المغرب يستعجل إنقاذ المآثر التاريخية المتأثرة بالزلزال في مراكش

الرباط ترصد ميزانية إضافية للاهتمام بالمعالم المتضررة التي يصنف أغلبها لدى الأمم المتحدة ضمن التراث الإنساني.
الأربعاء 2023/09/13
سعي إلى إنجاح عملية الترميم

الرباط - تعرضت المدينة القديمة في مراكش ومواقعها المدرجة على قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) للتراث العالمي إلى أضرار بسبب الزلزال العنيف الذي ضرب هذه المنطقة السياحية غرب المغرب، وتعمل مصالح وزارة الثقافة المغربية جاهدة على تقييم وضع المآثر التاريخية المتضررة من الزلزال حيث قام الإثنين مفتشو المباني والآثار التاريخية بإحصاء للمباني التاريخية المتضررة وعمليات تشخيص دقيقة.

وتضررت قرابة سبعة مبان تاريخية من أصل 40 بناء، منها المسجد التاريخي الذي يبعد عن مراكش بنحو 100 كيلومتر، وبني في عهد الدولة الموحدية وتحديدا في عهد الخليفة الموحدي الأول عبدالمؤمن بن علي، وسجل المسجد سنة 1995 في لائحة التراث العالمي لدى اليونسكو.

 كما تهدم جزء من الأسوار العائدة إلى القرن الثاني عشر والمحيطة بالمدينة التي بنتها سلالة المرابطين عام 1070. وكانت مجموعة من المآثر التاريخية لمدينة مراكش شهدت، خلال الأشهر الماضية، مشروعات لترميمها في إطار برنامج “الحاضرة المتجددة”.

951

بناية تاريخية موجودة بمراكش، وجميع مصنفات العمارة الإسلامية ممثلة في هذه المدينة 

ومن ضمن المباني الأثرية المتضررة جراء الزلزال أيضاً مسجد “خربوش” الشهير الذي تضرر بشكل كبير نتيجة الانهيارات الجزئية في بعض أجزائه ومن بينها الصومعة التاريخية، كما تأثرت أجزاء من الأسوار المجاورة لكل من باب أغلي وباب أكناو وباب الرب، والتي تعد أبواباً تاريخية هامة في مراكش.

وأكد مصدر حكومي لـ”العرب” أن هناك اهتماما من أعلى مستوى في الدولة لدفع مصالح وزارة الثقافة إلى ترميم المآثر التاريخية التي تضررت من الزلزال، لأنها تعتبر من التراث الثقافي للمملكة وانعكاسا لوجهها الحضاري وتشكل جزءا من الذاكرة الجماعية لمراكش والمغرب، وبالتالي سيتم صرف ميزانية إضافية للاهتمام بتلك المعالم التي يصنف معظمها لدى الأمم المتحدة ضمن التراث الإنساني.

وأعلنت منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو) السبت استعدادها لتقديم كل ما يتطلبه الموقف من مساندة، خاصة في ما يتعلق بترميم وصيانة الآثار التي تضررت في بعض المدن التاريخية.

وتعتبر مدينة مراكش إحدى أهم المدن المغربية التي نالت النصيب الأوفر من هذه المعالم التاريخية بفضل الدور الذي لعبته هذه المدينة في العصور السابقة، خاصة وأنها كانت عاصمة للمغرب وملتقى للقوافل التجارية القادمة من جنوب الصحراء، بفضلها أصبحت المدينة الوجهة السياحية الأولى بالمغرب وذات إشعاع عالمي.

m

وقال حسن هرنان، المدير الجهوي للثقافة بجهة مراكش آسفي، لـ”العرب” إن “تشخيص المآثر التاريخية لم يكتمل بشكل نهائي، وستحدد مكاتب دراسات ومختبرات بالضبط مستوى التدخلات التي تتطلبها المواقع المتضررة، منها مسجد تنميل التاريخي الذي تأثر بشكل كبير لقربه من بؤرة الزلزال وأعمال الترميم كانت لا تزال مستمرة فيه منذ أربع سنوات”.

