المغرب يحث خطاه باتجاه هيكلة قطاع الكهرباء

دخل المغرب في مرحلة جديدة من الإصلاحات بالتركيز هذه المرة على إعادة هيكلة قطاع الكهرباء، مع ما توفره الطاقات المتجددة من كفاءة وفي الوقت ذاته إدخال التكنولوجيا في عمليات الإنتاج والنقل والتوزيع، بما يضمن الارتقاء بالأداء وجودة الخدمات وتقليل التكاليف التشغيلية.
الرباط - قطعت الحكومة المغربية شوطا نحو تجسيد إستراتيجية الارتقاء بقطاع الكهرباء لاكتساب القدرة على الرؤية الفورية اللازمة لتنمية كافة القطاعات، وتوفير الإمدادات بأسعار معقولة للمستهلكين، وبالتالي تعزيز دوره في نمو الاقتصاد.
وعلى اعتبار أن الطاقة أداة قوية للتنافسية الصناعية وقطاع إستراتيجي للسيادة والنفوذ، أصدر العاهل المغربي الملك محمد السادس مؤخرا، توجيهاته للانكباب على إجراء إصلاح عميق للهيئة الوطنية لضبط الكهرباء وتحويلها إلى هيئة وطنية لضبط قطاع الطاقة.
ومن المقرر أن تتم هذه العملية عبر مراجعة القانون المتعلق بها، وتوسيع اختصاصاتها لتشمل كل مكونات قطاع الطاقة، لتشمل فضلا عن الكهرباء، الغاز الطبيعي والطاقات الجديدة، على غرار الهيدروجين ومشتقاته.
كما سيتم تكليف الهيئة بمجالات الإنتاج والتخزين والنقل والتوزيع، وذلك بما يساير مستوى النضج الذي بلغه قطاع الطاقة بالبلاد، وطبقا للممارسات الدولية المثالية في هذا المجال.
وحتى تسير الأمور على أكمل أوجه، تم تعيين زهير شرفي على رأس الهيئة لإصلاح هذه المؤسسة بهدف زيادة نسبة الطاقة المتجددة في المزيج الكهربائي إلى 56 في المئة بحلول عام 2027، ما يعزز استقلال الطاقة والاستدامة ومكانة البلد كأحد أبرز اللاعبين في التحول النظيف عالميا.
وشدد الملك محمد السادس أثناء تعيين شرفي على أهمية الربط الكهربائي لنقل الطاقة المتجددة من الأقاليم الجنوبية إلى المناطق الوسطى والشمالية، معتبرا أن توفير الطاقة النظيفة يعد ضروريا لنجاح عملية إنتاج الماء عبر محطات التحلية.
وبلغت القدرة المركبة للطاقة المتجددة 4600 ميغاواط بحلول نهاية 2023، موزعة بين 1771 ميغاواط للطاقة الكهرومائية، و1430 ميغاواط لطاقة الرياح، و830 ميغاواط للطاقة الشمسية.
ومن المتوقع أن تزداد هذه القدرة بمقدار ثلاثة آلاف ميغاواط إضافية بحلول عام 2030، وتساهم هذه الجهود في تقليص التبعية الطاقية من 98 في المئة في عام 2008 إلى 89 في المئة في 2024، وهو تقدم يعكس نجاح السياسات الحكومية لقطاع الطاقة.
وأكدت وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة ليلى بنعلي أن إصلاح الهيئة سيمكن المغرب من تعزيز دوره كممر وحيد للطاقة يربط بين أفريقيا وأوروبا والمحيط الأطلسي.
وشددت على أن قطاع الطاقة قطع أشواطا كبرى، منذ إطلاق الملك محمد السادس إستراتيجية الطاقة سنة 2009، مما سمح للمغرب بالارتقاء إلى مستوى من النضج مقارنة مع بلدان مجاورة ودول أخرى في العالم.
وفي سياق الإنجازات الملموسة التي حققها المغرب في قطاع الطاقة، فقد وصلت نسبة الطاقة المتجددة في مزيج إنتاج الكهرباء إلى 45 في المئة في عام 2024، متجاوزة الأهداف المقررة لعام 2030.
وربط رشيد ساري، رئيس المركز الأفريقي للدراسات الإستراتيجية والرقمنة، إصلاح هيئة ضبط الكهرباء بالتنمية المستدامة والتحول الأخضر نحو البدائل المتجددة، لافتا إلى أن في مجال الكهرباء “فنحن نوفر أكثر من 41 في المئة من حاجياتنا” من طاقات نظيفة.
