المغربية فاطمة أتوليد تخوض "رحلة إلى ما وراء ذاكرتي"

سخرت المغربية فاطمة أتوليد حياتها للكتابة واختارت أن تتفرغ لنظم الشعر، وآخر ما أصدرته كان ديوان “رحلة إلى ما وراء ذاكرتي” الذي يعتبر استكمالا لجهودها في التعبير بلغة موليير عن جماليات الأدب والشعر ودور الكتابة في تحقيق السلام الداخلي والبوح بمشاعر الإنسان الدفينة.
الرباط - تعيش الكاتبة والشاعرة المغربية فاطمة أتوليد في تنقل دائم بين معارض الكتب واللقاءات الأدبية حتى خارج الوطن، حاملةً معها مجموعة من الكتب وحقيبة مليئة بالملابس ومستلزمات السفر الذي لا ينتهي، بعد أن تركت وظيفتها وما يترتب عليها من التزامات وقيود، حيث بدأت رحلتها في عالم التأليف الأدبي وخاصة الشعر، بهدف أن يصل صوتها إلى العالم أجمع وليس فقط إلى أبناء جلدتها.
أتوليد تختار الكتابة بلغة موليير (الفرنسية) دون أن تبتعد عن لغة الضاد التي تظل حبيبة إلى قلبها، وتستطيع كتابة رسائل ومداخلات بلغة عربية بسيطة وفصيحة، وهي أديبة وشاعرة وأستاذة متقاعدة تستلهم من قاموس الأدب الفرنسي لتقدم لجمهورها المغربي والعربي نصوصا أدبية وشعرية تعبر عن مشاعرها وجمالها وحبها وعن مشاعر السلام.
ويبرهن ديوانها “سفر إلى ما وراء قلبي” على عمق إبداعها، بينما ديوانها الآخر الذي يعد استكمالا له “سفر إلى ما وراء ذاكرتي” فيعكس تأملاتها واستكشافاتها الذاتية، إذ لم تقتصر أعمالها على الشعر فقط بل أبدعت أيضا في الكتابة النثرية في ديوانها “ارتياح”، الذي يعد امتدادا لديوانها السابق، ويعبر عن استراحة مؤقتة قبل استئناف رحلتها الأدبية.
تقف الشاعرة المغربية بفخر أمام الأدب الفرنسي، مبدية تحديها واعتزازها بجذورها الأمازيغية، المغربية والعربية، وتشير إلى أن ثقافتها وتاريخها يشملان شخصيات بارزة مثل فاطمة الفهرية وزهرة أغمات وثريا الشاوي، وتجسد إرثها الثقافي والإبداعي في أعمالها الأدبية.
في ديوانها “سفر إلى ما وراء قلبي”، تروي أتوليد تجربتها الأدبية التي تشمل الشعر والنثر. وتعبر عن رؤيتها قائلة إن كتاباتها في هذين النوعين تعكس جوهرا أدبيا واحدا، ويأتي ذلك من فكرة واحدة تتجسد عبر الكلمات التي تخرج من القلب وتعكس الحياة، كما بدأت مسيرتها التعليمية في إيموزار كندر، ثم انتقلت إلى فاس لمتابعة دراستها، قبل أن تنتقل إلى الرباط للعمل كمدرّسة، حيث قضت سنوات طويلة في التعليم حتى تقاعدت، ثم بعد التقاعد، اتجهت نحو التأليف الأدبي والشعري مكرسة جهدها لنشر الحب والأمل والسلام.
وتؤكد الشاعرة على أهمية القراءة والمطالعة، داعية الشباب إلى التمسك بالكتاب كرفيق دائم وصديق أمين، كما تخطط لإصدار سيرة ذاتية قد تحمل عنوان “ابنة الأطلس”، حيث تسجل فيها نجاحاتها وإخفاقاتها، أفراحها وأحزانها، وتجاربها مع الحياة، مع محاولة الإجابة عن سؤالها الشخصي حول أي جانب من شخصيتها أقرب إلى قلبها: المعلمة والمربية أم الأديبة والشاعرة.
وتم عرض كتاب “ارتياح” للكاتبة والشاعرة المغربية فاطمة أتوليد ضمن الدورة الـ29 للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط، كما يعرف الديوان حاليا حضورا في مكتبات سويسرا، إلى جانب العديد من الإصدارات الأدبية من دول مختلفة حول العالم، وهو كتاب عن يوميات نثرية تُشكّل استكمالا لمشروع أدبي قبله تحت عنوان “رحلة إلى ما وراء قلبي”.
