما توفره من استثمارات إضافية ودعم لسوق العمل وكذلك زيادة في حصيلة الضرائب.
ويبقى تزويد السوق المغربية بالأدوية والمعدات الطبية، وتحقيق السيادة الدوائية بتجاوز التبعية للأسواق العالمية في المواد الأولية من أبرز التحديات المستقبلية التي يتعين على القطاع مواجهتها.
ولهذا ترى مداح أن السيادة الدوائية ستضمن للمغرب الأمن الصحي “خاصة في سياق يتميز بالأزمات”، و”التي تستدعي تقوية السيادة الصحية الوطنية والقارية من خلال خلق صناعة صيدلية قوية، وقادرة على إنتاج الأدوية الأساسية، ولمَ لا الأجهزة الطبية واللقاحات”.
وأشار مهنيون إلى أن الصناعة الصيدلية المغربية قادرة على مواجهة التحديات والاندماج في الديناميكية المتطورة للبحث العلمي الدولي، مع تحقيق فرص العمل والانفتاح على الأسواق الخارجية خاصة في أفريقيا.
وطالبت الجمعية المغربية للصناعة الصيدلية بمراجعة التشريعات القائمة ودعم القطاع من أجل تمكينه من الاستفادة بشكل منصف من مختلف اتفاقيات التبادل الحر الموقعة مع مختلف التكتلات الإقليمية.
3.5
مليار دولار رقم معاملات القطاع المتوقعة بحلول 2026 من 1.6 مليار دولار حاليا
وتشكل أفريقيا 13 في المئة من عدد سكان العالم ولا تستهلك سوى 3 في المئة من الإنتاج العالمي، مع جزء كبير من الأدوية المزوّرة، ما يشكل سوقا واعدة بالنمو، مع الأخذ بعين الاعتبار الانفجار الديموغرافي والتحول الوبائي الذي تعيشه عدة دول في القارة.
ويرى ساري أن النجاح الفعلي يستلزم مجموعة من الخطوات أولها وضع استراتيجية عملية بأجندة زمنية محددة يتم فيها تحديد الأولويات في الصناعات الدوائية.
أما الخطوة الثانية فتتعلق بتحديد ميزانية للاستثمار في صناعة الأدوية دون ربطها بمجال الصحة، وثالثا تأهيل العنصر البشري وتأهيله ليكون قادرا على إدارة مشاريع القطاع، وربما في مرحلة أولى الاستفادة من الخبرات الأجنبية كالسويسرية أو الصينية.
وترى الجمعية المغربية للصناعة الصيدلية أن التجربة والخبرة المغربيتين يمكن اعتمادهما كنموذج لمواكبة تطور الأسواق الأفريقية، سواء على مستوى التوزيع أو الصناعة المحلية.
وأكد الخبير بالمعهد المغربي للذكاء الاستراتيجي عبدالمنعم بلعالية أنه يتعين وضع استراتيجيات على المدى الطويل لاسيما في سياق العلاقات الاقتصادية التي تجمع بلده بدول أفريقيا، والتي بإمكانها تسهيل إدماج وتطوير الصناعة الصيدلية بالمغرب.
ويشمل برنامج تجديد المغرب لسياسته الدوائية مجالات منها مراجعة الأسعار وسهولة حصول المواطنين على الدواء لمواجهة تحديات التغطية الصحية والتنافسية الدولية المحتدمة في مجال صناعة الأدوية.
وكان المغرب قد دشن مطلع 2019 أول وحدة متخصصة في صناعة أدوية من التكنولوجيا الحيوية مضادة للسرطان في أفريقيا، في خطوة أعطت لمحة عن مدى اهتمامه بتوسيع نشاط هذا القطاع محليا وإقليميا ودوليا.