المغرب يبدأ رحلة إدماج القنب الهندي في التنمية الاقتصادية

تترقب الأوساط الاقتصادية المغربية تأثير القرارات التي اتخذتها الحكومة لإدماج القنب الهندي ضمن مجالات قطاع الزراعة عقب تقنين استخدامها أملا في تحقيق مكاسب ومنافع اجتماعية وتنموية كبيرة لسكان المناطق التي تنتشر فيها هذه النبتة.
الرباط - شرع المغرب في تنفيذ القانون المتعلق بتقنين الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي باستحداث وكالة حكومية في الغرض تعمل على تحويل أعباء هذه النبتة إلى فرص اقتصادية واستثمارية واعدة.
وبموجب القانون فإن الوكالة هي الوسيط الوحيد بين المزارعين والسوق وهي المسؤولة عن ضمان نجاح تقنين إنتاج النبتة وإخراجها من خانة الاستغلال الممنوع إلى الاستغلال المشروع.
وكان البرلمان قد صادق أواخر الشهر الماضي على مشروع قانون يقنن استخدام النبتة في الأغراض الطبية والصناعية بالبلاد بعد موافقة الحكومة على ذلك في مارس 2022.
ولم تتوان الحكومة عن تجسيد خططها بعد إعطاء الضوء الأخضر رسميا لإدماج هذا المجال في الدورة الاقتصادية، حيث ترأس وزير الداخلية عبدالوافي لفتيت في الرباط الاجتماع الأول لمجلس إدارة الوكالة للنظر في استراتيجيتها في هذا المضمار.

شريف أدرداك: استغلال خبرة المزارعين لتحقيق تنمية مثالية للقطاع
ويدخل القنب الهندي المقنن ضمن الأنشطة الهامة لتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية للمساهمة في تعزيز الاستثمار والاستفادة من المنتجات المستحضرة منه بما يعود بالنفع على المزارعين في المناطق المعنية.
وأكد الباحث في الاقتصاد شريف أدرداك في تصريح لـ”العرب” أن تعيين مدير للوكالة بعد رصد ميزانيتها والموارد البشرية المؤهلة سيعطي دفعة لتنزيل القانون بطريقة فعالة خاصة إذا تم فتح فروع لها.
وتقرر حصر المناطق التي يجوز فيها الترخيص بممارسة أنشطة زراعة وإنتاج القنب الهندي وإنشاء واستغلال مشاتله في ثلاثة أقاليم شمال البلاد هي الحسيمة وشفشاون وتاونات.
وثمة إمكانية إضافة أقاليم أخرى حسب إقبال المستثمرين الوطنيين والدوليين على الأنشطة المرتبطة بسلسلة إنتاج القنب الهندي.
وستعمل الوكالة على الإسهام في تنمية الزراعات البديلة والأنشطة غير الزراعية لفائدة سكان الأقاليم المعنية للحد من الزراعات غير المشروعة للقنب الهندي.
كما ستساهم إجراءات التنظيم والرقابة والإشراف التي سيتم اتباعها في تجفيف مصادر شبكات الاتجار غير المشروع في هذه النبتة.
والهدف المتعلق بتقنين زراعة القنب الهندي، إخراج ما يقارب 600 ألف شخص من الفقر والتهميش، كما حصل بدول شرعت مؤخرا في الاستخدام القانوني للنبتة، مثل نيبال والمكسيك والبيرو التي سُجل بها تحسن ملحوظ في الظروف المعيشية لصغار المزارعين.
ويتطلب تحقيق تلك الغاية مواكبة المزارعين وتكوينهم وتحفيزهم ماديا وتقريب خدمات الوكالة من مناطق تواجدهم.
وإلى جانب ذلك، تعيين ممثلين عن المجتمع المدني والباحثين الذين اشتغلوا على القنب الهندي في الوكالة حتى يكون لسكان المناطق المعنية صوت يدافع عن مصالحهم بعيدا عن دروب البيروقراطية.
واعتبر أدرداك، وهو ناشط حقوقي، أن تقنين زراعة النبتة سيضمن مداخيل هامة لخزينة الدولة، خصوصا مع وجود طلب خارجي على هذه المنتوجات المغربية.
ولكنه أشار إلى أن عملية التقنين لا تعني القضاء على الزراعة المحظورة “للكيف الذي يستخرج منه الحشيش”.

