المغرب يتحرك للمساهمة في جهود نزع فتيل المواجهة بين الكونغو الديمقراطية ورواندا

الرباط - رجحت أوساط سياسية مغربية تحرك الرباط للوساطة بين رواندا والكونغو الديمقراطية لتفادي توسع دائرة الحرب، مستفيدة مما تملكه من علاقات متميزة مع البلدين ومصداقية داخل المؤسسات الأفريقية ومن حيادها وسعيها إلى دعم المصالحات الوطنية بين الدول.
واعتمدت الأوساط السياسية المغربية في ترجيحها لوجود وساطة مغربية على زيارة وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، وياسين المنصوري مدير المخابرات الخارجية (لادجيد)، إلى رواندا واستقبالهما من الرئيس بول كاغامي، حيث سلماه رسالة من العاهل المغربي الملك محمد السادس.
ويرى مراقبون أن ما يهم المغرب ليست الوساطة في حد ذاتها، أو استثمارها للبحث عن الأضواء، بل المساعدة على الحل ولو بدور محدود يدعم أدوار دول وهيئات أخرى تتحرك في مسارات مختلفة لوقف الحرب ومنع اتساعها.
ويشير المراقبون إلى أن المغرب، الذي يمتلك دبلوماسية نشطة وحضورا أفريقيا قويا على مستويات أخرى مثل الاقتصاد وتقديم المساعدات، وعلاقات ثنائية قوية على نطاق واسع، يفضل دائما التحرك في صمت. وإذا تحدث المسؤولون المغاربة فبتصريحات دقيقة وهادفة إلى خدمة المهمة وليس بتصريحات استعراضية يمكن أن تعرقل مساعي وقف الحرب كما تفعل دول أخرى.
ويرى محمد لكريني، أستاذ العلاقات الدولية المغربي، في تصريح لـ”العرب”، أن اللقاء المهم الذي جمع المسؤولين المغربيين بالرئيس الرواندي يشير إلى الأدوار التي يمكن أن يلعبها المغرب دبلوماسيا وأمنيا لتحقيق الاستقرار في المنطقة، مشددا على أن المغرب يلعب أدوار الوساطة داخل أفريقيا استكمالا للجهود التي تقوم بها منظمة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي بهدف تحقيق وتعزيز السلام بين رواندا والكونغو الديمقراطية.
ويراهن المغرب على جودة العلاقات مع رواندا حيث ناقش بوريطة والمنصوري مع الرئيس كاغامي العلاقات الثنائية بين البلدين، إلى جانب بحث آليات خفض التصعيد مع الكونغو الديمقراطية. وتجمع رواندا والمغرب علاقات خاصة وتعاون دبلوماسي منذ عقود.
وفي عام 2016، زار العاهل المغربي رواندا بعد ثلاثة أشهر من قيام الرئيس كاغامي بزيارة دولة إلى المغرب استغرقت يومين بدعوة من الملك محمد السادس، وبحلول عام 2019 وقعت الدولتان اتفاقيات في مجالات التجارة والبيئة والتعدين والجيولوجيا والهيدروكربونات وتنمية رأس المال البشري، ليصل إجمالي عدد الاتفاقيات بين البلدين إلى ست وثلاثين اتفاقية، كما صادقت رواندا على اتفاقية مع المملكة المغربية لتعزيز التعاون القضائي.
وأكد المغرب التزامه الثابت بالمبادئ الأساسية لسيادة الدولة والوحدة الوطنية والسلامة الترابية وحسن الجوار وعدم التدخل، وذلك خلال اجتماع مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي في نهاية يناير الماضي مع إدانته الأعمال المزعزعة للاستقرار التي تقوم بها الجماعات المسلحة في شرق الكونغو الديمقراطية. وأدى القتال إلى نزوح ما لا يقل عن 500 ألف شخص وبات يهدد بزعزعة استقرار المنطقة بأكملها.
وأكد لكريني أن مشاركة الاستخبارات والخارجية المغربية في اجتماع يتناول الوضع بالكونغو الديمقراطية ورواندا، كوسيط يؤشر على حيوية الدبلوماسية المغربية التي تعتمد بشكل متزايد على القوة الناعمة، وخاصة البعد الديني وكذلك العلاقات الاقتصادية والأدوات الأمنية في هذه المنطقة، مشيرا إلى أن المصالح الاقتصادية والدبلوماسية تحتاج إلى تعزيزها أمنيا وعسكريا كضرورة حيوية.
ويأتي استقبال الرئيس الرواندي لبوريطة والمنصوري، قبيل لقاء حاسم مقرر اليوم السبت في تنزانيا، بين كاغامي ورئيس دولة جمهورية الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي لمناقشة تداعيات الهجوم الذي تشنه حركة إم 23 في شرق الكونغو، مع تجديد دعم المغرب القوي لجهود السلام الجارية بقيادة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي لاستعادة الاستقرار وتعزيز التنمية في المنطقة.
وأكد بوريطة التزام المغرب بمبادئ حسن الجوار والاحترام المتبادل والحوار البناء، محذرا من أن مستقبل المنطقة أصبح على المحك، وقال إن التاريخ سيذكر أولئك الذين سعوا إلى الحكمة خلال هذه الفترة الحرجة، مع دعم المغرب القوي لجهود السلام الجارية بقيادة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي لاستعادة الاستقرار وتعزيز التنمية في المنطقة.
وحث وزير الخارجية المغربي على العمل الجماعي لدعم جهود الوساطة التي يقودها الرئيس الأنغولي جواو لورينسو في إطار لواندا، وهي مبادرة حاسمة لحل الأزمة. وقال إن المبادرات الإقليمية، بالإضافة إلى الدعم المستمر من الشركاء الدوليين، تحتاج إلى الدعم الكامل من الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، وأقر بتضحيات قوات حفظ السلام، بما في ذلك فرقة الخوذ الزرقاء المغربية، التي تظل ملتزمة بالسلام والاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية.
ودق ناصر بوريطة ناقوس الخطر بشأن العدد المتزايد من النازحين داخليا في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية وأدان بشدة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي من قبل الجماعات المسلحة، وحث جميع الأطراف على ممارسة ضبط النفس ووقف الأعمال العدائية على الفور لإيقاف العنف.