المغرب يبني جدار حماية من التلاعب التجاري الرقمي

لجأت السلطات المغربية إلى فرض إجراءات تقنن عمليات البيع والشراء عبر منصات التجارة الإلكترونية في مسعى يهدف إلى مكافحة عمليات الغش والتلاعب التي رصدتها إدارة الجمارك في السنوات الماضية بهدف إقامة جدار حماية للمستهلكين والاقتصاد المحلي.
الرباط- قررت إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة بالمغرب استثناء المشتريات المنجزة عبر منصات التجارة الإلكترونية الدولیة من الإعفاء من الرسوم عند الاستيراد بصرف النظر عن قیمتها.
ويأتي تقنين هذه النوعية من العمليات في ظل ما تشهده التجارة عبر المنصات الرقمية من نمو مطرد بغية قطع الطريق أمام بروز سوق غير منظم.
وبعد التحريات التي قامت بها إدارة الجمارك تبين أن بعض الممارسات غير القانونية هي التي كانت وراء قرار عدم التساهل مع الطرود التي تدخل ضمن نطاق التجارة الإلكترونية بعدما فاق رقم معاملات بعض المنصات الدولية المليار درهم (100 مليون دولار) بنهاية العام الماضي.

فوزي لقجع: البعض استغل التسهيلات الجمركية للغش بقيمة السلع
واعتبر فوزي لقجع، الوزير المكلف بالميزانية، أن الطرود التي تؤمن إيصالها بعض المنصات الدولية هي في الواقع عمليات استيراد لكميات كبيرة من البضائع تحت غطاء التسهيلات الجمركية التي تمنح عادة لفائدة الطرود الاستثنائية التي ليست لها أي صبغة تجارية أو تلك التي تخص بضائع ذات قيمة زهيدة.
وأدى هذا الوضع، حسب لقجع خلال تدخله في جلسة عامة بمجلس المستشارين الأسبوع الماضي، إلى ظهور سوق غير مهيكل ينشط من خلال إعادة بيع السلع التي يتم شراؤها عبر مواقع التجارة الإلكترونية الدولية.
وأشار إلى أن تلك العمليات اعتمدت على الغش في قيمة البضائع المصرح بها (نقص الفوترة) أو تجزئة الطرود على عدة مستفيدين رغم أن المشتري الفعلي هو الشخص نفسه.
وقال لقجع إن “هذا الوضع يشكل منافسة غير شريفة للصناعة المحلية وللتجارة النظامية وخطرا بالنسبة إلى صحة المستهلك وهدرا لمداخيل الدولة”، مشددا على إحقاق العدالة الجبائية وحماية التجارة والصناعة المحليتين اللتين تشغلان الملايين من المواطنين.
ونظرا إلى إقبال عدد من المغاربة على اقتناء مشترياتهم من الخارج عبر مجموعة من التطبيقات الإلكترونية، اقترح أعنوز عبدالحق باحث في قانون الأعمال والتجارة، فرض الضرائب على التجارة الإلكترونية.

العربي البلغيتي العلوي: استعمال التكنولوجيات الجديدة في مجال الأداءات في تزايد مستمر
وأكد أن مثل هذه الخطوة ستوفر موارد مالية مهمة لخزينة الدولة وتحقق العدالة الضريبية على كافة المنتجات القادمة من الخارج عبر المنصات الإلكترونية لتفادي التهرب والغش الضريبي.
وشددت إدارة الجمارك في بيان على أن هذا الإجراء لا يخص الطرود التي لا تفوق قيمتها 1250 درهما (124 دولارا) والتي ليست لها صبغة تجارية، حيث ستستمر في الاستفادة من الإعفاء الجمركي.
وجاء صدور البيان بعد مصادقة مجلس الحكومة على مشروع قانون ينص على تطبيق مدونة الجمارك والضرائب غير المباشرة الراجعة لإدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة.
وحسب إحصائيات رسمية، انتقل عدد الطرود الموجهة إلى المغرب خلال الفترة الفاصلة بين 2018 و2021، من 2.8 مليون إلى أكثر من 6 ملايين طرد.
ويتضمن ذلك ما يفوق 4 ملايين طرد تتعلق ببضائع تم شراؤها عن طريق منصات التجارة الإلكترونية تم تسجيلها خلال العام الماضي بقيمة تجاوزت ملياري درهم (200 مليون دولار).
وتأتي الملابس والأحذية وأدوات الرياضة في المرتبة الأولى بواقع 69 في المئة، من حيث نوعية المشتريات، تليها منتجات التجميل والمواد الغذائية والبقالة، بينما تأتي بعد ذلك مجموعة واسعة ومتنوعة من الخدمات والمنتجات.