وأوضح أنه من الناحية الاقتصادية فإن المزارع يبحث عن الربح ومصلحته مع من يدفع أكثر، لذلك يجب على الدولة أن تخصص منح مالية للتعاونيات التي سيشكلها المزارعون وتقترح عليهم سعر شراء أكبر من السعر الذي يقترحه تجار المخدرات.
ويعتقد أدرداك أنه على السلطات تكثيف عمليات المراقبة وقطع الطريق أمام أي محاولات لدخول تجار المخدرات للحياة السياسية حتى لا يشكلوا عراقيل أمام تحقيق الجدوى من تقنين زراعة وتجارة هذه النبتة.
وكان المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي قد طالب بتعزيز تنظيم المزارعين في التعاونيات من أجل تسهيل الوضع والحصول على الحقوق الحصرية لمناطق الزراعة أو الأصناف أو المنتجات المتأتية منها وسلسلة تستند بقوة إلى البحث والابتكار.
ويرى أن ذلك سيؤدي إلى توفير منتجات مبتكرة تستند على آلية لتنسيق ورصد وتشجيع البحث والابتكار لتحويل هذه النبتة.
وتهدف الرباط من هذه الخطوة إلى اعتماد استراتيجية تنموية متكاملة بمناطق زراعة هذه النبتة عبر تحسين الظروف المعيشية للسكان المشاركين في الزراعة غير المشروعة، وحمايتهم من قبضة شبكات التهريب الدولي للمخدرات.
600
ألف شخص يعملون في هذا المجال تستهدف الحكومة ضمهم إلى السوق الرسمية
وسيكون لذلك تأثير اقتصادي مباشر على المزارعين المحليين بالدرجة الأولى، كما أن تأسيس وحدات معالجة وتصنيع منتجات هذه النبتة سيساهم في توفير المزيد من فرص عمل وتنشيط الاقتصاد المحلي.
وسيمنح تطبيق القانون فرصة لجذب شركات عالمية متخصصة في إنتاج وتسويق مستحضرات القنب الهندي في الأغراض الطبية والصناعية والتجميلية، حيث ستستفيد البلاد من المزايا التنافسية التي تتمتع بها لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية.
ويؤكد أدرداك أن السوق الدولية للقنب الهندي المشروع يعرف منافسة شرسة بين العديد من الدول الرائدة في هذا المجال، وأن دخول المغرب لهذه المغامرة يحتم عليه تطوير أساليب استغلال النبتة لتتماشى والتقنيات الحديثة المتوفرة لدى المنافسين.
وقال لـ”العرب”، إن “على الدولة استغلال الخبرة التي راكمها المزارعون لأكثر من نصف قرن”.
وأضاف “لا يجب أن ننسى أن القرب من السوق الأوروبية وتدني أجور اليد العاملة والإعفاءات الضريبية هي عوامل أساسية لتشجيع الاستثمارات الأجنبية على ضخ رؤوس أموال في السوق المغربية والاستقرار بالقرب من مناطق الإنتاج”.
وكشفت دراسة حكومية حول جدوى تقنين الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي، أن الدخل الصافي للهكتار الواحد لزراعة هذه النبتة يمكن أن يصل إلى 110 ألف درهم (11.2 ألف دولار) سنويا.
وبحسب معدي الدراسة فإن هذا الرقم يمثل تحسنا بنسبة تصل إلى 40 في المئة مقارنة مع أعلى مستوى للدخل في الوقت الحالي.