المغرب أمام حتمية تغيير نموذج سوق الكتب المدرسية

تعطي ضغوط مجلس المنافسة المغربي للإسراع في إصلاح سوق الكتب المدرسية مؤشرا جديدا على أن الحكومة أمام حتمية القيام بمراجعة جذرية لهذا القطاع وإعادة التقييم والبحث عن حلول واقعية لتحسينه وجعله بعيدا عن فخاخ الاحتكار والمضاربة.
الرباط – تواجه الحكومة المغربية ضغوطا متزايدة من مجتمع الخبراء لتغيير طريقة نشاط طباعة وتسويق الكتب المدرسية الذي تشوبه عمليات استغلال وتلاعب تضر بالمنافسة من جهة، وتثقل كاهل الأسر بمصروفات إضافية من جهة أخرى.
وأوصى مجلس المنافسة بعد عملية تشخيص طويلة بضرورة إجراء مراجعة جذرية للنموذج التجاري، الذي تقوم عليه هذه السوق من خلال إدماجها كعنصر محوري في السياسات العامة لإصلاح قطاع التعليم.
ويرى خبراء المجلس أن الوضع القائم يأتي بنتائج عكسية، حيث إن السوق تعرف إنتاجا ضخما من الكتب المدرسية، وهو ما يؤدي إلى إهدار هائل للموارد التي يتم استخدامها عادة مرة واحد في السنة.
ودخل المجلس على خط المضاربة والاحتكار، الذي تشهده هذه السوق، مبرزا أن انغلاقها وتركيز دور النشر بشكل كبير على مدن معينة خاصة الدار البيضاء والرباط، يفضي إلى إفراز وضعيات ريع حقيقية اكتسبها نفس الناشرين المعتمدين منذ عقدين.
وأفاد في تقرير نشره قبل أيام بأن الكتاب المدرسي أصبح يشكل المصدر الأول للدخل للناشرين وأصحاب المكتبات، إذ يحقق حوالي 400 مليون درهم (38.6 مليون دولار) أي نصف رقم المعاملات الإجمالي لسوق النشر.
وهذا النموذج الاقتصادي الذي تقوم عليه هذه الصناعة “لا يتماشى مطلقا مع الواقع الاقتصادي للسوق”، لهذا أوصى المجلس بفرض مراجعة معمقة للأدوار والمهام المنوطة بالوزارة المكلفة بالتربية ذات الصلة بالكتاب المدرسي.
ومن الخلاصات الرئيسية التي جاءت في رأي مجلس المنافسة التأثير السلبي للإنتاج الضخم من الكتب المدرسية على الموارد وعلى الطاقة، حيث يتم إنتاج ما بين 25 و30 مليون نسخة كل عام.
والرقم المذكور، وفق المعطيات التي قدمها مجلس المنافسة، يعني أن معدل الاستهلاك من الكتب لكل طالب يصل في المتوسط إلى 3 أو 4 كتب في السنة، معتبرا أن هذا الوضع يتسبب في “إهدار هائل للموارد والمواد والطاقة لبلادنا”.
ورغم أن المغرب سجل خطوات متقدمة في المجال الرقمي، فإن وضع القطاع لا يزال “تقليديا”، حيث إن استخدام الورق ظل طاغيا، دون أن يكون مشمولا بالأدوات المساعدة على غرار الأقراص المضغوطة وأجهزة الكمبيوتر المكتبية واللوحية وغيرها.
كما لا توجد كراسات مدرسية في السوق مجهزة بدعامة رقمية تكميلية، خلافا لبلدان أخرى حيث يتم إرفاق مجموعة من الوسائط الإلكترونية بها.
ولم يتمكن ممثلو وزارة التربية، حسب مجلس المنافسة، من الإدلاء بأي وثائق تبرر “العروض المالية الأقل سعرا”، المقبولة من دور النشر الحائزة على الصفقات، رغم رسائل التذكير المتعددة التي وُجهت إليهم في هذا الشأن.
ومن بين المعطيات المقلقة التي تم الكشف عنها أن هذا الإنتاج الضخم للكتاب المدرسي يتم على حساب جودته، حيث نقل المجلس عن المهنيين الذين استمع إليهم إقرارهم بأن “وزن الورق يتم تقليصه، مع ملء زائد للصفحات”.
ويعاني القطاع من هيمنة واضحة لمجموعة صغيرة من الفاعلين في قطاع النشر منذ أكثر من عشرين سنة، ذلك أن خمس مجموعات للناشرين فقط تتحكم في 63 في المئة من هذه السوق، مع تركيز جغرافي في محوري الدار البيضاء والرباط.
