المغرب يزن خيارات إنهاء أزمة مصفاة التكرير الوحيدة

تضغط مشكلة توفير الوقود وتكاليفه المرتفعة على السلطات المغربية للإسراع في اعتماد حلول عملية تنهي أزمة مصفاة سامير الوحيدة بالبلاد والمتوقفة عن العمل منذ سنوات حتى تساعد في تأمين جزء من الإمدادات، وجعلها محركا لنشاط التكرير.
الرباط – كشفت الحكومة المغربية أنها تناقش مجموعة من الفرضيات العملية لإعادة تشغيل مصفاة الشركة المغربية للصناعة والتكرير (سامير) المتوقفة منذ سنوات والتي لا يزال ملفها داخل أروقة المحاكم.
وقالت وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة ليلى بنعلي أمام البرلمان الأسبوع الماضي إن وضعية المصفاة “تتسم بتعقيد غير مسبوق نتيجة تراكم المشاكل والديون بين المستثمر والدولة لما يزيد عن عقدين، الشيء الذي نتج عنه توقف نشاطها”.
ويدرك المسؤولون المغاربة أن مجال التكرير عموما يملك حلولا لمشكلة الطاقة التي تتعمّق على الصعيد الدولي وتؤثر انعكاساتها على المغرب.
وأوضحت بنعلي أنه “مع ذلك فإن الوزارة تشتغل على سيناريوهات مع مستثمرين من بعض الدول الشقيقة المهتمة بصناعة التكرير والتخزين وتحويل المواد البترولية”.
وقالت إنه “تتم دراسة مختلف السيناريوهات التقنية والاقتصادية لإيجاد الحلول المناسبة لملف الشركة مع الأخذ بعين الاعتبار مصالح الفئات المعنية، وسيتم الإعلان عن هذه الحلول في الوقت المناسب”.
وتابعت “نريد مشروعا مستداما في الطاقة وفي الاستثمار لأننا لا نريد أن تُغلق المصفاة مرة أخرى عندما تعود إلى العمل مجددا”.
ولم تكشف الوزيرة بدقة عن المستثمرين المحتملين، لكن متابعين يعتقدون أن تكون شركات من الشرق الأوسط على الأرجح.
واعتبرت أن هذا الملف لا يقبل المزايدات التقنية والسياسية، وألا يتم الحديث عنه عندما يكون سعر البرميل يتراوح ما بين 80 و140 دولارا، “لأن التذبذب في أسعار الطاقة موجود وسيستمر”.
ولفتت بنعلي إلى أنه إذا انخفضت أسعار النفط إلى دون المستويات المسجلة سنة 2020،، فإن الوزارة ستشتغل على غرار ما قامت به عندما انقطع الغاز الجزائري عبر تفعيل إمكانية استئجار خزانات المصفاة وعدم تضييع هذه الفرصة، لتعزيز أمن الطاقة.
وشددت على أن “ملف الشركة هو ملف استثماري مهم، يتم التعاطي معه بشكل عقلاني مع ضرورة بلورة تصور واضح لتدبيره مع مراعاة مصالح الدولة المغربية كمستثمر ومصالح اليد العاملة للشركة إلى جانب سكان مدينة المحمدية” أين تقع المصفاة.
وتوقفت المصفاة عن العمل بعد قرار قضائي بتصفيتها في عام 2016، إثر عجزها عن سداد ديون مستحقة لصالح الدولة والمزودين، والتي تقدر بنحو 4.4 مليار دولار.
وطرحت الرباط في فبراير 2017 مناقصة دولية لبيع الشركة التي توقفت عن العمل منذ أغسطس 2015 بسبب تعمّق أزمة الديون، لكن منذ ذلك الحين لا تزال مشكلة الشركة تراوح مكانها، وقد ربط خبراء حلها بأن يكون عرض الشراء مصحوبا بضمانات كافية لتنفيذه كشرط قانوني لإنقاذ المقاولة واسترداد جزء من أموال الدائنين.
وكانت المحكمة التجارية بالدار البيضاء قد أصدرت نهاية أكتوبر الماضي قرارها السابع والعشرين في مسار هذا الملف بناء على طلب مستعجل تقدم به المكلف بالتصفية القضائية للشركة.
وتضمن القرار إبرام عقد استئجار خزانات المصفاة في ظل الصعوبات المالية التي تواجه الشركة.
