المغرب غير مستعد لتحرير إضافي لسعر الدرهم

المركزي يتشبث بالحفاظ على سياسة نقدية مرنة والتريث في استكمال البرنامج إلى حين اتضاح الرؤية.
الجمعة 2024/03/22
الفرصة لم تحن بعد!

اعتبر خبراء أن تريث المغرب في استكمال خطوات تعويم الدرهم رغم ضغط صندوق النقد الدولي يمثل فرصة مثالية للمشرفين على السياسات النقدية لتقييم التجربة التي كانت منذ بدايتها حذرة لتفادي أي تداعيات محتملة على الاقتصاد في ظل تتالي الأزمات.

الرباط - دافع المغرب عن سياساته النقدية المتبعة بشأن استكمال برنامج تعويم الدرهم بوجه الضغوط المستمرة لصندوق النقد الدولي والتي بررها بوجود موانع اقتصادية تحول دون المضي قدما في هذا المسار.

وأنهى البنك المركزي عقب الاجتماع الأول لمجلسه لسنة 2024 الثلاثاء الماضي، الجدل الدائر حول توقيت الدخول في المرحلة الثالثة من تحرير سعر العملة المحلية، لأن الظروف غير ملائمة لدخول هذه المغامرة.

وأكد محافظ المركزي عبداللطيف الجواهري أن الاقتصاد غير جاهز بعد للانتقال إلى المرحلة الجديدة من إصلاح نظام الصرف المرن.

وقال خلال مؤتمر صحفي 2024 إنه “حتى مع إصرار صندوق النقد لن أوصي بالانتقال إلى المرحلة الجديدة من نظام سعر الصرف المرن إلا عندما أكون مقتنعا بأن الاقتصاد جاهز لذلك”.

عبداللطيف الجواهري: لن نستكمل برنامج التعويم إلا إذا كان الاقتصاد جاهزا
عبداللطيف الجواهري: لن نستكمل برنامج التعويم إلا إذا كان الاقتصاد جاهزا

وأوضح أنه من الضروري تأكيد بعض التوازنات قبل القيام بهذا الانتقال، لاسيما استدامة التوازنات المالية على المدى المتوسط، وتحقيق مستوى ملائم من الاحتياطي النقدي والقدرة على إدارتها ونظام بنكي مرن واستهداف معدل تضخم مقبول.

وعلاوة على ذلك، أكد أنه “على المستوى التقني، فإننا اكتسبنا فهما عميقا منذ سنة 2018، مع سير السوق ما بين البنوك على نحو مثالي، ومع ذلك، فقد شددنا على ضرورة الانتقال إلى المرحلة الموالية، والتي تنطوي على تكوين الفاعلين، وهنا مكمن الصعوبات”.

وكان الجواهري قد برر في العديد من المرات بأنَ سعر الدرهم غير مبالغ فيه وأنه يواكب لوضعية البلاد الاقتصادية.

وتظهر تعاملات السوق الرسمية أن سعر صرف الدولار الأميركي يبلغ 10 دراهم، بينما يبلغ سعر صرف اليورو 10.95 درهم.

وبدأ البنك المركزي قبل سنوات في تنفيذ برنامج التعويم. وقال في ذلك إنه “سيكون على مراحل حسب ظروف السوق المحلية وكذلك وفق العوامل الخارجية للاقتصاد العالمي”.

ويرى خبراء أن قرار المركزي صائب وله مبرراته، كون التحرير الكلي للدرهم يحتاج لأن تنضج عوامل عدّة، على رأسها استقرار معدل التضخم عند اثنين في المئة، إضافة إلى التقلبات المناخية التي يعيشها المغرب وتداعياتها الاقتصادية بالبلاد.

واعتبر رشيد ساري المحلل الاقتصادي المغربي أن معدلات النمو ليست بالمرتفعة، وتتراوح ما بين 1.1 إلى 3.5 في المئة، “وإذا كنا سوف نمضي في عملية التعويم، يتعين أن تكون هنالك معدلات نمو مستقرة لمجموعة من السنوات، لتصل أكثر من 5 أو 6 في المئة”.

رشيد ساري: من بين مبررات البنك المركزي التقلبات الجيوسياسية
رشيد ساري: من بين مبررات البنك المركزي التقلبات الجيوسياسية

وقال رئيس المركز الإفريقي للدراسات الإستراتيجية والرقمنة لـ”العرب”، إن من بين المبررات، التقلبات الجيوسياسية على مستوى أوروبا نتيجة الحرب الروسية – الأوكرانية والأزمات المتتالية في الشرق الأوسط، واضطرابات الملاحة البحرية بالبحر الأحمر”.

