المغرب يحاول سد منافذ الاحتكار في أسواق تجارة الجملة

السلطات تعتزم بناء 12 سوقا جديدة مع إعادة تأهيل وتنظيم القطاع لوضع حد للتلاعب والهدر.
الاثنين 2023/06/12
حماية المستهلكين على رأس الأولويات

كثفت السلطات المغربية من جهودها لمحاصرة المحتكرين والمضاربين في أسواق تجارة الجملة، بعدما استغلوا الاضطرابات القائمة جراء آثار الأزمة العالمية لإشعال فتيل الأسعار، ما اعتبره ملاحظون دليلا على الاختلالات العميقة التي تحتاج إلى معالجة حقيقية.

الرباط  - يعتزم المسؤولون المغاربة التركيز في الفترة المقبلة على تنظيم قطاع تجارة الجملة لضبط إيقاع الأسعار، وفي الوقت ذاته مكافحة ظاهرة الاحتكار والمضاربة، وسط ضغوط لوضع حد لمسألة التلاعب والهدر والقضاء على مختلف الامتيازات والريع.

وشهدت البلاد زيادات كبيرة في أسعار المنتجات الزراعية بسبب المضاربة قبل أن تصل إلى المستهلك، وهو ما أرجعه برلمانيون وخبراء اقتصاد ومؤسسات عمومية إلى الاختلالات الصارخة في وضع وتنظيم وتدبير أسواق الجملة.

وباشرت الحكومة السير في طريق طويل لإعادة تأهيل القطاع، حيث تخطط لبناء 12 سوقا للجملة من الجيل الجديد بمختلف جهات البلاد، بعدما أقرت بعجز أسواق الجملة عن مواكبة متطلبات قطاع تسويق المنتجات الزراعية.

ويقول المسؤولون إن أسواق الجملة من الجيل الجديد تتميز بسلاسة بيع المنتجات الزراعية وبطريقة شفافة، دون وجود عدد كبير من المتدخلين (الوسطاء).

واعتبر وزير الداخلية عبدالوافي لفتيت أن السبب في هذا التمشي، هو أن أسواق الجملة تعرف مجموعة من الاختلالات في مجالات التنظيم والتدبير وآليات النشاط، مما ينعكس سلبا على الدور المنوط بها.

وركز لفتيت بالخصوص على مستوى الخدمات التي توفرها للمنتجين والتجار والمستهلكين على حد سواء، مشيرا إلى إعداد مشروع قانون لتنظيم هذه الأسواق.

عبدالوافي لفتيت: أسواق الجملة تعتريها اختلالات في التنظيم وآليات النشاط
عبدالوافي لفتيت: أسواق الجملة تعتريها اختلالات في التنظيم وآليات النشاط

ويتفق الخبراء على أن ارتفاع أسعار الخضر والفواكه يستدعي حتمية إصلاح قطاع أسواق الجملة لمكافحة الاحتكار والمضاربة وحماية المستهلكين.

وأكد برلمانيون على ضرورة ضمان شفافية المعاملات التجارية، وتزويد الأسواق الأسبوعية بالتجهيزات الضرورية وربطها بشبكة الماء الصالح للشرب، وتحديث بنية أسواق الجملة المتوفرة وإحداث بنيات جديدة. وأشاروا إلى أنه إذا كان من الضروري استمرار هذه المهنة، فلا بد من تنظيمها أو الاستغناء عنها بالمرة.

وأكد لفتيت في رد على سؤال كتابي لكتلة التجمع الوطني للأحرار بالبرلمان أن تقادم بعض القوانين المنظمة لأسواق الجملة، مثل التشريع الصادر سنة 1962 والذي يخول مهام وكلاء أسواق الجملة بالجماعات الحضرية، يشكل أحد الإكراهات التي تواجه الإصلاح.

وتضم الشبكة المحلية لأسواق الجملة للخضر والفواكه حوالي 38 سوقا منها 8 غير مهيكلة، ويبلغ رقم معاملاتها ما يقارب 7 مليارات درهم (690 مليون دولار) سنويا وتسمح بتسويق ما يناهز 3.5 مليون طن من الخضر والفواكه.

كما تساهم في إيجاد رواج اقتصادي وتجاري مهم، وفي تشغيل اليد العاملة، وتمكين ميزانيات الجماعات من مداخيل جبائية مباشرة.

وأشار اقتصاديون إلى تقادم النصوص القانونية المنظمة لأسواق الجملة، والتي لا تلائم التحولات الاقتصادية والاجتماعية بالبلاد، وهو ما يشكل عقبة أمام تطوير منظومة هذا القطاع.

