المعارضة المصرية مشتتة بين المشاركة في الانتخابات الرئاسية ومقاطعتها

القاهرة- قرر التيار الليبرالي الحر في مصر، ويضم أربعة أحزاب وشخصيات عامة معارضة، مقاطعة الانتخابات الرئاسية المقبلة، وتعليق جميع مشاركاته السياسية مؤقتًا احتجاجًا على حكم بالحبس صدر بحق رئيس مجلس أمنائه هشام قاسم، في خطوة تمضي على طريق تسخين سياسي تضاربت فيه مواقف المعارضة.
وأصدرت المحكمة الاقتصادية في مصر حكمها السبت على هشام قاسم بالحبس ستة أشهر، وغرامة 20 ألف جنيه (حوالي 520 دولارا) في القضية المرفوعة ضده من القيادي العمالي بالحركة المدنية المعارضة كمال أبوعيطة بتهمة السب والقذف، واعتبر التيار الحر الحكم استهدافا للقاسم الذي اعتزم الترشح لانتخابات الرئاسة المقبلة.
وقال التيار، الذي تأسس منذ حوالي أربعة أشهر وانسلخ عمليا عن جسم الحركة المدنية التي تضم في عضويتها 12 حزبًا وشخصيات عدة، إن الأجواء السياسية لن تسمح بحرية ونزاهة وعدالة الانتخابات، مؤكدا على أن المقاطعة غير ملزمة لأعضائه.
وأفرغت تفاصيل قرار التيار الليبرالي موقفه المقاطع للانتخابات من مضمونه السياسي، لأنه يتشكل من مجموعة أحزاب إذا شارك أحدها أو بعضها في الانتخابات تتراجع أهمية قرار المقاطعة، خاصة وأن عددا من رؤساء الأحزاب الذين ينتمون إليه يدرسون خوض غمار المنافسة بجدية، ما يضع المعارضة في موقف حرج.
وجاء قرار التيار الحر بعد جدل آخر أثاره المتحدث باسمه عماد جاد بسبب اقتراحه قبل أيام أن يكون الرئيس القادم عسكريا، يأتي بعده رئيس مدني، ورشّح اسم الفريق محمود حجازي رئيس أركان الجيش سابقًا وصهر الرئيس المصري الحالي عبدالفتاح السيسي، ليخوض السباق الانتخابي المقبل.
ونفى التيار الحر علاقته بما جاء على لسان متحدثه الرسمي، والذي نشره على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، لافتا إلى أن ما قاله عماد جاد رأيه الشخصي، ولا يوجد توافق داخل التيار على هذا الطرح.
وأشار النفي إلى غياب الحد الأدنى من الحس السياسي لدى المشاركين في التيار، وعبّر عن انفصام بين التيار وأعضائه بالدرجة التي دفعت المتحدث الرسمي إلى اتخاذ موقف شخصي، وهو يتواجد على رأس تيار سياسي ويتحدث باسمه.
وقالت رئيسة حزب الدستور، وهو أحد أحزاب التيار الليبرالي، جميلة إسماعيل إن قرارات التيار ليست ملزمة للأحزاب التي ستحدد موقفها من المشاركة أو مقاطعة الفعاليات السياسية المقبلة وفقًا لما تحدده داخلها، وحزبها سيعلن موقفه النهائي من المشاركة في الانتخابات، وسينظر في أمر ترشحها من عدمه الأربعاء المقبل.
وأضافت إسماعيل في تصريحات لـ”العرب” أن حزبها يناقش جدوى المشاركة والمقاطعة مع دوائر واسعة ومتنوعة داخل الحزب و خارجه، والمستهدف أن تكون المشاركة في الانتخابات دفعة نحو تسييس المجتمع، وفي حال اضطرت إلى المقاطعة فإن ذلك سيكون رفضا للانقضاض على التجربة الديمقراطية.