وقال في تصريح لـ”العرب”، “نتطلع إلى زيادة حصة الطاقات المتجددة في القدرة الكهربائية المنشأة إلى ما فوق 52 في المئة بحلول عام 2030، وهذا البرنامج يدخل ضمن الاقتصاد الأخضر.”
واعتبر ساري أن وجود هيئة تنظيمية يتماشى مع رهانات المغرب على البرامج الكبرى التي تبرز أن المكانة الاقتصادية للبلاد في السياق العالمي.
وتطرق هنا إلى أن المعطيات المتوفرة والتوقعات الرائجة تكشف أن المغرب لن يحقق الاكتفاء الذاتي فحسب، بل سيتجه أيضا إلى تصدير الفائض من الطاقة، مستدركا بأن هذا لا يمنع أن الحاجة اليوم قائمة إلى التفكير في تأهيل أكثر للاقتصاد الدائري، لكونه لا يقلّ أهمية.
ويعد إصلاح الهيئة الوطنية لضبط الكهرباء من خلال توسيع مهامها خطوة لتسريع استقطاب الاستثمارات، وتعزيز دور المغرب كرابط إقليمي رائد في مجال الطاقة.
وأوضحت بنعلي أن بلادها تحتاج، وفقا لتوصيات النموذج التنموي الجديد، إلى هيئة ضبط قوية ومستقلة من أجل أن تتيح وبكل شفافية وصول استثمارات جديدة، بهدف الدفع بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية في كافة التراب الوطني.
واعتبرت أن تعزيز دور هيئة ضبط الكهرباء لتشمل أجزاء أخرى من سلسلة القيمة للطاقة كالغاز والهيدروجين الأخضر والنقل والتوزيع والإنتاج والتخزين، جاء لمواكبة مرحلة جديدة للقطاع.
وقالت إنها خطوة تسهم في “تعزيز ومضاعفة الاستثمارات ثلاث أو حتى خمس مرات في مجال الطاقة بشكل عام وفي الشبكات الكهربائية والغاز والهيدروجين على الخصوص.”
ويعد الهيدروجين الأخضر أساسا في الإستراتيجية الطاقية المغربية، حيث يسعى المغرب إلى أن يصبح مركزا عالميا لإنتاج هذه الطاقة بتكاليف منخفضة، وفقا لتقارير دولية.
ويعد هذا التوجه جزءا من إستراتيجية أوسع تهدف إلى تعزيز مكانة المغرب ضمن مجهود دولي للوصول إلى الاقتصاد الأخضر على مستوى العالم.
ويستفيد المغرب من موارد طبيعية استثنائية في مجال الطاقات المتجددة، كالطاقة الكهربائية المنتجة من الشمس والرياح، مما يمنحه القدرة على إنتاج طاقة نظيفة بتكاليف منخفضة تنافسية.
كما أن للبلد دورا محوريا في إعادة هيكلة سلاسل الإمداد العالمية، بفضل موقعه الإستراتيجي كممر للطاقة والتجارة يربط أفريقيا بأوروبا.
وأكد إدريس الفينة، الخبير الاقتصادي ورئيس مركز المستقبل للتحليلات الإستراتيجية، أن هناك تمويلات دولية وجهات مانحة كثيرة تبدي استعدادها الدائم لدعم هذه المشاريع التي لها آثار مهمة على بنية اقتصادات الدول.
وقال المحلل الاقتصادي المغربي في تصريح لـ”العرب”، “يمكن للمغرب أن يعتمد على هذه المنح وأن يشتغل على جلب استثمارات كبيرة.”
وبفضل رؤية الملك محمد السادس، يمضي المغرب، حسب بنعلي، بخطى ثابتة نحو تحقيق تحول شامل في القطاع، يعزز مكانته كمرجع عالمي في حوكمة الطاقة والاستدامة، ويضعه في مصاف الدول الرائدة في الاقتصاد الأخضر.
وأشارت إلى أن الدور المحوري للمغرب كممر للطاقة الخضراء والمنتجات الخضراء يتطلب المزيد من الاستثمارات حتى “نتمكن من الانخراط سويا في هذه المرحلة الجديدة من إصلاح قطاع الطاقة.”