ونبه المجلس الأعلى للحسابات في تقرير نشره مؤخرا إلى ضعف مراقبة أسواق الجملة للخضر والفواكه وتراجع مداخيلها المالية، في مقابل ارتفاع أسعار المنتجات الزراعية بسبب غياب الرقابة.

وأوصى بإرساء نظام للرقابة ينخرط فيه جميع المتدخلين ذوي الصلة، ويتيح ضبط السلع والمعاملات والأسعار داخل وخارج أسواق البيع بالجملة للخضر والفواكه.

ودعا البرلماني محمد هيشامي عن كتلة حزب الحركة الشعبية بالبرلمان إلى وجوب إخراج قانون جديد يفرض دخول جميع المنتجات الزراعية إلى أسواق الجملة مع تكثيف المراقبة ومسارات التسويق.

◙ سد المنافذ أمام المحتكرين على سلم الأولويات
◙ سد المنافذ أمام المحتكرين على سلم الأولويات 

وطالب أيضا بأن يتضمن التشريع وضع حد للأسواق غير المهيكلة، مع التسريع بإخراج القرار الوزاري الذي وعد به وزير الداخلية، والذي يهدف إلى تنظيم وإحداث وتأهيل أسواق الجملة للخضر والفواكه.

ويرتكز الإصلاح الحكومي على ثلاثة محاور أساسية تهم إعادة هيكلة الشبكة الحالية، وعصرنة تجهيزات أسواق الجملة وتنويع خدماتها، وكذلك تبنّي نموذج فعال لتسيير وتدبير أسواق الجملة للخضر والفواكه يمكّن من تقوية جاذبيتها.

ويهدف مشروع قرار حكومي لتنظيم أسواق الجملة إلى تبني نظام عصري يمكن من تطوير هذا القطاع عبر شركة التنمية المحلية أو التدبير المفوض أو الشراكة مع القطاع الخاص.

وإلى جانب ذلك العمل على ضبط عملية التنظيم داخل الأسواق من خلال تحديد وتعريف جميع المتدخلين في السوق، وكذلك تحديد شروط السلامة الصحية اللازم توفرها في الأسواق.

مرتكزات الإصلاح

  • هيكلة الشبكة الحالية للأسواق
  • عصرنة تجهيزات أسواق الجملة
  • تنويع خدمات القطاع وترقيتها

ويهدف القرار، حسب لفتيت، والذي جاء بالتشاور والتنسيق مع كافة الوزارات المعنية إلى ضبط وتنظيم القطاع ابتداء من مرحلة التخطيط والإحداث والتأهيل مرورا بالتنظيم والتدبير والمراقبة.

وسيتم ذلك عن طريق تحديد المرافق والتجهيزات اللازم توفرها في سوق الجملة أخذا بعين الاعتبار كميات وحجم تدفقات الخضر والفواكه الموجهة إليه.

وثمة إجماع داخل الأوساط الاقتصادية والسياسية أنه من الضروري القضاء على السماسرة والمضاربين الذين يتسببون في زيادة الأسعار وضرب القدرة الشرائية للمواطنين.

ولفتوا إلى أن ضعف المراقبة على المنتجات التي تباع في الأسواق يشكل خطرا على صحة المستهلكين، مطالبين بتوفير منشآت داخل هذه الأسواق من أجل ضمان سلامة المنتجات المعروضة.

وحذروا من تبعات عدم تأهيل أسواق الجملة والأسواق الأسبوعية وأسواق القرب على القدرة الشرائية للمواطنين، حيث يرون أن تعدد الوسطاء والاحتكار والمضاربة كلها أمور تجعل الأسعار تتضاعف ثلاث مرات من المنتج إلى المستهلك.

وقفز التضخم إلى مستويات قياسية بداية 2023 ليبلغ ذروته في فبراير عند 10.1 في المئة مقابل 8.9 في المئة خلال يناير، وليبدأ في التباطؤ في مارس إلى 8.2 في المئة ثم 7.8 في المئة خلال أبريل، وهي أرقام “تاريخية” مدفوعة بالأساس بقفزة أسعار المواد الغذائية.

وطالب وزير الفلاحة والصيد البحري محمد صديقي البرلمان بضرورة استصدار قوانين تُمكن من تتبع كل عمليات التسويق والتوزيع.

وقال إن “السماسرة والمضاربين يجب أن يتحولوا إلى تجار داخل الأسواق ما داموا يمارسون البيع والشراء”، موضحا أن القانون سيُمكن من معرفتهم جميعا ويتيح لهم التعامل بشفافية.

10