المغرب حريص على تعزيز آليات الرقابة على المالية العمومية

الرباط - يحرص المغرب على تعزيز مكتسبات الرقابة العليا على المالية العمومية، من خلال مؤسسة المجلس الأعلى للحسابات. وشددت رئيسته زينب العدوي، على أن استقلالية الأجهزة العليا للرقابة والمحاسبة ليست مجرد ميزة مؤسسية، بل هي ضرورة حتمية لاضطلاع هذه الأجهزة بمهامها وإحداث الأثر لأشغالها على أرض الواقع.
وقالت العدوي، في افتتاح ندوة دولية عقدت بالرباط، على مدى يومي الاثنين والثلاثاء من قبل مبادرة تنمية “الإنتوساي”، إن استقلالية الأجهزة العليا للرقابة والمحاسبة تعتبر أحد المقومات التي لا غنى عنها لتحقيق المقاصد من إنشاء هذه الأجهزة وضمانة لفعالية حماية قيم ومبادئ ربط المسؤولية بالمحاسبة والشفافية والحكامة الجيدة.
وأضافت رئيسة المجلس الأعلى للمحاسبات في الندوة التي جاءت بعنوان “استقلالية الأجهزة العليا للرقابة والمحاسبة”، أن مواجهة التحديات الراهنة وتحقيق الطموحات المتمثلة في “أجهزة رقابية قوية ومستقلة ومهنية”، يتطلبان تجاوز التشخيص الوصفي والوقوف عند الأسباب الكامنة وراء تأخر تحقق شروط استقلالية الأجهزة كما تم تكريسها في إعلاني “ليما” و”مكسيكو” وباقي الوثائق ذات الصلة في الممارسة الرقابية اليومية للأجهزة العليا للرقابة، زيادة على العمل على المعالجة الجذرية لتلك الأسباب وظروفها مع مراعاة السياقات الوطنية والجهوية والخصوصيات المتصلة بمختلف نماذج الرقابة العليا على المالية العامة.
وقال رشيد لزرق رئيس مركز شمال أفريقيا للدراسات المتقدمة، في تصريح لـ”العرب”، إن المؤسسات الدستورية ومنها المجلس الأعلى للحسابات تعمل على تفعيل عملية إصلاح العدالة وتوطيد المنافسة الحرة، من خلال تعزيز المساءلة والشفافية والنزاهة في أوساط الحكومة ومؤسسات القطاع العام، وهو ما ستكون له تأثيرات إيجابية على المشهد التنموي والديمقراطي في المغرب.
وبالنسبة لكرونولوجيا مجال الاستقلالية التي مرت بمحطات أساسية، سلطت العدوي الضوء على التدرج الذي عرفه النموذج المغربي والذي انتقل من لجنة إدارية يرأسها قاض، مرورا بتبني النموذج القضائي للرقابة المالية منذ سنة 1979، وصولا إلى التنصيص الصريح لدستور سنة 2011 على استقلالية المجلس الأعلى للحسابات والتنزيل القانوني لذلك الذي يقدم ضمانات للقضاة الماليين من خلال تعيينهم من طرف جلالة الملك مع عدم القابلية للعزل والتحصين المهني والمالي والحماية عند ممارسة مهامهم.
وعين الملك محمد السادس، قبل عامين، زينب العدوي في منصب الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، وأعطى توجيهات تعكس الحرص على قيام هذه المؤسسة بمهامها الدستورية، لاسيما ممارسة المراقبة العليا على المالية العمومية، وفي مجال تدعيم وحماية مبادئ وقيم الحكامة الجيدة والشفافية والمحاسبة.
وشدد العاهل المغربي في العديد من الخطابات الرسمية على ضرورة تعزيز النزاهة وأخلقة الحياة العامة ومحاربة الفساد، مما دفع بالحكومة المغربية إلى تفعيل هذه التوجيهات وجعلها خيارا إستراتيجيا لا محيد عنه، وإحدى الأولويات التشريعية من أجل إرساء النزاهة ومكافحة كل مظاهر الفساد في الحياة العامة.
ويعد مبدأ الاستقلالية واحدا من أكبر التحديات التي تواجهها أجهزة الرقابة على المالية العامة، وتشكل منطلقا لتعزيز مكانة الأجهزة المذكورة في مشهدها المؤسسي، وأكد رشيد لزرق، أن التقرير الذي أفرج عنه المجلس الأعلى للحسابات، والخاص بمالية الأحزاب والطريق التي يسلكها الدعم الذي تتحصل عليه هذه الأحزاب من الدولة؛ يصب في خانة تعزيز تلك الاستقلالية من أي تدخلات في محاربة كل اوجه الفساد.
وفي سياق الاستقلالية التي يدافع عنها المجلس الأعلى للحسابات باستمرار، تعرض إلى انتقادات من الأحزاب السياسية التي وجدت نفسها متضررة من تقاريره بشأن فحص الحسابات الخاصة بهذه الهيئات، منها حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (معارض)، بعدما كشفت نتائج فحص قام به المجلس لصرف الدعم العمومي المتعلق بالدراسات، عن صرف المئات من الملايين التي منحت لهذا الحزب، في دراسات مثيرة للشكوك، آلت إلى مكتب خبرة غامض في ملكية ابن الكاتب الأول للحزب، وعضوين آخرين في قيادته.
ووجهت الجمعية المغربية لحماية المال العام، شكاية ضد مجهول، إلى رئيس النيابة العامة بالرباط، تطلب فيها بفتح بحث قضائي معمق حول تبديد واختلاس أموال عمومية والتزوير من طرف بعض مسؤولي الأحزاب السياسية، بناء على تقرير رسمي صادر عن المجلس الأعلى للحسابات المتعلق بتدقيق الحسابات المالية الخاص بالدعم الممنوح لها برسم السنة المالية 2022 والمؤرخ في دجنبر 2023.
وأوضح محمد الغلوسي رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، في تصريح لـ”العرب”، أن تقارير مؤسسة دستورية كالمجلس الأعلى للحسابات، لابد أن تشكل آلية قانونية ومؤسساتية لمكافحة الفساد وربط المسؤولية بالمحاسبة وتخليق الحياة العامة وتعزيز حكم القانون إلا أن هذه الأهداف لا تزال بعيدة المنال.
وشدد الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات على ضرورة تبني مقاربات جديدة استباقية وأكثر فاعلية في التعامل مع مسألة الاستقلالية واتخاذ المبادرات الضرورية في الوقت المناسب، مشيرة إلى أن مسار تعزيز الاستقلالية يظل رهينا بتبني مقاربات متكاملة وفعالة، من بينها على الخصوص، الانخراط الفاعل للأجهزة العليا للرقابة في بناء فهم مشترك لمفهوم الاستقلالية يضمن تمثلا موحدا له لدى جميع أصحاب المصلحة ويدعم وجاهة مؤشرات ومصفوفات تقييم الاستقلالية.
وفيما يتعلق باختصاص المجلس الأعلى للحسابات فيما يخص التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية، أشار محمد أباية رئيس فرع بغرفة الاستئناف بنفس المجلس، إلى مجموعة من المخالفة الموجبة لإثارة المسؤولية الشخصية في هذا الصدد والمنصوص عليها في المادة 54 من مدونة المحاكم المالية، على غرار مخالفة قواعد الالتزام بالنفقات العمومية وتصفيتها والأمر بصرفها ومخالفة النصوص التشريعية والتنظيمية الخاصة بتدبير شؤون الموظفين والأعوان أو عدم احترام النصوص التنظيمية المتعلقة بالصفقات العمومية.