38.6
مليون دولار دخل دور النشر وأصحاب المكتبات سنويا، أي نصف رقم معاملات السوق
ومع التطور الكمي الذي سجله الكتاب المدرسي، فإن المجلس انتقد ذلك على حساب جودة الشكل والمحتوى. واعتبر أن هذه الممارسة جعلت من الكتاب المدرسي “منتوجا تجاريا بسيطا حيث تفوق اعتبارات تكلفة الإنتاج بكثير الاعتبارات المتعلقة بالمحتوى”.
وأشار كذلك إلى أن حقوق المؤلف التي تكافئ الإنتاج الفكري لمحتوى هذه الكتب لا تتجاوز 8 في المئة من سعر الكتاب المدرسي.
وفي العام الماضي قررت الحكومة، تبعا لاجتماع لجنة الأسعار المشتركة بين الوزارات، منح دعم استثنائي للناشرين في ضوء الزيادة في أسعار المواد الخام التي تفجرت منـذ اندلاع أزمـة كوفيد وتفاقمت مع النزاع في أوكرانيا.
وجاءت الخطوة في ظل إصرار الناشرين على عكس هذه الزيادة على أسعار الكتب المدرسية، التي لم تشهد أي تغيير في البعض منها منذ عقدين.
وقالت سميرة الشاعر، رئيسة الجمعية المغربية للكتبيين بالمغرب، في تصريح صحفي الشهر الماضي إن “الدعم الحكومي خصص فقط للناشرين، بينما الكتاب الخصوصي عرف زيادة بحكم أزمة الورق وارتفاع أسعار المحروقات وتداعيات الجائحة”.
وأوضحت أن المواد الأولية شهدت زيادة شملت المستلزمات المدرسية والمحفظات والدفاتر والأقلام.
ولفتت الشاعر النظر إلى مشكلة أخرى يعاني منها أصحاب المكتبات، تكمن في تغيير العديد من عناوين الكتب خلال كل موسم دراسي وإصدار طبعات جديدة، ما يجعلهم يتكبدون خسائر جراء مخزون الكتب المدرسية المتبقية من العام الماضي.
واعتبر مهنيون أن ارتفاع أسعار الكراسات محلية الصنع يعود إلى وجود نوع من الاحتكار والمضاربة في السوق، واستغلال بعض اللوبيات والوسطاء لبداية الدخول المدرسي لتحقيق أرباح كبيرة.
وأكدوا أن هذا يتسبب تلقائيا في ارتفاع الأسعار في المكتبات ولدى المدارس الخاصة، التي تفرض على أولياء الطلاب شراء أنواع محددة دون غيرها. وكشفت المندوبية السامية للتخطيط المعنية بإجراء الإحصائيات، في مذكرة جديدة مؤخرا أن نفقات التعليم تضاعفت خلال السنوات القليلة الماضية.
ويبلغ معدل الإنفاق السنوي للأسر مع بدء السنة الدراسة 1087 درهما (110 دولارات) للطلاب الذين يباشرون في المدارس الحكومية. أما بالنسبة لمتوسط إنفاق الأسر على أبنائهم الذين يباشرون دراستهم في المدارس الخاصة فيبلغ حولي 7726 درهما (743 دولارا).
وأشارت المندوبية إلى أن الإنفاق السنوي بالنسبة للتعليم الابتدائي يصل إلى 1823 درهما (175 دولارا)، وبالنسبة للتعليم الإعدادي يصل إلى 1994 درهما (192 دولارا)، في حين يبلغ الرقم 4311 درهما (415 دولارا) بالنسبة للتعليم الثانوي.
وأبرز مجلس المنافسة في تقريره أن أسعار الكتب المدرسية تم الإبقاء عليها منخفضة “بشكل مصطنع وعلى حساب جودتها المادية ومحتوياتها”. وقال إن “الجودة الرديئة للورق بوزن مقلص بشكل متزايد تسببت في تحمّل تكاليف طباعة الصفحات ورسوم توضيحية لا ترقى إلى المعايير” المعمول بها.
ولا تفضي رداءة الكتاب المدرسي إلى تحمّل تكاليف مادية فقط، بل تؤثر سلبا على جودة التعليم وعلى علاقة الطلاب بالكتاب. وذكر خبراء مجلس المنافسة أن الكتب المدرسية “أضحت أقل جاذبية بالنسبة للتلاميذ، بل بات بعضهم يشمئز منها، ما يحرمهم بالتالي من التعلم الأساسي الذي يفترض أن توفره هذه الكتب”.