المعرض السوري الدولي للكاريكاتير يحتفي بشيخ الروائيين السوريين حنا مينة

لفن الكاريكاتير حضور خاص في المشهد الفني في العالم، ويحمل خصوصية تجعله فنا محببا لدى قطاعات كبرى من المتابعين. في سوريا يحمل الناس لهذا الفن الكثير من التقدير، وهم شغوفون به لما يقدمه من ترجمة لواقع حياتي ثقيل يعيشونه. معرض سوريا الدولي للكاريكاتير صار علامة فارقة في المشهد الفني السوري يقدم في كل عام. ويحمل الجديد والمدهش. “العرب” حضرت الحدث وحاورت البعض من القائمين عليه.
تعانق فن الرواية مع الكاريكاتير ليقدما معا نسيجا إبداعيا مختلفا قدم في حفل ختام أعمال الدورة التاسعة عشرة من المعرض السوري الدولي للكاريكاتير الذي أقيم يوم الرابع عشر من مايو الجاري في دار الأسد للثقافة والفنون بدمشق وحمل اسم الروائي السوري الراحل حنا مينة، وقد شاركت في فعالياته مئة لوحة من سبعين بلدا، بينما تألفت لجنة تحكيم الدورة التاسعة عشرة من التشكيليين موفق مخول وبشرى الحكيم وحسن إسماعيل والناقد المسرحي جوان جان ومدير المهرجان فنان الكاريكاتير رائد خليل.
كرم المهرجان في دورته الجديدة عددا من الوجوه الفنية الفاعلة في الحياة السورية. كما عرض فيلما قصيرا عن شخصية حنا مينة وفيلم رسوم متحركة بعنوان حياكة.
شخصيات وآفاق
كان الإبداع الأوروبي صاحب الكلمة الفصل في هذه الدورة من المهرجان حيث تحصل على جوائزه الثلاث. فكانت الجائزة الأولى من نصيب كرواتيا لموجيمري ميهاتوف والجائزة الثانية لداركو دريلجيفيتش من الجبل الأسود أما الثالثة فكانت لبيير لوستامينا من رومانيا.
وحضرت في المعرض حالات فنية عديدة تنوعت ضمن تشكيلات فنية مختلفة، منها بورتريه خاص بالكاتب حنا مينة وشخصيات فنية عالمية مثل أجاثا كريستي ونجيب محفوظ، كما حضرت فكرة اللسان والحذاء والهدية ومفهموم انتهت اللعبة. قدم الفنانون من خلال اللوحات عوالم تعنى بهمّ الإنسان المقهور وهو يدافع عن إنسانيته في ظل تغول سلوكيات بشرية على الناس البسطاء وتحوليهم إلى أدوات وأشياء.
حضرت شخصية الأديب السوري حنا مينة كعنوان عريض للدورة الحالية للمعرض، احتفاء بقامة أدبية كبرى في سوريا والعالم العربي، عن ذلك يقول مؤسس المعرض ومديره رائد خليل لـ”العرب”، “بغض النظر عن الانتماء الفكري وتشعباته، نحاول دائما تسليط الضوء على روح القضية وجوهرها، فالراحل شيخ الروائيين السوريين حنا مينة يعد ظاهرة تستحق القراءة، وترجمة الموضوعات التي عاشها وتعايشنا معها”.
ويضيف “نحن نتناول قصة رجل بصم ورحل. وترك آثاره لجيل يؤمن بروحية الأدب وفضاءاته. ولهذا، أقول إن الواجب الأخلاقي يحتم علينا أن نعمم هذه الشخصيات على جغرافية هذا العالم، وبذلك نحقق أهدافنا البعيدة في التلاقح الثقافي والتعريف بالرموز والأيقونات الفنية والأدبية والثقافية في بلدنا”.
ويتابع خليل لـ”العرب” متحدثا عن آفاق مشروعه في المعرض الدولي للكاريكاتير الذي صار حدثا فنيا ثقافيا حاضرا بقوة في المشهد الثقافي السوري، فيقول “الحديث عن الآفاق كالسير على الشاطئ. والولوج إلى لجة البحر يحتاج إلى التأمل والتعرف والفهم. هذا يعني أن حالات الحلم التي نعيشها مع كل معرض سنوي هي أجمل من الغوص وهذه حالة شعرية. ولكن سأحاول أن أبني مستقبلا لهذا الحصاد السنوي والتركيز سيكون على إقامة متحف متفرد، ومسألة البناء لا تأتي من فراغ”.