أعنوز عبدالحق: الحكومة تحتاج إلى فرض ضرائب على التجارة الإلكترونية
ولفتت إدارة الجمارك، إلى أن هذا الوضع أدى إلى ظهور سوق غير مهيكل ينشط من خلال إعادة بيع السلع المشتراة عبر مواقع التجارة الإلكترونية الدولية، معتمدا على “الغش” في قيمة المقتنيات المصرح بها.
وذكرت أن ذلك يتم عبر التلاعب في الفواتير أو تجزئتها على عدة مستفيدين رغم أن المشتري الفعلي هو نفس الشخص وذلك للاستفادة من الإعفاء الجمركي والتهرب من مراقبة المعايير المتعلقة بحماية المستهلك.
ويهدف مشروع القانون حسب بيان المجلس الحكومي، إلى تشديد المراقبة الجمركية للطرود التي تتعلق بالمعاملات المنجزة من خلال المنصات الإلكترونية.
وقد استثنى صراحة المعاملات المنجزة عن طريق المنصات الرقمية من الإعفاء من الرسوم الجمركية عند الاستيراد بصرف النظر عن قيمة هذه الإرساليات.
ووفق إدارة الجمارك فإنه لتصويب هذا الوضع بات من اللازم تشديد المراقبة الجمركية على طرود التجارة الإلكترونية لفرض احترام الضوابط للتجارة الخارجية المتعلقة بهذه المعاملات عبر تعديل مقتضيات المرسوم المتعلق بالطرود الاستثنائية المجردة من كل صبغة تجارية.
ويرى أيوب أبومليك، الباحث في العلوم الاقتصادية بجامعة الحسن الثاني، في تصريح لـ”العرب”، أن هذا الإجراء لا يهدف بأي شكل من الأشكال إلى تضييق الخناق وتقويض حرية المستهلك في التسوق الرقمي، بل على العكس يهدف إلى حماية المواطنين والاقتصاد.
وكانت دراسة لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية قد صنفت المغرب في المرتبة 12 عربيا و95 عالميا في مؤشر أنشطة التجارة الإلكترونية سنة 2020. ويقدر رقم معاملات القطاع بالمغرب بحوالي 6 مليارات درهم (597 مليون دولار) سنويا.
عدد الطرود الموجهة إلى المغرب خلال الفترة الفاصلة بين 2018 و2021، انتقل من 2.8 مليون إلى أكثر من 6 ملايين طرد
وأكد العربي البلغيتي العلوي مدير عام جوميا-المغرب المنصة الرائدة للتجارة الإلكترونية بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن استعمال التكنولوجيات الجديدة في مجال الأداءات في تزايد مستمر.
وأرجع ذلك إلى إقبال المستهلكين المغاربة على التجارب الرقمية الجديدة التي تتميز بالسرعة والمرونة حيث سجلت هذه المعاملات حركية نشطة في اعتماد وسائل الأداء الرقمية على مستوى المنصة.
وسجلت المواقع والمحلات التجارية التابعة لمركز النقديات في الربع الأول من هذا العام ما مجموعه 6.3 مليون عملية أداء إلكتروني بواسطة البطاقات البنكية، المغربية والأجنبية، بقيمة إجمالية بلغت 2.3 مليار درهم (230 مليون دولار).
وأبرز المركز، في تقريره الأخير حول النشاط النقدي بالمغرب، أن هذه العمليات عرفت زيادة بنسبة 34.3 في المئة من حيث العدد، و19.3 في المئة من حيث المبلغ على أساس سنوي.