المغرب يخوض غمار صناعة المسيرات لتعزيز قدراته

الرباط - يدخل المغرب غمار صناعة المسيرات بفتح المجال لشراكات مع دول رائدة في هذا القطاع كتركيا وإسرائيل للاستفادة من تجاربها. وأبرمت الرباط صفقة مع شـركات الدفاع الإسرائيلية لبناء مصنعين لطائرات دون طيار، وسيسمح هذا الاتفاق للمغرب بتصنيع طائرات درون لجمع المعلومات الاستخبارية بتكلفة منخفضة نسبيا.
ووفق صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، سيتم تصنيع الـدرونات في المغرب، بالتركيز فيها على خاصيتي الهجوم، والمراقبة لجمع المعطيات عن بعد، مشيرة إلى أن اتفاق التعاون في مجال الدفاع بين إسرائيل والمغرب لن ينحصر في الجانب التصنيعي فقط، حيث وافق المغرب أيضا على شراء العشرات من الطائرات المسيرة الإسرائيلية.
وذكر مصدر مطلع أن الاتفاق بين البلدين يتضمن أيـضـا نـقـل الـتـكـنـولـوجـيـا الـحـربـيـة الإسرائيلية إلى المغرب للتصنيع في مرحلة تلي حصول المغرب على عدد من المعدات والآليات الحربية الإسرائيلية المتعلقة بالدفاع والهجوم معا.

وأكد هشام معتضد الخبير في العلاقات الدولية والأمنية، المقيم بكندا، أن اختيار المغرب الانفتاح على أقطاب متنوعة للاستثمار في صناعة الدرونات داخل المملكة يدخل في إطار سياسة تنويع الشركاء الإستراتيجيين من أجل تدبير أكثر فعالية وتحصين أكثر متانة للترسانة العسكرية للقوات المسلحة الملكية ومختلف المؤسسات الأمنية للمغرب، كما تستخدم المسيرات على طول جدار الصحراء المغربية لمواجهة أي تسلل لميليشيات بوليساريو.
واعتبر معتضد، في تصريح لـ"العرب"، أن الاستثمار في صناعة الدرونات داخل المملكة، خاصة من خلال الانفتاح على أكثر من ثقافة صناعية حربية، سيمكن المغرب من تأهيل رأس ماله البشري من تكوينات ميدانية في هذا المجال الجد حساس، بإتاحة فرصة لليد العاملة المؤهلة لمواكبة تطورات الصناعة الحربية، خاصة وأن السوق المغربية تزخر بالعديد من الأطر والتقنيين المستعدين للانخراط مهنيا في بناء صناعة حربية وعسكرية مغربية.
وأورد موقع ديفنس نيوز الأميركي في وقت سابق أن شركة "بلوبورد آيروسيستم" التابعة لعملاق صناعة الأسلحة الإسرائيلي "إسرائيل إيروسبايس إنداستريز" تجري مفاوضات منذ أشهر مع فرق مغربية حول تطوير عدد من الشركات القادرة على إنتاج آليات مماثلة (طائرات مسيرة).
ويأتي هذا في ظل سباق التمركز الإستراتيجي الذي تدخله تركيا وإسرائيل في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا، وفق ما أكده الموقع الأميركي، الذي توقع أن يتم إنشاء قطاع صناعي محلي خاص بصناعة الطائرات الحربية المسيرة عن بعد "درون"، المعروفة بلقب "كاميركازي"، أو "طائرات درون الانتحارية".
ومع الطلب المتزايد على الطائرات المُسيرة خلال الفترات الماضية، أضحت معه الدول المنتجة تبحث عن افتتاح مصانع في بلدان أخرى تعد من بين زبائنها البارزين، ومن بينها المغرب وهو وجهة مفضلة لتشييد مصانع متخصصة في تصنيع "الدرون".
وتعتبر إسرائيل وتركيا إحدى أبرز الدول المنتجة للمسيرات العسكرية على المستوى الدولي، الأمر الذي دفع بالعديد من الدول إلى التعاون معهما في هذا المجال.