أما في ديوانها الشعري “رحلة إلى ما وراء ذاكرتي”، فتقول فاطمة أتوليد لـ”العرب” إنها سعت إلى نقل رسائل رئيسية تتعلق بقوة الحب وقدرته على كسر الحواجز وضرورة أن يكون الشعر وسيلة لتوحيد الأرواح دون أن يثقلها، إذ تؤمن أن قصائدها تستطيع أن تُضيء درب شخص على الجانب الآخر من العالم، مشيرة إلى أن الشعر لديه القدرة على ربط النفوس بأعماقها وبأرضية مشتركة رغم المسافات.
تأثرت تجربتها الشعرية بشكل كبير بالأحداث والتجارب الشخصية التي عاشتها وكل ما مرّت به من صعوبات وتجارب، لذلك غمرتها الرغبة في الكتابة لتكون وسيلتها لتحرير قلمها من الاضطرابات التي تحيط به، ولتشارك تجربة الأمل مع قرائها حيث أصبحت الكتابة بالنسبة إليها ملاذا تعبر من خلاله عن أعمق مشاعرها وتجاربها.
وفي ما يتعلق بمصادر إلهامها، فإن الشاعرة تجدها في لحظات التأمل العميقة والأحداث التي تعيشها، حيث تحفر في أعماق روحها وذاكرتها، إذ تعتبر أن الألم والفرح هما المصدران الأساسيان للإلهام بالنسبة لها، وأنه من خلال التعبيرات الشعرية تستطيع أن تروي معاناة الإنسان وفرحه بشكل عميق وممتع.
وتتجسد الطبيعة في قصائد أتوليد كرمز يعكس مشاعرها وأفكارها، فهي تروي قصصا عن جمال الطبيعة رغم قسوتها، وتعبر عن أهمية الاستماع إلى الصمت وتقدير الجمال والحب، رغم التحديات التي قد تواجهها. والطبيعة بالنسبة إليها، هي مصدر لجمال متكامل يرتبط بالعواطف ويعزز من قدراتها على الكتابة.
وأثناء فترة اعتزالها، دفعتها لحظات الهدوء والتأمل إلى كتابة نصوصها، حيث بدأت الكتابة باعتبارها فرصة مثالية للتفرغ لفعل الكتابة، وكان لديها الوقت الكافي بعد انتهاء مهامها، وقد أتاح لها ذلك التعمق في مجرى الحياة الأدبية وفتح أبواب جديدة للتعبير.
وعن تأملاتها في الكون وفي ذاتها خلال فترة اعتزالها، تقول الشاعرة لـ”العرب” إن هذه التأملات أثرت على نمط حياتها ورؤيتها للعالم، ومن خلال التأمل تمكنت من تحقيق توازن عاطفي وتقليل الضغط الذي شعرت به، واستمتعت بلحظات جميلة ساعدتها في تجنب الملل وتعزيز السعادة.
أما عن كيفية تأثير الأحداث الشخصية على نصوصها، فتوضح الكاتبة أن السفر واستكشاف أماكن جديدة كشف لها جمال العالم وأيضا قسوة الإنسان تجاه الطبيعة. وكانت الكتابة بالنسبة إليها وسيلة لمشاركة هذه التجارب مع قرائها.
وتضيف “الكتابة كما ترى تلعب دورا كبيرا في تحقيق الراحة وتخفيف الأعباء”، فهي تعتبرها علاجا يساعدها في تحويل المآسي إلى كلمات، مما يريح قلبها ويعزز من شعورها بالسلام الداخلي، إذ تعتقد الشاعرة أن الكتابة تمنح الأفراد القدرة على التعبير عن أنفسهم ومشاعرهم مما يساعدهم في التعامل مع التزامات الحياة.
عندما عادت إلى قريتها الأم، شعرت بالراحة والطمأنينة، حيث كانت العودة تعني استرجاع الذكريات الجميلة والتواصل مع الطبيعة التي أصبحت جزءًا من حياتها، وهذا التواصل مع الطبيعة منحها الحرية في كتابة حياة بلا حدود، رغم التغييرات التي طرأت على قريتها.