المغرب يتوج شاعرا سنغاليا بجائزة الشعر الأفريقي

أصيلة (المغرب) - تسلم الشاعر السنغالي أمادو لامين صال، مساء الأحد، جائزة “تشيكايا أوتامسي للشعر الأفريقي”، ضمن فعاليات موسم أصيلة الثقافي الدولي، في دورته الأربعين التي تحتضنها مدينة أصيلة شمالي المغرب.
ويعد أمادو لامين صال أحد كبار الشعراء الأفارقة الفرنكوفونيين المعاصرين، وقد سبق له أن نال جائزة أشعار اللغة والآداب الفرنسية التي تمنحها الأكاديمية الفرنسية، سنة 1991.
في مناقب أوتامسي
في كلمة بالمناسبة، ذكّر محمد بن عيسى، رئيس منتدى أصيلة بمناقب تشيكايا أوتامسي الشاعر والمفكر الأفريقي- العالمي الذي تحمل الجائزة اسمه، والذي عاصره الكثير من المثقفين والسياسيين بأصيلة منذ العام 1989، والذي رحل بشكل مفاجئ في عز عطائه الأدبي.
وقال بن عيسى “كنت قد شاركت في جنازته ورافقت نعشه بمسقط رأسه في شمال غرب الكونغو برازافيل، ومنذ ذلك الحين قررنا إقامة جائزة باسمه، وسكن الراحل بقصر الثقافة عندما أتى لأول مرة إلى أصيلة دون ماء ولا كهرباء، حيث لم تكن المدينة تتوفر على الكثير من المستلزمات الهيكلية كما الآن وكان يتواجد مع الناس”.
جائزة تشيكايا أوتامسي تمنح لصاحب موهبة واعدة أثبت حضوره المتميز، بما نشره من إنتاج ينطوي على قيمة فنية عالية
وأضاف “إن مكان أوتامسي المفضل هو الحديقة المحاذية للسور الأثري للمدينة القديمة، يحلم ويكتب ويقرض الشعر ويغني ومن أحب الأغاني العربية إلى قلبه أغدا ألقاك لأم كلثوم، كما اشتغل أوتامسي، الشاعر الغنائي صحافيا وكتب نصوصا وصفت بالرائعة بعد اغتيال الزعيم باتريس لومومبا الذي كان يكنّ له إعجابا كبيرا، وباليونسكو في باريس”.
وترأس لجنة تحكيم الجائزة ماريو لوسيو سوسا، الفنان والشاعر ووزير الثقافة السابق بالرأس الأخضر، وضمت لجنة التحكيم لهذه السنة كلّا من الشعراء والأكاديميين المهدي أخريف من المغرب، وممادو با ورفائيل نداي السنغاليين، ومانو ميلو من البرازيل، وفانيسا رودريغيز من البرتغال، فضلا عن محمد بن عيسى الأمين العام لـ”مؤسسة منتدى أصيلة”.
وفي كلمته بالمناسبة قال ماريو لوسيو سوسا، رئيس لجنة التحكيم، إن اختيار السنغالي أمادو لامين صال جاء بفضل الأوساط الثقافية العالمية، نتيجة الرغبة في أن يعرف العالم أن هناك جائزة تشيكايا أوتامسي، وأن يطلع العالم على إنتاج الشعراء الأفارقة، مشيرا إلى أن الامتياز ليس فقط تكريم الشاعر السنغالي الذي ولد محافظا على التراث والذاكرة، بل “تكريم أنفسنا كذلك”.
وأكد سوسا أن القارة الأفريقية تعد حصة من مضامين قارات أخرى، فهي موجودة في كل مكان، كما أن هناك كتبا تتحدث عن أفريقيا لا تعكس جوهرنا، مشيرا إلى أن السينمائية والصحافية البرتغالية فانيسا رودريغز وهي عضو في اللجنة، رفضت أن تنظر إلى أفريقيا من زاوية استعمارية.
وتبلغ قيمة الجائرة عشرة آلاف دولار أميركي، وتمنح لصاحب موهبة واعدة أثبت حضوره المتميز، بما نشره من إنتاج ينطوي على قيمة فنية عالية، في ديوان أو أكثر، يفتح أفقا جديدا للذائقة الشعرية ويسهم في تعميق الوعي بالشعر وأهميته في الحياة.
