المغرب في سباق لمواجهة تحديات الإجهاد المائي

قلة الأمطار تتسبب في الاستنزاف السريع للموارد مع تعميق تدهور المخزونات الجوفية
الاثنين 2024/01/08
حلول بديلة لأزمة مزمنة

دخل المغرب في سباق مع الزمن لمواجهة تحديات الجفاف بعد تتالي التحذيرات التي تستوجب حث الخطى نحو التصدي لواقع بلد مجهد مائيا، وسط تأكيدات خبراء البيئة أن المشاكل الراهنة تتطلب رؤية حقيقية لتفادي الأسوأ مستقبلا.

الرباط - شرع الولاة ومحافظو أقاليم وجهات المغرب، في عقد اجتماعات مكثفة لتفعيل إجراءات وزارة الداخلية، حول الأزمة المائية الكبيرة التي يشهدها البلاد بفعل توالي سنوات الجفاف ونقص الأمطار.

ومن الإجراءات التي دعت إليها دورية وزير الداخلية عبدالوافي لفتيت مؤخرا، القيام بحملات تحسيسية بالتعاون مع الجمعيات المحلية والجهوية حول أهمية ترشيد استهلاك المياه، سواء بتعديل الضغط أو قطع الإمدادات في بعض الفترات الزمنية.

وعلى المستوى الجهوي عقدت اللجنة الإقليمية للماء، بمقر عمالة إقليم اليوسفية، اجتماع عمل ترأسه المحافظ محمد سالم الصبتي، بحضور مديري وكالة الحوض المائي لتانسيفت، وعدد من رؤساء المؤسسات، خصص لبحث وضعية هذه المادة الحيوية.

وأجمع المتدخلون على ضرورة تضافر جهود جميع الأطراف المعنية من أجل مواجهة تراجع حجم الموارد المائية، وانخفاض منسوب ملء السدود، إضافة إلى استنزاف الفرشة المائية.

وأوصى المسؤولون المحليون بإحداث لجنة يقظة تنكب على التصدي للحفر غير المشروع للآبار وإرساء لجنة تراقب وتقيم الزراعات التي تتطلب موارد مائية كبيرة.

مصطفى بنرامل: يجب التسريع من وتيرة تنفيذ البرامج المتعلقة بالمياه
مصطفى بنرامل: يجب التسريع من وتيرة تنفيذ البرامج المتعلقة بالمياه

وطالبوا أيضا بتشديد المراقبة على الأنشطة التي من شأنها تبذير المياه على غرار غسل السيارات والمسابح، والحمامات العمومية مع اللجوء إلى تقليص صبيب الماء خلال الليل.

كما يتعلق الأمر بمنع ري المساحات الخضراء والحدائق العامة وتنظيف الأماكن العامة عبر استعمال الماء الشروب، وتعبئة الشاحنات لتزويد الأرياف بالماء الصالح للشرب.

وفي السياق ذاته، أعلن محافظ إقليم سطات إبراهيم أبوزيد أنه بداية من هذا الشهر أو الشهر المقبل سيتم اعتماد آلية قطع الإمدادات وتزويد الأحياء بالمياه في أوقات محددة، للحفاظ على الكميات المخصصة.

وفي إطار الجهود المبذولة والتعبئة المستمرة لمواجهة الفقر المائي، انعقد ببني ملال، شمالي شرق مدينة مراكش، اجتماع خصص لتدارس مجموعة من الإجراءات الهادفة الى مواجهة هذه المشكلة وضمان توفير الماء بصفة دائمة لسكان المنطقة.

وضمن الجهود المبذولة جهويا للتعامل مع تدبير الماء، قامت السلطات المحلية لقيادة ترناتة بإقليم زاكورة، بالجنوب الشرقي الخميس الماضي، بحملة واسعة شملت زيارة العديد من الضيعات لمراقبة مدى امتثال المزارعين وتنفيذهم للقرارات.

وأصدر الإقليم قرارا يقضي بتقنين زراعة البطيخ الأحمر وتقليص المساحة المزروعة إلى هكتار واحد.

ويأتي ذلك بعدما كشفت حركة مغرب البيئة 2050، وهي جمعية مدافعة عن المناخ، أن الطبقة المائية تراجعت بخمسة أمتار خلال هذه السنة بتادلة وفي بني عمير وسوس وبرشيد بأربعة أمتار وفي شتوكة بمتر ونصف المتر.

وأكدت في بيان اطلعت عليه “العرب”، أن هذه الوضعية الخطيرة تتطلب تغيير السياسة الزراعية باعتباره الحل وليس قطع الماء على المدن.

وشددت الحركة على أن المسؤول الرئيسي عن الوضعية الحالية، هو السياسات الزراعية المتبعة منذ عقود، والتي استنزفت الثروة المائية في منتجات تصديرية مستنزفة للماء.

ودعا الخبير البيئي رئيس جمعية المنارات الإيكولوجية من أجل التنمية والمناخ مصطفى بنرامل، الحكومة وجميع الأطراف المتدخلة في ملف الماء بالبلاد إلى اتخاذ مزيد من التدابير الاستعجالية والعمل على تنفيذها.