ويجيز قانون التجارة المحلي “الإذن باستمرار النشاط للشركات في طور التصفية القضائية، إذا اقتضت المصلحة العامة أو مصلحة الدائنين ذلك، إما تلقائيا أو بطلب من المكلف بالتصفية أو وكيل الملك”.
2
مليون طن طاقة تخزين المصفاة ما يعادل شهرين ونصف الشهر من الاستهلاك المحلي
وفي مايو 2020، وقّعت الحكومة السابقة اتفاقا لاستغلال خزانات المصفاة لاستيراد المواد البترولية ومن ثم تخزينها بعدما كان يصعب التكهن بمآل الأزمة الصحية، سيما إثر الإغلاق الذي انتهجته الدول المصدرة للبترول.
وأشارت بنعلي إلى أنه إبان تفشي الجائحة كانت أسعار النفط في حدود 20 دولارا وطلبت المحكمة التجارية بالدار البيضاء حينها استئجار الخزانات المملوكة للشركة، حيث تم تكليف المكتب الوطني للهيدوركاربورات والمعادن بإعداد وإبرام العقد.
وأوضحت أنه بعد مرور أكثر من سنة رفع المكلف بالتصفية كتابا وتحديدا في يوليو العام الماضي لتفعيل الحكم القضائي وتبين أنه تم التراجع واقعيا عن مسألة الاستئجار.
وأكدت أن المكلف بالتصفية التمس العدول عن الأمر القضائي، وأصدرت المحكمة في أعقاب ذلك حكما قطعيا في أواخر سنة 2021.
وتشير تقديرات إلى أن حجم التخزين لدى المصفاة إذا عادت إلى العمل سيصل إلى مليوني طن أي ما يعادل شهرين ونصف الشهر من الاستهلاك المحلي.
ويعتقد المكتب النقابي الموحد للكونفدرالية الديمقراطية للشغل بالشركة أن إنقاذ المصفاة هو الحل، وهو المخرج الوحيد الذي سيساعد المغرب على الحفاظ على مقومات أمن الطاقة، والحفاظ على الوظائف والخروج من نفق الديون.
ويذهب الخبير الاقتصادي نجيب أقصبي إلى هذا الرأي، ويقول إن هناك خياريْن أمام الدولة لإعادة الحياة إلى سامير، أوّلهما أن تدخل كمساهم في رأسمال الشركة، والثاني يتمثل في تأميمها بتحويل ديونها إلى أسهم، على اعتبار أن الدولة هي أكبر الدائنين.
190
مليون دولار قيمة استصلاح مصفاة سامير في أجل ثمانية أشهر لتصبح قاردة على مواصلة الانتاج
ومع ذلك، يحذر الحسين اليماني رئيس جبهة إنقاذ مصفاة سامير من خطورة التداعيات السلبية لتصريحات بعض المسؤولين ومنهم بنعلي على ملف الشركة و”على مصالح المغرب المرتبطة بذلك في داخل وخارج البلاد”.
وقال إن “رأي مجلس المنافسة بشأن محطة تكرير البترول بالمحمدية، الذي تخطط وزيرة الانتقال الطاقي لوضعه نصب عينيها للعثور على مخرج لإعادة تشغيل المصفاة، كان مناوئا لبقاء واستمرار شركة سامير”.
وأضاف “كان الموقف محكوما بوجهة نظر الأطراف المستمع إليها، وغابت عنه المصداقية المأمولة حينما استمع إلى الموزعين المتهمين بشبهة التوافق حول الأسعار”.
من جهتها، أكدت نقابة صناعات البترول والغاز على أن مصفاة سامير ما زالت قادرة على مواصلة الإنتاج بعد الاستصلاح بميزانية تناهز ملياري درهم (190 مليون دولار) وفي أجل ثمانية أشهر.
وانتقدت النقابة كل أشكال التشويش ومحاولة تقويض المساعي الرامية إلى استئناف عمليات التكرير بالمصفاة واستفادة الاقتصاد المحلي من مكاسب هذه الصناعات في زمن الاضطرابات القوية لسوق النفط والغاز.
ومن بين الخيارات التي طرحها الخبراء إنشاء تحالف بين القطاعين العام والخاص للاستحواذ على المصفاة، التي كانت طاقة إنتاجها اليومية تبلغ قرابة 200 ألف برميل، كون 60 في المئة من ديونها المستحقة لمؤسسات من القطاع العام.