المغرب يرسم خطوط التكامل الإقليمي لدعم الاقتصاد الأزرق في أفريقيا

العاهل المغربي يدعو إلى مراجعة إستراتيجية للدور البحري الأفريقي.
الأربعاء 2025/06/11
التزام قوي وواضح للملك محمد السادس من أجل تطوير الاقتصاد في أفريقيا

تعكس قمة "أفريقيا من أجل المحيط" التي تعقد برئاسة مغربية – فرنسية مشتركة، التزام المملكة بتطوير الاقتصاد الأزرق باعتباره ضرورة إستراتيجية حتمية لمستقبل القارة السمراء، وجهودها لتعزيز التعاون على الصعيد القاري.

وضع المغرب تطوير اقتصاد أزرق شامل ومستدام كرهان إستراتيجي في صلب أولوياته المحلية والإقليمية. وبرزت أهمية هذا القطاع في رسالة العاهل المغربي الملك محمد السادس للمشاركين في قمة “أفريقيا من أجل المحيط” التي تُعقد بمدينة نيس الفرنسية، حيث دعا فيها إلى مراجعة إستراتيجية للدور البحري الأفريقي، مشددا على أن الاقتصاد الأزرق لم يعد ترفا بيئيا، بل بات ضرورة إستراتيجية حتمية لمستقبل القارة السمراء.

وتترأس القمة الحالية الأميرة حسناء ممثلة للملك محمد السادس، بالاشتراك مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في الفترة بين 9 و13 يونيو، ورسمت الرسالة الملكية الخطوط العريضة للإستراتيجية في إطار ثلاثة محاور، تتعلق بنمو أزرق، وتعاون جنوب-جنوب معزز بتكامل إقليمي حول الفضاءات المحيطية، ونجاعة بحرية من خلال تكامل السياسات المتعلقة بالمحيط الأطلسي.

وأبرز العاهل المغربي في الرسالة التي تلتها الأميرة حسناء، أن “الاستزراع المائي المستدام، والطاقات المتجددة البحرية، والصناعات المينائية، والتقانات الحيوية البحرية، والسياحة الساحلية المسؤولة، كلها قطاعات تعد بغد أفضل، شريطة العمل على هيكلتها، وربطها ببعضها البعض، والنظر إليها باعتبارها سلسة قيمة، وتعزيزها بالاستثمارات اللازمة والمعايير الملائمة، مشيرا إلى أن هذا الأمر هو جوهر الإستراتيجية الوطنية التي أرادها المغرب ويعمل على تنزيلها، باعتبارها محركا للنمو، والإدماج الاجتماعي والتنمية البشرية.

ويعد المغرب من أوائل الدول التي صادقت على اتفاقية "التنوع البيولوجي البحري في المناطق الواقعة خارج نطاق الولايات الوطنية"، ما يعكس التزامه بحماية مستدامة للموارد البحرية، انسجاما مع الهدف الرابع عشر من أهداف التنمية المستدامة، المتعلق بالحياة تحت الماء.

وأشاد ماكرون، بالالتزام “القوي والواضح للملك محمد السادس من أجل تطوير اقتصاد أزرق في أفريقيا وهي إستراتيجية نتقاسمها معا،” مؤكدا على الريادة الأفريقية للمغرب التي تشكل جهوده المتواصلة في مجال حكامة المحيطات، ومكافحة التلوث البلاستيكي، وتعزيز التعاون الإقليمي، كنموذج يحتذى به على الصعيد القاري.

ولأهمية التعبئة متعددة الأجيال من أجل مستقبل بحري مستدام، أطلقت المملكة المغربية المشاريع المهيكلة المرتبطة بالاقتصاد الأزرق والتي كانت من نتائجها، إعادة تشكيل المشهد المينائي الوطني، على غرار الميناء الكبير للحاويات في ميناء طنجة المتوسط، والميناءين المستقبليين الناظور غرب-المتوسط، والداخلة-الأطلسي، اللذين سيستندان إلى منظومة لوجستية وصناعية ضخمة، كما يدعم البنك الدولي جهود الحكومة المغربية في تكريس خططها، حيث قدم العام الماضي نحو 5 ملايين دولار لتنفيذ مشروع تسريع تنمية الاقتصاد الأزرق من خلال صندوق بروبلو.