ووقع المغرب وإسرائيل "مذكرة تفاهم دفاعية رائدة"، ستشمل بموجبها عملية بيع الأسلحة الإسرائيلية للمغرب منها طائرات دون طيار وأنظمة مضادة للصواريخ، وتحديث بعض طائراته المقاتلة بتقنيات إسرائيلية ونقل تكنولوجيا لتطوير وتصنيع أنواع محددة من المُسيّرات محليا وشراء نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي باراك 8 ودراسة إمكانية تطوير مقاتلات F5.
وقال خبراء في السياسات الأمنية إنه يمكن للمغرب شراء طائرات دون طيار من عدة دول منها إسرائيل وأيضا تصنيعها محليا، بالنظر إلى التحالف العسكري بين الدولتين العبرية والمغربية، وكذلك الشراكة العسكرية التي تجمع المملكة والولايات المتحدة، والتي تشمل تصنيع المعدات العسكرية في المغرب.
كما أن المغرب يعتمد بشكل وثيق على طائرات “بيرقدار” التي أضحت جزءا من المنظومة الدفاعية الجوية المغربية، رغم أنه لا يوجد احتمال قريب لنقل هذه التكنولوجيا إلى المغرب.
◙ الرباط تعتمد بشكل وثيق على طائرات "بيرقدار" التي أضحت جزءا من المنظومة الدفاعية الجوية المغربية رغم أنه لا يوجد احتمال قريب لنقل هذه التكنولوجيا إلى البلاد
وأبرزت عدة تقارير تهم الصناعات الدفاعية أن تركيا باتت منفتحة على الاستثمار في هذا المجال خارج حدودها، على غرار توقيعها مذكرة تفاهم مع المؤسسة الهندسية لكازاخستان لإنتاج طائرات "آنكا" المُسيرة بشكل مشترك على أراضي هذه الجمهورية.
وكان المغرب قد عزز تعاونه العسكري بشكل ملفت مع تركيا باقتنائه قبل سنتين لـ13 طائرة مسيّرة من نوع "بيرقدار تي.بي 2" قبل أن يوقع خلال العام الجاري على صفقة جديدة لزيادة عدد هذه المسيّرات بسرب جديد منها.
وأكد معتضد أن هذا التوجه الإستراتيجي المتعلق بتنويع الشركاء، و الذي جعل منه العاهل المغربي الملك محمد السادس بوصلة التدبير البراغماتي لمختلف القطاعات الحساسة للمملكة، يدخل في إطار تمكين الدولة المغربية من ضبط ميكانيزمات الأمن القومي للمغرب وعدم التقوقع داخل قنوات التبعية الشاملة لجهة أو قطب معين.
ولفت الخبير في العلاقات الدولية في تصريحاته لـ"العرب" إلى أن مقاربة تنويع الشركاء تتيح أيضا للمغرب تقوية مناعته الداخلية وذلك من خلال الانفتاح على ثقافات صناعية مختلفة، خاصة في الميدان الأمني والعسكري، والتي أبانت تكنولوجياتها عن امتيازات تكتيكية وإستراتيجية في الميدان.
وأوضح أن تنويع الشركاء في بناء صناعة حربية يعتبر من المقاربات الإستراتيجية الناجحة، خاصة لما يتعلق الأمر ببلد كالمغرب والذي يحتم عليه موقعه الجغرافي و توجهاته السياسية الخارجية بناء صناعة عسكرية تستجيب لمتطلبات تحدياته الإقليمية ورهاناته الدولية المرتبطة بالحفاظ على توازنات إستراتيجية تضمن أمنه القومي و تواكب تدبير سياسته الخارجية.
ومن المتوقع أن يبدأ المغرب في إنتاج المسيرات في إطار إستراتيجيته العسكرية، الذي سيشمل أشكالا متعددة للاستخدام في مختلف المجالات العسكرية في إطار تنويع معداته، إلى جانب المضي قدما في تعزيز ترسانة القوات الـجـويـة بـسـرب مـن طـائـرات هيلكوبتر للنقل والاستطلاع، حسب موقع "تاکتیکال ريبورت" المتخصص في الشؤون العسكرية.