المعارضة المصرية تنقلب على الطنطاوي بسبب الإخوان

تلميحات الطنطاوي بالموافقة على عودة جماعة الإخوان للمشهد مرة أخرى جلبت غضبا واسعا على المعارضة المصرية.
الأحد 2023/10/08
السعي لاكتساب أصوات الإخوان

القاهرة - خرجت الحركة المدنية الديمقراطية في مصر، أقوى تكتل معارض في البلاد، عن صمتها وانقلبت على المرشح الرئاسي المحتمل أحمد الطنطاوي رئيس حزب الكرامة السابق، لعدم ممانعته من عودة جماعة الإخوان إلى المشهد السياسي مجددا.

وأعلنت الحركة على لسان الناطق باسمها خالد داوود أن موقف الطنطاوي من الإخوان “مائع ومرفوض سياسيا”، ويفتح الباب لاتهامه بالسعي لمغازلة جمهور الجماعة لدعم حملته ومنحه أصواتهم، إذا نجح في استكمال أوراق الترشح لانتخابات الرئاسة.

وكشفت مصادر سياسية لـ"العرب" أن التصعيد ضد الطنطاوي في هذا التوقيت يرتبط بإصراره على مناكفة النظام المصري باسم الحركة المدنية، ويضغط باسمها في طريق عودة الإخوان إلى المشهد، ما وضع التكتل المعارض في حرج بالغ، ودفعه للتبرؤ من نهجه، لأنه لا يدرك المخاطر السياسية لتوجهاته.

مدحت الزاهد: الحركة ترفض استخدام الإخوان فزاعة لمطاردة أي مرشح لانتخابات الرئاسة
مدحت الزاهد: الحركة ترفض استخدام الإخوان فزاعة لمطاردة أي مرشح لانتخابات الرئاسة

وجلبت تلميحات الطنطاوي بالموافقة على عودة جماعة الإخوان إلى المشهد مرة أخرى غضبا واسعا على المعارضة المصرية إلى درجة بلغت حد اتهام عدد من قياداتها بالعمل لحساب تيارات مناوئة تستهدف ضرب استقرار الدولة، كونها تتمسك بدعم مرشح محتمل للرئاسة لا يمانع فرض الإخوان على الشعب.

وتجدد السخط الحزبي والشعبي ضد الحركة المدنية عقب تصريح المنسق العام لحملة الطنطاوي الرئاسية محمد أبوالديار الذي أكد فيه ترحيبه بالإخوان وعودتها للمشهد، والتصويت لصالح مرشحه، بزعم أنهم جزء من المجتمع ويحق لهم اختيار من يمثلهم.

وتبين لاحقا، أن المنسق العام لحملة الطنطاوي، كان عضوا فاعلا في حملة القيادي الإخواني الذي انفصل عن الجماعة لخوض الانتخابات الرئاسية عام 2012 عبدالمنعم أبوالفتوح، وله موقف مناهض لثورة الثلاثين من يونيو 2013 التي أطاحت بنظام حكم الرئيس الإخواني محمد مرسي، وشن هجوما حادا ضد الثورة، ثم الجيش لقيامه بفض اعتصام ميدان رابعة المسلح بالقوة، في شرق القاهرة.

وأبلغ الطنطاوي أعضاء الحركة المدنية بأنه لا يمانع في التصالح مع الإخوان وعودتهم بشكل قانوني من خلال تأسيس جمعية دعوية بدلا من الانخراط في جماعة سياسية، تخضع تحركاتهم لقوانين تحكم علاقة الدولة بالجمعيات الأهلية قبل أن يعلن أيمن نور السياسي المقرب من الإخوان والمقيم في تركيا أنه التقى الطنطاوي سابقا للحديث حول ترشحه للرئاسة.

وبدا انقلاب الحركة المدنية محاولة لرفع يديها عن الطنطاوي وتوصيل رسالة إلى النظام بأنها بريئة من أيّ تقارب مع الإخوان، وهي الرسالة التي تعطي للسلطة الحق في المزيد من التضييق على تحركاته لمنعه من جمع توكيلات تؤهله ليصبح مرشحا رسميا.

وقال مدحت الزاهد رئيس حزب التحالف الشعبي وعضو الحركة المدنية لـ”العرب”، إن الحركة لها ميثاق واضح يرفض الاستبداد، ولو كان باسم الدين، ورفض التعاون مع من تلطخت أيديهم بالدماء، لكنها “ترفض استخدام الإخوان فزاعة لمطاردة أيّ مرشح لانتخابات الرئاسة، ويجب التفريق بين المواطن العادي والقيادي الإخواني المثبت اتهامه بأحكام قضائية نهائية".