وتمتد المدينة القديمة لمراكش على مساحة 700 هكتار، وهي غنية بتراثها المعماري في وسط المغرب، وقد أثارت مقاطع فيديو تم تداولها أسئلة حول سلامة مسجد الكتبية التاريخي، بعد إظهار تلك المقاطع تصاعد غبار أبيض أشبه بالدخان من مئذنة المسجد.

 وتزخر مراكش بالمواقع المدرجة منذ العام 1985 على قائمة التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة، وقال المدير الإقليمي لمكتب اليونسكو في المغرب العربي إريك فالت “بعد كارثة كهذه يكون الحفاظ على حياة البشر الأمر الأهم”، مستدركا أنه “علينا أيضا أن نخطط على الفور للمرحلة الثانية، والتي ستشمل إعادة بناء المدارس والأماكن الثقافية المتضررة من الزلزال”.

وتوجد بمراكش 951 بناية تاريخية٬ وجميع مصنفات العمارة الإسلامية ممثلة في هذه المدينة وتشرف عليها إما وزارة الثقافة أو وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية أو المجلس الجماعي٬ بالإضافة إلى عدد من البنايات التاريخية التابعة لبعض الخواص٬ مما يعقد عملية التواصل والتنسيق من أجل العناية بهذه المآثر.

 وتم إدراج ساحة جامع الفنا الشهيرة بسحرة الثعابين وبائعي الحناء على قائمة التراث العالمي لليونسكو، وعلى القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية.

h

وعاين فريق من الأمم المتحدة برئاسة فالت الأضرار في المدينة القديمة، مشيرا إلى أن “الأضرار أكبر بكثير مما توقعنا، حيث لاحظنا تشققات كبيرة في مئذنة جامع الكتبية البناء الأكثر شهرة، ولكن أيضا التدمير شبه الكامل لمئذنة مسجد خربوش” في ساحة جامع الفنا.

وتابع فالت “المنطقة الأكثر تضررا بوضوح هي الملاح (حي يهودي سابقا) حيث دمار المنازل القديمة هو الأكثر ترويعا، وتحولت منازل من طابق واحد مبنية بحجارة تتخذ لونا ورديا تحت أشعة الشمس، إلى ركام. ووضعت قضبان حديد أو دعامات مؤقتة للجدران المنهارة.

واستفادت مواقع تاريخية في السنوات الأخيرة من عمليات ترميم وخبرة محترفين واستخدام تقنيات موروثة عن الأجداد في طلاء الجير الذي تشتهر به مراكش، لكن دون أن تشمل كل المباني في المنطقة.

وأبرز مسؤول من وزارة الثقافة لـ”العرب” أن إنجاح عملية الترميم بعد الزلزال يتطلب تدخل كافة الأطراف المعنية، إذ سبق للوزارة أن رصدت اعتمادات مالية مهمة خلال السنوات الأخيرة من أجل ترميم المعالم التاريخية التابعة لها بمراكش٬ ومن بينها قصر البديع وقصر الباهية ودار السي سعيد والأبواب التاريخية وقبور السعديين.

وهناك دعوات لإحداث وكالة وطنية لتدبير التراث الثقافي بأشكاله المادية واللامادية مع تفعيل التمثيلية الجهوية٬ وإعادة تحيين قوانين المحافظة على التراث وملاءمتها للواقع الراهن٬ وإبرام اتفاقيات بين الوزارات المعنية لخلق وتفعيل طرق تدبير ذات جدوى في إطار مشاريع تشاركية٬ علاوة على عقد اتفاقيات مع المجالس المنتخبة تحدد إطار مشروع تشاركي تبلور من خلاله إستراتيجية التدخل للنهوض بالتراث في أبعاده الثقافية والتنموية.

13