المعدن البارد دبت فيه الحياة

المعدن البارد واللدائن الباردة دبت بها الحياة، كل ذلك بمساعدة تشات جي.بي.تي، وغيره من روبوتات الدردشة، التي أصبحت ممكنة بفضل خوارزميات الذكاء الاصطناعي.
الجمعة 2024/09/27
الآلة في عصر الذكاء الاصطناعي: تسمع، ترى وتتعلم

أنت في عجلة، لديك اجتماع تخشى أن تتأخر بالوصل إليه، ما عليك سوى أن تخاطب سيارتك المركونة إلى جانب الرصيف تخبرها بذلك. سترد عليك بتهذيب “سأتصرف وأجد حلا مناسبا”. وتقترح عليك طريقا مختصرا تتجنب فيه مواجهة الازدحام.

لا أذكر بالضبط عدد أفلام الخيال العلمي التي شاهدتها وأسرتني بقدرة السيارة على التحدث مع بطل الفيلم، ورغم خيال الطفولة لم أعتقد يوما أن هذا سيتحقق ويصبح جزءا من الواقع اليومي.

هذا ما حدث؛ السيارة في عصر الذكاء الاصطناعي لم تعد معدنا باردا، إنها كائن يرى ويسمع ويتكلم.

◄ هل بتنا على مقربة من اليوم الذي نصحوا فيه لنجد حياتنا كلها مسيطرا عليها من قبل نماذج لغوية كبيرة، سواء كان ذلك داخل المنزل أو على الطرقات أو في أماكن العمل

هذا ليس كل شيء. تدخل إلى منزلك بعد أن يقوم الباب بالتحقق من وجهك أو صوتك.. ما إن تلج إلى الداخل حتى تنادي ليس على زوجتك أو زوجك، بل على جهاز التلفزيون تطلب منه أن يعرض لك آخر الأخبار المتعلقة بسعر البورصة في لندن، أو أن يسمعك موسيقى جاز هادئة.

بمجرد أن تأخذ مكانك في المقعد الوثير تتوجه بكلامك إلى الثلاجة تسألها ماذا لدينا من مواد لتحضير بعض الطعام. ستعرض عليك الثلاجة قائمة من المواد الأولية وتقترح عليك إعداد صنف معين من الطعام. لن تضطر إلى مغادرة جلستك الدافئة، ستخاطب هذه المرة “برنس”، وهو ليس كما قد يتبادر للذهن كلبك الأليف، بل روبوت أطلقت عليه هذا الاسم، وتطلب منه إعداد الطعام، وأن يأتيك بكأس من الشراب إلى حين إعداده.

المعدن البارد واللدائن الباردة دبت بها الحياة، كل ذلك بمساعدة تشات جي.بي.تي، وغيره من روبوتات الدردشة، التي أصبحت ممكنة بفضل خوارزميات الذكاء الاصطناعي المعروفة بالنماذج اللغوية الكبيرة.

وفق دراسة عرضت مؤخرا (25 سبتمبر – أيلول) في المؤتمر الدولي السابع والعشرين لأنظمة النقل الذكية IEEE، قد تكون من بين أولى الدراسات التي اختبر القائمون عليها مدى قدرة مركبة ذاتية القيادة حقيقية على استخدام النماذج اللغوية الكبيرة لتفسير الأوامر من الراكب والقيادة وفقا لذلك، يعتقد زيران وانغ، الأستاذ المساعد في كلية الهندسة المدنية والبناء في جامعة بوردو الذي قاد الدراسة، أنه لكي تكون السيارات ذاتية القيادة بالكامل، ستحتاج إلى فهم كل ما يأمر به الركاب، حتى عندما يكون الأمر ضمنيا. مثال على ذلك، يكفي أن تقول إنك في عجلة من أمرك دون الحاجة إلى تحديد الطريق الذي يجب أن تسلكه لتجنب الزحام.

على الرغم من أن المركبات ذاتية القيادة الحالية تأتي بميزات تتيح لك التواصل معها، إلا أنها تحتاج منك أن تكون أكثر وضوحا مما هو ضروري عند التحدث إلى إنسان.

بوكس

على النقيض من ذلك، يمكن للنماذج اللغوية الكبيرة تفسير وإعطاء ردود بطريقة أكثر إنسانية لأنها مدربة على استخلاص العلاقات من كميات هائلة من بيانات النص وتستمر في التعلم بمرور الوقت.