وقال “يجب التسريع من وتيرة تنفيذ البرامج بغرض مواجهة أزمة الماء مثل تلك المتعلقة بتحلية مياه البحر ومعالجة مياه الصرف الصحي”.

وكان وزير التجهيز والماء، نزار بركة، قد قدم معطيات وأرقام صادمة حول الوضعية المائية بالبلاد، ووصفها بأنها “خطيرة جدا” نتيجة لتأخر هطول الأمطار واستمرار الجفاف للسنة الخامسة على التوالي.

وقال أمام مجلس المستشارين قبل أيام إن “المغرب لم يشهد من قبل هذا الجفاف الذي عشناه في السنوات الأخيرة منذ 2019”.

وأوضح بركة أنه تم التركيز على تحلية مياه البحر وعلى إعادة استعمال المياه العادمة، حيث يتم الاشتغال، حاليا على تحلية المياه بمنطقة الجرف الأصفر، بالإضافة إلى إنجاز آبار استكشافية وتجهيز محطات متنقلة لتحلية المياه.

وأكد أن تجاوز الأزمة يتطلب مجهودا تضامنيا والعمل بشكل جماعي، وذلك في سياق المخطط الوطني للماء الذي يغطي 30 عاما.

وبخصوص منطقة سوس ماسة، اعتبر بركة أن بدء تشغيل محطة تحلية المياه لشتوكة آيت باها مكن من تخفيف الضغط على الموارد المائية بالمنطقة.

ولفت إلى أن سد أولوز عرف تراجعا، ويوفر حاليا فقط الماء الصالح للشرب، فيما تم وقف الإمدادات الموجهة للسقي منذ ثلاثة أسابيع بعد انخفاض مستوى المياه.

وفي رسالة مباشرة إلى المواطنين قال بركة إن “مشكلة تبذير الماء واقع كلنا نساهم فيه، وبالتالي يجب أن نغير عقليتنا، لأننا لا نعيش في سويسرا وإنما في المغرب المعروف بإشكالية الجفاف التي أصبحت هيكلية ويجب أخذها بعين الاعتبار”.

وأكد آخر تقرير للمجلس الاجتماعي والاقتصادي والبيئي على ضرورة توفيـر عـدد أكبـر مـن وسائل تعبئة الموارد المائية مع تنويعها، وخاصة عبـر وضـع برنامج استثماري على المدى المتوسط والمدى الطويل.

الوضعية الخطيرة تتطلب تغيير السياسة الزراعية وليس قطع إمدادات الماء
الوضعية الخطيرة تتطلب تغيير السياسة الزراعية وليس قطع إمدادات الماء 

ويندرج ذلك في إطار مخطط تنمية الموارد المائية غير التقليدية مثل تحلية مياه البحر ومعالجة المياه ذات الملوحة المعدنية العالية وإعادة استعمال المياه العادمة، وتعزيز التعاون والانسجام بين سياسة الطاقات المتجددة والإستراتيجية الوطنية للماء.

وشدد عبدالرحيم حافظي، المدير العام لمكتب الكهرباء والماء الصالح للشرب على أن استعمال المياه السطحية والجوفية يجب أن يبقى محدودا في استعمالات خاصة، من أجل الأجيال المستقبلية.

وقال إنه “لابد من استغلال المؤهلات الطبيعية التي يتوفر عليها المغرب من أجل تحلية مياه البحر”.

وأنشأت الرباط 12 محطة تحلية بطاقة إجمالية تبلغ 179.3 مليون متر مكعب سنويا، تخصص 47 في المئة منها للشرب و25 في المئة للزراعة، و27 في المئة للاستخدام الصناعي، بحسب بيانات وزارة التجهيز والمياه.

كما تخطّط السلطات لإنشاء سبع محطات جديدة بنهاية 2027 بطاقة إجمالية تبلغ 143 مليون متر مكعب سنويا، وتعمل “على المدى القصير” للوصول إلى طاقة إنتاجية إجمالية تتجاوز مليار متر مكعب سنويا.

وأكدت البرلمانية نعيمة الفتحاوي، أنه بالرغم من المنجزات الهامة التي حققتها بلادنا على مستوى قطاع الماء، ومن أجل تجاوز هذه الإشكالات، فإنه يجب مراجعة السياسة الحالية لتنسجم مع حاجيات التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلاد.

لكن وفي ظهور لكسب نقاط سياسية في ملف حساس ويحتاج الى تضافر الجهود لتجاوز التداعيات الخطيرة، رفض تكتل حزب الاتحاد الاشتراكي المعارض بمجلس المستشارين، ربط ما آلت إليه الوضعية المائية بما يحتاجه القطاع الزراعي.

وقال إن “استمرار شح الأمطار لخمس سنوات متتالية، واقع لا يمكن التحكم فيه مهما بلغ المخزون المتوفر من هذه المادة الحيوية”.

11