المغرب يحفز اقتصاده بزيادة الضرائب على الشركات

سن ضريبة المواطنة على الكيانات الكبيرة يكرس التماسك الاجتماعي ولا يمس بمناخ الاستثمار.
الخميس 2022/11/03
الكبير يدعم الصغير وهكذا...

يجمع خبراء على أن سن المغرب لـ”ضريبة المواطنة” على الشركات الكبيرة في ميزانية 2023 سينعش الخزينة العامة لأن جزءا من تلك الأموال ستمول بواسطتها مشاريع اجتماعية يستفيد منها المغاربة وفق أسلوب مرن، تقول الحكومة إنه لن يكون على حساب تحفيز مناخ الأعمال.

الرباط - اعتمدت الحكومة المغربية في ميزانية العام المقبل إصلاحا شاملا للضريبة على الشركات الكبيرة لتحقيق غايتين أساسيتين، هما تسجيل عوائد أكبر لمواجهة الظروف المعاكسة، وزيادة مساهمة هذه الكيانات في التنمية والحماية الاجتماعية.

وقررت الحكومة في الميزانية الجديدة تعزيز ما أسمتها بـ”آليات التضامن” عبر الرفع التدريجي في نسبة مساهمة الشركات الكبيرة، مع إعادة اعتماد ضريبة المساهمة الاجتماعية للتضامن على الأرباح والمداخيل للسنوات الثلاث القادمة.

ومن المتوقع أن تتم الزيادة تدريجيا من نسبة الجباية بداية من 35 في المئة على الشركات التي تفوق أرباحها الصافية مئة مليون درهم (9.2 مليون دولار)، أما الشركات التي تجني أرباحا أقل من ذلك المبلغ فستفرض عليها ضرائب بنسبة 20 في المئة.

وبموجب الخطوة الجديدة التي استهدفت الكيانات التي تعمل بالمناطق الصناعية، ستصل نسبة الضرائب إلى نحو 40 في المئة بالنسبة إلى البنوك وشركات التأمين والبنك المركزي وصندوق الإيداع والتدبير.

وتعول الحكومة على الشركات الكبيرة، التي حققت أرباحا بـ”المواطنة الضريبية”، للمساهمة في تخفيف الهوة بين الإيرادات والنفقات في الميزانية العامة.

وقال رئيس الحكومة عزيز أخنوش أثناء جلسة المساءلة الشهرية في البرلمان قبل أيام إنه “من الشجاعة أن تؤدي الشركات التي تربح أكثر ضرائب أكبر”.

ولفت إلى أن السياق الاستثنائي الذي تعيشه البلاد يحتم مساهمة الجميع في تحمل جزء من الأعباء الطارئة تحقيقا للعدالة الاجتماعية.

واعتبر أخنوش أن فرض بعض الزيادات في الضرائب على الشركات التي حققت أرباحا هو “ترجمة لمواطنة ضريبية في سياق صعب ومعقد”.

وأشار إلى أن المغاربة سيتذكرون أنه في عز الأزمة “أن للشركات دورا وطنيا في تكريس التماسك الاجتماعي وحماية مشاريع الدولة”.

وهذه الضريبة من وجهة نظر المحلل الاقتصادي، محمد شرقي، تخدم مجهود الدولة في دعم الاستثمار وتشجيعه، خصوصا وأن هذا الموضوع محل نقاش في البرلمان فيما يتعلق بمشروع الميزانية.

لكنه أشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن التوجه الأساسي هو أن ترتفع الاستثمارات إلى 300 مليار درهم (27.4 مليار دولار)، ودعم الشركات الصغيرة والمتوسطة والناشئة.

وليس ذلك فحسب، بل العمل على دفع الشركات الكبيرة التي حققت أرباحا طائلة في زمن الأزمة إلى التضامن مع الحاجيات الاجتماعية للدولة في ظل التحديات الدولية والجفاف.

وقال شرقي لـ"العرب" إن "تمويل برنامج الحماية الاجتماعية يحتاج إلى 51 مليار درهم ( 4.6 مليار دولار)، في السنوات المقبلة بعد تعميم التغطية الصحية لنحو 11 مليون مواطن إضافي".

وأوضح أن الخزينة العامة ستدفع نصف هذه الكلفة، والجزء الثاني سيتم تمويله من التضامن الاجتماعي عبر زيادة الضرائب على الشركات الكبيرة.