وأوضح أن الوضعية الاقتصادية تحتاج لأن تكون مريحة خاصة مع فاتورة الطاقة التي يمكن أن ترتفع دوليا ونسب النمو ستتراجع ومعدلات التضخم ستزداد عالميا.

وانخرط المركزي المغربي في تحرير سعر صرف الدرهم منذ 2018، بمعدل 0.5 في المئة صعودا ونزولا، قبل الانتقال إلى 2.5 في المئة، قبل أن يوسع هذا النطاق لاحقا.

وفي مارس 2020 شرعت السلطات النقدية بتطبيق المرحلة الثانية من تحرير سعر صرف الدرهم من خلال توسيع هامش التحرك إلى خمسة في المئة صعودا أو هبوطا، لكنه لم يتخذ أي إجراءات إضافية منذ ذلك الحين.

وقال روبرترو كارداريلي رئيس بعثة صندوق النقد بالمغرب إن “الظرفية الحالية ملائمة لعودة البنك المركزي المغربي إلى مشاريع مثل التحرير التدريجي لسعر صرف الدرهم”.

ولم يخف مسؤول الصندوق أن تعويم الدرهم عملية معقدة، لكنه أشار في الوقت ذاته أنها تستدعي عملا تقنيا كبيرا بالشراكة مع البنك المركزي، تحديدا فيما يخص إعداد الشركات الصغيرة والمتوسطة والصغيرة جدا للتعامل مع التغيرات الجديدة في سعر الصرف.

وفي هذا الإطار، أشار الجواهري إلى أن قطاع الأعمال ليسا مستعدا بعد لهذا الانتقال، خاصة الشركات الصغيرة والمتوسطة وكذلك رواد الأعمال.

روبرترو كارداريلي: العملية صحيح مقعدة لكنها تستدعي عملا تقنيا كبيرا
روبرترو كارداريلي: العملية صحيح مقعدة لكنها تستدعي عملا تقنيا كبيرا

وأبقى المركزي سعر الفائدة الرئيسي عند ثلاثة في المئة مع الاستمرار في مراقبة تطور الظرفية الاقتصادية والتضخم عن كثب الذي بلغ 2.2 في المئة بنهاية الشهر الماضي.

كما أشار إلى أن سعر الصرف الفعلي الحقيقي سيرتفع بنسبة 1.3 في المئة خلال هذا العام بعد ارتفاعه بنسبة 0.8 في المئة في العام 2023.

وأشاد رئيس بعثة صندوق بعمل بنك المغرب في تدبير السياسة النقدية، خصوصا من خلال المحافظة على معدل الفائدة الرئيسي دون تغيير منذ مارس من السنة الماضية.

ومن المتوقع أن يؤدي مستوى التضخم المحلي المنخفض مقارنة بالمستوى المسجل لدى البلدان الشريكة والمنافسين التجاريين إلى التخفيف من تأثير الارتفاع المتوقع في سعر الصرف الفعلي، قبل أن يعرف شبه استقرار سنة 2025.

وأوضح ساري أن رغبة صندوق النقد مرور المغرب إلى مرحلة التعويم كليا، لا تتوافق مع اختيارات الحكومة وصناع القرار النقدي ولا يستطيع فرض هذا المسلك لامتلاكه قدرة على الوفاء بالتزاماته تجاه المؤسسات الدولية المانحة.

وأكد أن التعويم الكامل للدرهم لن يحدث رغم أن الاقتصاد المغربي يعيش ديناميكية حقيقية تخوّل له تحرير سعر الصرف بنقطتين إضافيتين أو 3 نقاط.

وشدد على أن اقتراح الصندوق سيفرز مشاكل حقيقية على المستوى الداخلي، وسيرتفع التضخم بشكل يؤثر سلبا في الاقتصاد المحلي وستكون لها تداعيات على المستوى الاجتماعي، كما حدث لمصر وتركيا بعدما حررا عملتهما بشكل كامل.

وبعد التباطؤ المسجل في 2023، من المتوقع أن يتحسن النمو غير الزراعي تدريجيا، مدعوما بالخصوص بالاستثمارات العمومية، في حين لا يزال إنتاج المحاصيل متأثرا بتوالي سنوات الجفاف وبتفاقم الإجهاد المائي.

وبحسب تقديرات مؤسسة كابيتال إيكونوميكس فإن المغرب كون احتياطيا قويا من النقد الأجنبي يبلغ 34.3 مليار دولار.

وأشار خبراء المؤسسة أن ذلك يغطي احتياجات البلد قصيرة الأجل للتمويل الخارجي أكثر من ثلاث مرات، وهو ما من شأنه أن يعزز ثقة بنك المغرب في قدرته على دعم العملة إذا تعرضت لأي ضغوط نزولية.

11