رشيد ساري: الاقتصاد الأزرق حاضر بقوة لدى صانعي القرار في المغرب
رشيد ساري: الاقتصاد الأزرق حاضر بقوة لدى صانعي القرار في المغرب

وأكد رشيد ساري، المحلل الاقتصادي رئيس المركز الأفريقي للدراسات الإستراتيجية والرقمنة، في تصريح لـ”العرب”، أن الاقتصاد الأزرق حاضر بقوة لدى صانعي القرار في المغرب، تماشيا مع الرغبة في تكريس التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية وتعزيز فرص الشغل، خصوصاً في الأوراش المرتبطة بهذا النمط من الاقتصاد، كورش الانتقال الطاقي، كون المغرب يشتغل على جانبين، الأول يتعلق بالتنمية المستدامة، والآخر يتصل بالانتقال الطاقي نحو البدائل المتجددة.

وتسهم أنشطة الصيد البحري بشكل كبير في ضمان الأمن الغذائي للبلاد باعتبارها تعد من أكثر القطاعات الاقتصادية توفيرا لفرص العمل وأسرعها نموا. وبحسب بيانات الوكالة الوطنية لتنمية تربية الأحياء البحرية، يشغل القطاع 97 ألف شخص، وهو ما يمثل 84 في المئة من الأهداف التي تخطط الدولة لتحقيقها في إطار مخطط أليوتيس، فضلا عن 108 آلاف صياد.

وأشارت كاتبة الدولة لدى وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، المكلفة بالصيد البحري، زكية الدريوش، إلى أن المغرب يتوفر على خارطة طريق طموحة للاقتصاد الأزرق، مؤكدة على ضرورة إيصال صوت أفريقي قوي ومنسق في مؤتمر الأمم المتحدة الثالث للمحيطات، بالاستناد إلى نتائج أحداث كبرى نظمها المغرب، من بينها المشاورات الأفريقية بطنجة، وقمة “أفريقيا الزرقاء”، والورشة الإقليمية لاتفاقية “التنوع البيولوجي البحري في المناطق الواقعة خارج نطاق الولايات الوطنية” بالرباط.

وتندرج قمة "أفريقيا من أجل المحيط"، المنظمة في إطار مؤتمر الأمم المتحدة الثالث للمحيطات، في سياق النقاش حول الفرص التنموية التي تتيحها الموارد البحرية لأفريقيا، مع الحرص على حكامة مسؤولة ومستدامة للمجالات البحرية. وشملت هذه القمة، من بين محاورها الأساسية، البحث عن تمويلات لإحداث بنية تحتية حديثة وقادرة على الصمود، وحكامة المحيط، وتدبير الثروات السمكية، فضلا عن تعزيز الربط بين الدول الساحلية والبلدان غير الساحلية.

وأوضح تقرير جديد صادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) في يونيو الجاري أن الاقتصاد المحيطي شهد نموًا استثنائيًا بلغ 2.5 مرة خلال الفترة ما بين 1995 و2020، متفوقًا بذلك على معدل نمو الاقتصاد العالمي البالغ 1.9 مرة في الفترة نفسها. ويعكس هذا النمو فرصًا واعدة لدول مطلة على المحيطات مثل المغرب، الذي يتميز بموقع جغرافي إستراتيجي على كل من الواجهتين الأطلسية والمتوسطية، ويجعل من الاقتصاد الأزرق جزءًا أساسيًا من طموحاته التنموية.

وبخصوص التعاون جنوب-جنوب معزز، والتكامل الإقليمي حول الفضاءات المحيطية، شدد الملك محمد السادس أنه ينبغي تجميع الجهود، وأنه لا بديل عن مقاربة أفريقية منسقة من أجل تحسين سلاسل القيمة البحرية، وتأمين الطرق التجارية، والظفر بحصة أكثر إنصافا من الثروة المحيطية العالمية. وأكد أن الديناميكية الجيوسياسية في أفريقيا، لا ينبغي أن تخضع لجمود الجغرافيا ولا لتجاذبات الماضي، مذكرا بأن الواجهة الأطلسية لأفريقيا لم تحظ بالاهتمام الكافي، في حين أنها تزخر بإمكانات لا حدود لها، كفيلة بفك العزلة وضمان العبور واحتواء التوقعات المستقبلية.

بدوره، سلط ماكرون الضوء على "المبادرة الأطلسية من أجل ضمان وصول الدول الأفريقية غير الساحلية إلى المحيط، والتي تعكس الرؤية الملكية،" وذكر بأن المغرب كان قد أطلق قبل عشرين عاما مشروع ميناء طنجة -المتوسط، الذي "أضحى اليوم أكبر ميناء في منطقة البحر الأبيض المتوسط،" مسجلا أن انطلاق أشغال ميناء الداخلة السنة المقبلة "سيدشن حقبة جديدة للمحيط الأطلسي، ويجسد الإرادة في تمكين كامل القارة الأفريقية من الوصول إلى هذا الفضاء البحري والانفتاح عليه.”

4