الضرائب تعود على الدولة بالنفع مهما كانت حدة تكلفتها
الضرائب تعود على الدولة بالنفع مهما كانت حدة تكلفتها 

وهذا سيسمح بهوامش مالية تغطي نفقات الرعاية الاجتماعية من جهة، وتعدل التوازن المالي في الميزانية وخفض العجز إلى 4.5 في المئة من إجمالي الناتج الإجمالي، من جهة أخرى.

وأكد شرقي أن هذه السياسية ستسرع من رفع حجم الاستثمارات إلى 30 مليار دولار لتسريع التنمية الشاملة وتوفير المزيد من فرص العمل للشباب وتخفيض معدلات البطالة إلى 11 في المئة.

كما أنها ستقلص الاعتماد على التمويلات والقروض الخارجية لكبح تطور المديونية وحصرها في ثلث الناتج المحلي الإجمالي، وحصر المديونية في 70 في المئة في السنوات المقبلة.

وعاد مطلب فرض ضرائب أعلى ضمن الميزانية على القطاعات التي تحقق أرقام معاملات ضخمة، وعلى رأسها قطاع المحروقات إلى الواجهة بقوة.

وجاء ذلك متزامنا مع تجدد الدعوات لإجراء إصلاحات ضريبية خلصت إليها توصيات “المناظرة الوطنية للجبايات في عام 2019″، وتضمنها القانون الإطار المتعلق بالسياسة الضريبية في المغرب.

وأكد فوزي لقجع الوزير المكلف بالميزانية خلال اجتماع لجنة المالية والتنمية ‏الاقتصادية أن اللجنة ستفرض ضرائب تضامنية على القطاعات التي تحقق رقم معاملات كبير.

وحدد هذه القطاعات في الشقيْن المالي والبنكي، وشركات البترول والمحروقات، وكذلك شركات الإسمنت.

◙ الحكومة المغربية تعول على الشركات الكبيرة للمساهمة في تخفيف الهوة بين الإيرادات والنفقات في الميزانية العامة

وفي سياق اقتصادي صعب ومتطلبات تمويل التنمية الاجتماعية، تولي الحكومة عبر ميزانية 2023، أهمية خاصة لتفعيل مقتضيات قانون الإصلاح الضريبي.

وستمكن خطوة كهذه من القطع مع ظاهرة التشريع الضريبي على المقاس، وتعويضه بنظام شفاف وفعال يوضح الرؤية لمختلف الفاعلين خلال السنوات الأربع المقبلة.

وقالت نادية فتاح العلوي وزيرة الاقتصاد والمالية خلال تقديم مشروع الميزانية أمام البرلمان الأسبوع الماضي إن “السياق الاستثنائي الذي تعيشه بلادنا اليوم يُحتِّم على الجميع المساهمة في تحمل النفقات”.

وأشارت في حديثها إلى المصروفات الموجهة لتمويل القطاعات التنموية وفي مقدمتها الاجتماعية الكبرى “تحقيقا للعدالة الاجتماعية”.

وحتى لا يفهم أن سن هذه الضريبة يكبح الاستثمار، ذكرت العلوي أن الحكومة تراهن على إعطاء دفعة قوية للاستثمار في شقيه العام والخاص.

وقالت إن "الاستثمار رافعة أساسية لوضع أسس نمو مستدام يوفر فرص عمل وموارد التمويل لمختلف البرامج الاجتماعية والتنموية تفعيلا لتوجيهات الملك محمد السادس”.

وكشفت آخر معطيات مجلس المنافسة أن أرباح سبع شركات رائدة في سوق توزيع المحروقات تناهز 1.68 مليار درهم (93 مليون دولار) سنويا عن نشاط بيع الغازوال (الديزل) والبنزين فقط، خلال السنوات الأربع الماضية.

ويرى الخبير الاقتصادي رشيد ساري أن هذا هو الوقت الملائم لسنّ ضريبة تؤديها الشركات الناشطة في قطاع المحروقات.

ودعا إلى أن تكون ضرائب استثنائية في صيغة تضامنية تبعا لأرباحها الكبيرة التي جاءت من جيوب المواطنين في ظل تحرير الأسعار.

وقال ساري إن "عائدات هذه الضرائب يجب أن تذهب لدعم الجانب التضامني في مشروع السجل الاجتماعي الموحد لإعانة مباشرة لمجموعة من الأسر التي تعيش على إيقاع العوز".

10