ويضيف “لايمكن لمعرض أن يكون كامل البناء. الموضوع يحتاج أيضا إلى تجذير وعي بثقافة هذا الفن وكسر كل الجدران بينه وبين المتلقي كما يحصل عادة في المسرح”.
يراهن رائد خليل فنان الكاريكاتير على أن روح الجمال ستكون موجودة من خلال المعرض وتكريس التجربة وتجاوز العوائق. ويتابع “المهرجان قدم في دوراته السابقة مئات الرسامين من العالم، وهذا يعد إنجازا غير مسبوق في عالمنا العربي وليس في سوريا فقط. ومن هنا، يمكن الحديث عن التأثير وعن الروافد والعوائد وخلق نوع من المعايشة الجمالية وتكريس مفهوم الإعجاب والحب معا. أتطلع دائما إلى تقديم الأفضل واقتحام ميادين عديدة تساهم في بلورة صورة حقيقية عن الفن. من صرخات متعاقبة تجاري الزمن وتعيد ألق اللون”.
المسرح والموسيقى
ليس غريبا أن تتآلف الفنون لتقديم حالة إبداعية متكاملة، تتداخل فيها معالم الفنون وتتلاشى الحدود والفوارق. في هذه الدورة حضرت في لجنة التحكيم شخصية نقدية مسرحية سورية معروفة هي جوان جان. الذي يقول لـ”العرب” عن التجربة “فن الكاريكاتير بالنسبة إلى المسرح هو الفن البعيد القريب. هو موجود بصيغة أو بأخرى ربما بشكل الكوميديا الباكية أو السوداء، الكاريكاتير هو فن الاختزال، فهو يقدم بلقطة واحدة مقولة عمل مسرحي متكامل. كانت تجربة متميزة وجديدة لي”.
ويضيف “فن الكاريكاتير متراجع إلى حد ما في المشهد الفني الصحفي السوري بسبب غياب الصحافة الورقية التي كانت تعتمد عليه في الإصدار. وكان الكاريكاتير ينشر كمادة يومية فيها. هذه المسابقة والمعرض كفيلان بأن يعيدا لهذا الفن الجميل البعض من ألقه ولو لفترة محددة، وأتمنى أن تمتد هذه الفعاليات لأكبر قدر ممكن على مدى العام حيث تنتقل من مكان إلى آخر”.
ويتابع جان عن أمله بهذا الفن “لدينا فنانون كثر في هذا المجال، وهناك عدة أنواع منه، أحدها يعتمد على الحواريات وهو موجود بوضوح في المشهد المصري. في سوريا يعتمدون على الكاريكاتير المكون من لقطة واحدة في الصورة، وهو الشكل الذي يحمل قدرة أكبر ويحمل إبداعا أعلى للفنان لأنه يثبت قدرته على إيصال فكرة بأقل زمن متاح وبشكل مكثف أكثر”.
وكانت الموسيقى حاضرة في الحفل، حيث قدمت فرقة الموسيقى الشرقية بقيادة المايسترو نزيه أسعد مجموعة من المقطوعات التي تمثل بانوراما شملت موسيقى بعض أعمال حنا مينة في الدراما التلفزيونية السورية وكذلك عددا من الأعمال المتعلقة بالبحر.
كانت البداية من الأغنية التي قدمت في مسلسل “نهاية رجل شجاع” وهو عمل درامي شهير قدم في عام 1993 مأخوذ عن رواية حنا مينة التي تحمل ذات الاسم، كتبه للدراما حسن م.يوسف وأخرجه نجدة إسماعيل آنزور. وتعد من أشهر ما قدمته الدراما السورية في التترات، لحنها طارق الناصر وغنتها فرقة رام الأردنية بغناء منفرد من نبيل فهمي. وكان تقديمها في بداية الحفل الفني دافعا لحضور حالة حنين لأجواء مسلسل وكاتب يشكلان حالة متفردة في الإبداع السوري.
وقدمت الفرقة بعض الأعمال من غنائيات حنا مينة والبحر وكان الختام ببعض الغناء التراثي. يقول المايسترو نزيه أسعد في ذلك “نحن في حضرة فن الرواية العربية وتحديدا البحري منها وحنا مينة أشهر من كتب في البحر، قدمنا بعض أشهر الأعمال التي قدمت في الدراما السورية والمأخوذة عن أعماله، ثم قدمنا مقطوعات خاصة بالبحر وهي من التراث الغنائي السوري المعروف. حاولنا من خلالها ومن خلال التوزيع الموسيقي الجديد تقديم رؤية موسيقية متفاعلة مع حالة التطور، فقدمت الثيمات الغنائية التراثية بحالتها الطبيعية إنما بتوزيع موسيقي مختلف”.