الأنظمة التقليدية سواء في السيارات أو في الأجهزة التي نستخدمها داخل منازلنا مزودة إما بواجهة مستخدم أو روموت كونترول لإصدار الأوامر والتحكم بالجهاز من خلال الضغط على الأزرار لتوضيح ما نريده. وبينما يتطلب نظام التعرف على الصوت أن تكون واضحا جدا عند التحدث حتى تتمكن مركبتك من فهمك، تستطيع النماذج اللغوية الكبيرة أن تفهم حديثك بشكل طبيعي حتى لو صدر الأمر بطبقة صوتية خافتة.

في الدراسة التي أتحدث عنها، لم تقم النماذج اللغوية الكبيرة بقيادة السيارة، وإنما اقتصر دورها على المساعدة في القيادة باستخدام ميزاتها الحالية. وجد وانغ من خلال توظيف هذه النماذج اللغوية أن السيارة يمكنها ليس فقط فهم راكبها بشكل أفضل، ولكن أيضا التحكم بالقيادة لتلائم الحالة النفسية للراكب واحتياجاته.

قد تفهم الأنظمة التقليدية أمرا صوتيا يقول “أرجو القيادة بسرعة أكبر” أو “خفف السرعة رجاء”، وتتجاوب مع الأمر دون أن تخترق السرعة القصوى المسموح بها. ولكن مثل هذه الأنظمة لن تتجاوب مع أمر غير مباشر، مثل أن تقول “أشعر ببعض الدوار أنا مجهد الآن”.

تتجاوب الأنظمة الذكية التي تعمل بالنماذج اللغوية الكبيرة، مع الأوامر غير المباشرة تماما مثل الإنسان. ومثل الإنسان أيضا، تراعي هذه الأنظمة المعايير التي يجب اتباعها وتلتزم بقواعد المرور وظروف الطريق، والطقس، والمعلومات الأخرى التي تكتشفها مستشعرات المركبة، مثل الكاميرات وأجهزة الكشف عن الضوء وتأخذ كل ذلك في الاعتبار.

والأهم من ذلك وجد الباحثون أن المركبة ذاتية القيادة في هذه الدراسة تفوقت على جميع القيم الأساسية، حتى عند الاستجابة لأوامر لم تتعلمها بعد.

وبالطبع لم تقتصر التجارب على تشات جي.بي.تي، بل قام الباحثون بتقييم روبوتات الدردشة العامة والخاصة الأخرى المستندة إلى النماذج اللغوية الكبيرة، مثل جيمني من غوغل وسلسلة لاما من ميتا حتى الآن، ورأوا أن تشات جي.بي.تي يقدم أفضل أداء على مؤشرات الرحلة الآمنة والفعالة.

◄ على الرغم من أن المركبات ذاتية القيادة الحالية تأتي بميزات تتيح لك التواصل معها، إلا أنها تحتاج منك أن تكون أكثر وضوحا مما هو ضروري عند التحدث إلى إنسان.

الخطوة التالية هي معرفة ما إذا كان من الممكن أن تتحدث النماذج اللغوية الكبيرة المثبتة سواء بالمركبات ذاتية القيادة أو في الأجهزة مع بعضها البعض، مثل مساعدة المركبات ذاتية القيادة في تحديد أيها يجب أن يذهب أولا عند تقاطع رباعي في الطريق. لحل هذه المعضلة يقوم المطورون بتدريبها على نماذج تشبه النماذج اللغوية الكبيرة ولكنها تعتمد الصور بدلا من النصوص.

مثل كل تكنولوجيا حديثة هناك عقبات، منها سرعة الاستجابة. في الدراسة السابقة بلغ متوسط الوقت الذي استغرقته النماذج اللغوية الكبيرة لمعالجة أمر الراكب 1.6 ثانية، وهو وقت يعتبر مقبولا في السيناريوهات غير الحرجة من حيث الوقت، ولكن يجب تحسينه في الحالات التي تحتاج فيها المركبة ذاتية القيادة إلى الاستجابة بشكل أسرع.

ما يخشاه الباحثون أكثر أن النماذج اللغوية الكبيرة مثل تشات جي.بي.تي عرضة لـ”الهلوسة”، التي تظل مشكلة تجب معالجتها قبل أن يفكر المطورون في تعميم النماذج اللغوية الكبيرة في المركبات ذاتية القيادة أو في أي جهاز صناعي ومنزلي آخر.

هل بتنا على مقربة من اليوم الذي نصحوا فيه لنجد حياتنا كلها مسيطرا عليها من قبل نماذج لغوية كبيرة، سواء كان ذلك داخل المنزل أو على الطرقات أو في أماكن العمل.

لا شك أن هذا اليوم اقترب أكثر مما يظن معظمنا، والهلوسة وسرعة الاستجابة للأوامر لن تشكلا حينها عقبة. التحدي يختزله سؤال بسيط من أربع كلمات: كيف ستكون حياتنا عندها؟

12