ويواجه الطنطاوي مشكلة مرتبطة بعدم استيفاء أوراق ترشحه لانتخابات الرئاسة، ويحتاج تزكية 20 عضوا من أعضاء مجلس النواب أو يؤيده 25 ألف مواطن ممن لهم حق الانتخاب في 15 محافظة على الأقل، لكنه لا يزال يشتكي من مضايقات تجعله يعجز عن جمع التوكيلات المطلوبة للترشح.

وظهرت الحركة المدنية في نظر أنصار السلطة كأنها تصر على الابتزاز السياسي، لأنها تروّج للتضييق على أعضائها الذين قرروا الترشح للرئاسة، في حين أن فريد زهران رئيس الحزب المصري الديمقراطي، وهو عضو الحركة، نجح في جمع التزكيات البرلمانية لترشحه، وقد تنجح جميلة إسماعيل رئيسة حزب الدستور، وعضوة الحركة أيضا، في استكمال أوراق ترشحها رسميا.

وأكد محمد سامي الرئيس السابق لحزب الكرامة، الذي كان يرأسه الطنطاوي قبل استقالته، أن الحركة ترفض التفاهم مع الإخوان، وهذا إجماع وطني يصعب التبرؤ منه، وأيّ تيار يفتح الباب لعودة الإخوان سيقحم نفسه في صدام غير محسوب العواقب.

محمد سامي: الطنطاوي لا يجيد توصيل رسائله إلى الناس وإذا كان يتمسك بأن الإخوان جماعة دينية فهو مخطئ
محمد سامي: الطنطاوي لا يجيد توصيل رسائله إلى الناس وإذا كان يتمسك بأن الإخوان جماعة دينية فهو مخطئ

وأضاف سامي لـ”العرب” أن الطنطاوي لا يجيد توصيل رسائله إلى الناس، وهذه مشكلة، ولكن إذا كان يتمسك بأن الإخوان جماعة دينية فهو مخطئ، لأنها تنظيم سياسي ديني ارتكب جرائم، وأيّ مرشح يؤيد عودة الإخوان إلى المشهد ستكون حظوظه في انتخابات الرئاسة ضعيفة، لأنه يخسر دعم كيانات وطنية مهما كانت مواقفها من النظام، معارضة أو في خلاف مع السلطة، فالتقارب مع الإخوان أشبه بالانتحار السياسي.

ويبدو أن ما تفعله دوائر قريبة من الحكومة بالتضييق على الطنطاوي ليس موجّها لشخصه، بل لجماعة الإخوان التي تصطف خلفه كنوع من الثأر السياسي من السلطة، وهو ما يصعب قبوله من نظام جاهد لإعادة بناء الدولة بعد أن تهدمت أركانها بسبب جرائم الجماعة.

وضاعف الإخوان من جرعة التشكيك في شعبية الرئيس عبدالفتاح السيسي وإظهار تزايد الرفض له في أوساط المصريين، وضرب مصداقية الانتخابات أمام الرأي العام. وعكس التصعيد السياسي من أحزاب وقوى مدنية قريبة من السلطة ضد الطنطاوي أن عملية ترشحه كمعارض وطني لا تستقيم مع دعمه جماعة إرهابية محظورة رسميا، حيث تنطوي على دعوة صريحة لعودة البلاد إلى الوراء.

ويتمسك النظام المصري بالتعامل مع تحركات الطنطاوي بمنهج القطعة قطعة، وتركه يحرق نفسه ويعرقل سعيه لجمع التوكيلات المطلوبة لترشحه من دون أن يتهور في القبض عليه أو محاكمته بتهمة تهديد الأمن والاستقرار، في ظل الظرف السياسي الحرج، وإمكانية توظيف ذلك دوليا، مع تمدد نشاط جماعة الإخوان خارجيا.

ويدرك تنظيم الإخوان عدم القدرة على المشاركة في الانتخابات بمرشح خفي أو غير معروف بانتمائه له، ولذلك اهتم أن يبادر أيّ مرشح محتمل بالتعاون معه مقابل دعمه إعلاميا وميدانيا، وهو ما ترفضه قوى سياسية معارضة للسلطة في الداخل خوفا من التوابع الخطيرة، الأمر الذي أكده انقلاب الحركة المدنية على الطنطاوي مؤخرا.

4