ولم تفصح إسماعيل عن إمكانية ظهور ما سمي بـ”المرشح المفاجأة” الذي أشار إليه من قبل رئيس حزب التنمية والإصلاح أنور السادات، من عدمه، لكنها قالت إن حزبها سيناقش حزمة اقتراحات، من بينها ترشحيها شخصيا لخوض الانتخابات الرئاسية، أو دعم المرشح الناصري ورئيس حزب تيار الكرامة السابق أحمد الطنطاوي، أو دعم أي من المرشحين من خارج الحركة المدنية والتيار الليبرالي.
وترفض المعارضة المصرية اتهامها بالارتباك وعدم وضوح الرؤية بشأن موقفها من الانتخابات الرئاسية بحجة أن الإجراءات الخاصة بمواعيد الانتخابات وفتح باب الترشح لم تبدأ بعد، في حين كان عليها أن تستعد مبكراً للسباق الانتخابي الذي يحتاج إلى المزيد من الوقت لتعريف المواطنين ببرامج المرشحين وتوجهاتهم، وعدم ربط مواقفها بضمانات انتخابات لن يكون سهلاً التعرف على مدى تطبيقها.
ولدى المعارضة فرصة لتتوحد حول مرشح واحد، فالطنطاوي أعلن نيته خوض انتخابات الرئاسة منذ أشهر، ومعه برنامج انتخابي معالمه واضحة، يمكن النقاش حول ما طرحه من مواقف دون دخول الغموض الراهن الذي قاد إلى انقسام الحركة المدنية إلى أحزاب ناصرية وقريبة من التيار اليساري، وأخرى ليبرالية وقريبة من التيار الليبرالي.
وأوضحت القيادية بحزب التجمع اليساري أمينة النقاش أن حالة التشرذم والارتباك التي تهيمن على المعارضة تبدو طبيعية في ظل وضع حزبي يسوده عدم الالتزام بشكل عام، وتعاني القوى السياسية من ضعف ملحوظ في تشكيلاتها التي تعبر عنها، والبيئة الحاضنة للأحزاب تمنع تماسكها بسبب صعوبة الحركة التي تواجهها.
وذكرت في تصريح لـ”العرب” أنه ليس مستغربًا أن يضم حزب الوفد الليبرالي العديد من الاشتراكيين، والحال نفسه بالنسبة إلى حزب التجمع الذي يضم ليبراليين، وما يحدث داخل أروقة التيارات التي تعبر عن المعارضة مفهوم بدرجة كبيرة لأنها لم تتشكل وفق برامج واضحة وتتوحد على معارضة السلطة، واتجاه بعض الأحزاب الليبرالية الصغيرة لتشكيل تكتل خاص بها لم يكن خياراً سليمًا والأجدى تأسيس حزب قوي.
وشددت على أن اتجاه بعض القيادات داخل المعارضة إلى الزج بأسماء في السباق الرئاسي بلا تنسيق كاف هو أحد أشكال التصعيد المتعمد ضد السلطة، وفي حال كان التعامل مع هذه الأسماء بطريقة خشنة ستكيل الاتهامات للحكومة بالتعدي عليها، وعدم القدرة على الالتفاف حول مرشح يجعلها أكثر رغبة في إلصاق فشلها بجهات رسمية.
ويغيب عن المعارضة توجيه تساؤلين جوهريين، في حال استطاعت الوصول إلى السلطة أو وقفت في طريق الرئيس السيسي، وهما: هل ستتحسن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في البلاد؟ وهل ستتمكن من التعامل مع القدر الهائل من الأزمات المتعددة والتحديات التي تواجهها الدولة المصرية؟
وأكدت الحركة المدنية أن الانتخابات المقبلة فرصة لتغيير سلمي وآمن لرفع المعاناة عن الملايين من المواطنين، وشدّدت على “تمسكها بشكل حاسم بانتخابات تنافسية حقيقية بين عدد من المرشحين الجادين وحيادية كاملة من مؤسسات الدولة” بلا إعلان عن مرشح بعينه يمثلها في انتخابات تجرى قبل نهاية العام الجاري أو بداية العام المقبل، مشيرة إلى سعيها الجاد للتوافق بين كل المرشحين المنتمين إلى أحزاب الحركة المدنية أو إلى التيار الديمقراطي الواسع من خارج الحركة.