جغرافيات شعرية
تمنح جائزة “تشيكايا أوتامسي للشعر الأفريقي” كل ثلاث سنوات وتعلن في أصيلة في حديقة صغيرة محاذية للسور قرب بوابة المدينة القديمة، حيث كان الشاعر تشيكايا أوتامسي يلقى ذاته متمتعا بغروب الشمس، والتي تحمل اسمه وينهض فيها نصب حجري تذكاري حفرت عليه إحدى قصائده.
وسبق أن فاز بها، منذ 1989، شعراء من جغرافيات شعرية مختلفة: إيدوار مونيك من جزيرة موريس (1989)، وروني ديبيست من هايتي (1991)، ومازيني كونيني من جنوب أفريقيا (1993)، وأحمد عبدالمعطي حجازي من مصر (1996)، وجون باتيست لوطار من الكونغو برازافيل (1998)، وفيرا دوارطي من الرأس الأخضر (2001)، وعبدالكريم الطبال من المغرب (2004)، ونيني أوسندار من نيجيريا (2008)، وفامة ديان سين من السنغال (2011)، والمهدي أخريف من المغرب (2011)، وجوزي غيبو من ساحل العاج (2014).
ويعد أمادو لامين صال أحد أكبر الشعراء الأفارقة الفرنكوفونيين المعاصرين وقد ولد في العام 1951 بكاولاك بالسنغال، وهو المؤسس للدار الأفريقية للشعر الدولي، ويترأس مسار البينالي الدولي للشعر في دكار عاصمة السنغال.
كما قام بنشر عدة أنطولوجيات شعرية ترجمت إلى عدة لغات، وفي أكتوبر 2008 كتب عدة قصائد عن أرثور رامبو حين كان مقيما في “دار رامبو” بمدينة شارلفيل – ميزيير كبرى العواصم العالمية في الشعر.
واعتبر رافائيل نداي، المدير العام لمؤسسة ليوبولد سيدار سنغور، أن أمادو لامين صال، شاعر كل لحظة بالقلب والجسد، وأنوار الشعر تنسدل عليه في شعره وحياته وعلاقاته، وشعره الذي كتبه بحماسة هو بمثابة تناغم بين الكلمات والصور حيث يحتوي على نبرة مقدسة أسطورية.
أمادو تلقى عددا من الأوسمة الرفيعة داخل بلده السنغال وفي بلدان أخرى منها الجائزة الكبرى بالوسام الذهبي في فرنسا، كما انضم إلى أكاديمية الشعر في إيطاليا
وقال رفائيل نداي إن الشاعر تأثر بوالدته التي كانت منشدة وشاعرة شفوية وهي من أدخل الشعر في ذهنه وقلبه، وشعريا كان ولا يزال يتمتع باستقلالية دون أن يحتك بأحد، فالشعر الشفوي هو ما ساعده في شق طريقه، وليس شيئا آخر.
وتمت ترجمة شعر لامين صال إلى العربية والإنكليزية والفرنسية والروسية والإيطالية وغيرها، كما تلقى عددا من الأوسمة الرفيعة داخل بلده السنغال وفي بلدان أخرى منها الجائزة الكبرى بالوسام الذهبي في فرنسا، كما انضم إلى أكاديمية الشعر في إيطاليا.
وبمناسبة فوزه بالجائزة بدا الشاعر السنغالي أمادو لامين صال متأثرا بتكريمه بهذه الجائزة، وقال إن مدينة أصيلة تعتبر مركز التكامل الأفريقي والجائزة تسجل هذا التكامل، مضيفا “إننا تعبنا من تلقي الجوائز من أوروبا ويتوجب علينا كأفارقة التفكير في أنفسنا والاعتراف بمواهبنا”.
وقال أمادو لامين صال إن والدته أخبرته أن عام مولده كان مناسبة لاختيار سنغور رئيسا للسنغال، مضيفا “هذا الشاعر والرئيس الكبير أعطاني كل شيء وكأنه والدي، وتعلمت منه شيئين الصبر الجميل والتواضع”، متسائلا “هل هناك رئيس دولة يستقيل من منصبه بداية التسعينات (من القرن الماضي) للتفرغ لقرض الشعر؟”.
وأهدى الشاعر السنغالي الجائزة إلى روح والدته، التي أعتبرها مصدر إلهامه، وقال “المرأة هي منبع كل شي، وأنا أهدي الجائزة لوالدتي”، قبل أن تغالبه الدموع متأثرا بذكراها.
ومن أشهر أعمال الشاعر المحتفى به “لون النشوة” و”النوم الطويل للعيون”، و”أوديس عارية” و”في أماكن أخرى”، و”حلم بامبو”، وغيرها من الإبداعات الشعرية الأخرى.