المعارضة المصرية تلوّح بالانسحاب من الحوار

القبض على أقارب وأنصار لأحمد الطنطاوي يغضب الحركة المدنية.
السبت 2023/05/06
دعم السيسي للحوار لا يضمن نجاحه

أثار إلقاء السلطات المصرية القبض على أقارب وأنصار لرئيس تيار الكرامة السابق أحمد الطنطاوي غضب المعارضة المدنية التي لوحت بالانسحاب من الحوار الوطني الذي انطلق الأربعاء، وهو ما يقلل بحسب مراقبين من فرص نجاحه.

القاهرة - وجدت المعارضة المصرية المنقسمة على نفسها في واقعة إلقاء أجهزة الأمن القبض على أقارب وأنصار رئيس حزب تيار الكرامة السابق أحمد الطنطاوي، فرصة سانحة للتلويح بالانسحاب من الحوار الوطني بعد عقد جلسة افتتاحية شهدت تمثيلا واسعا لطيف سياسي ومجتمعي وحقوقي واقتصادي.

وضع إلقاء القبض على أقارب وأنصار للطنطاوي المزيد من العراقيل والمطبات أمام الحوار الوطني، الذي لم يشرع بعد في تناول ملفات سياسية واقتصادية ساخنة.

قالت الحركة المدنية المعارضة، التي تضم في عضويتها أحزابا وشخصيات معارضة، في بيان لها، الجمعة إنها تدرس بعناية ما وصفته بـ”التطورات المعيقة لنجاح الحوار” لتحدد جدوى استمرارها في المشاركة، وستتحلى بأقصى درجات ضبط النفس، لكنها تؤكد أن الاستمرار في ظل هذه الأجواء أمر بالغ الصعوبة.

وأشارت إلى أن قبولها المشاركة في الحوار جاء بعد أن تلقت تعهدات باستكمال الضمانات التي طالبت بها وتوافقت عليها مع الجهة الداعية إلى الحوار خلال أيام قليلة من الجلسة الافتتاحية، وفوجئت بالقبض على اثنين من أقارب وأنصار الطنطاوي الذي من المحتمل خوضه الانتخابات الرئاسية.

سيد عبدالعال: الحكومة لديها رغبة حقيقية في الانفتاح على جميع القوى السياسية باستثناء تنظيم الإخوان
سيد عبدالعال: الحكومة لديها رغبة حقيقية في الانفتاح على جميع القوى السياسية باستثناء تنظيم الإخوان

بعثت واقعة القبض على أقارب وأنصار الطنطاوي، الخميس، بإشارات متضاربة، لأن جهات رسمية تعهدت بإنجاحه، وجاءت الدعوة إليه من الرئيس عبدالفتاح السيسي الذي حرص على المشاركة في الجلسة الافتتاحية بكلمة مسجلة، ودائما ما كان حريصا على أن يتجه الحوار إلى محطة جلسات النقاش المباشرة في القضايا المختلفة.

يشير إلقاء القبض على أقارب وأنصار الطنطاوي إلى وجود أبعاد أخرى في الأمر قد لا تتعلق بإفشال الحوار، خاصة أن الحادثة تبدو إجراء أمنيا فرديا وليس موقفا عاما للحكومة من الجلوس مع المعارضة، حيث تحتاج الأولى إلى الحوار بحثا عن إيجاد أفق يخفف حدة التململ من الأزمات الاقتصادية والأوضاع المعيشية الصعبة.

ولا ترتاح جهات حكومية من عملية الهبوط من الخارج لتحقيق مكاسب سياسية في الداخل، فمنذ أن أعلن الطنطاوي عن عودته إلى البلاد (اليوم السبت) لم يحظ بترحيب واضح من دوائر رسمية أو أحزاب معارضة، بما فيها التي تنتمي إلى الحركة المدنية ذاتها، والتي أكدت أن خطوته في العودة والترشح جاءت دون تنسيق معها.

وذهبت المعارضة إلى الحوار وهي تعاني انقساما حادا بين مؤيد للمشاركة ورافض لها، وقد تجد في تصرف إلقاء القبض على أقارب الطنطاوي فرصة مؤاتية للانسحاب من الحوار، وتشكيل أداة ضغط قوية على جهات رسمية، وتبعث برسائل مفادها أن الانسحاب هو أول قرار ستتخذه، في حال لم تتجاوب الحكومة مع مطالبها.

ولدى بعض الأحزاب الفاعلة في الحركة المدنية قناعة بضرورة الانسحاب من الحوار حفاظا على ماء وجهها وبذريعة عدم استجابة الحكومة للضمانات التي حددتها منذ أسابيع قليلة، وهو ما يتعارض مع توجهات سابقة ثمنّت أهمية إتاحة الفرصة للمشاركة في الحوار والتريث قبل اتخاذ مواقف حدية بالمقاطعة.

وكان هذا التضارب أحد الأسباب التي قادت مؤخرا إلى تقديم استقالة جماعية لما يسمى بأعضاء المجلس الرئاسي وحكومة الظل والمكتب السياسي لحزب المحافظين.

وتسهل الإجراءات التي يتم اتخاذها على مستوى التضييق في المجال العام وعدم إغلاق ملف المحبوسين على ذمة قضايا رأي، من اتجاه الحركة المدنية نحو الانسحاب من الحوار الوطني، ما قد يفسر اتجاه المنسق العام للحوار ضياء رشوان لتوسيع دائرة الأحزاب التي لديها توجهات معارضة للحكومة للمشاركة في جلساته، وكأنه يتوقع في أي لحظة أن تتخذ الحركة المدنية قرارا بالانسحاب من الحوار.

قال السياسي الليبرالي حسام علي إن عملية إلقاء القبض على أي مواطن ليست في صالح تهيئة المناخ المناسب لنجاح الحوار، والجلسات التي سبقت الحوار واللقاءات التي أجراها منسقه العام مع العديد من السياسيين شهدت تأكيدا على تهيئة المناخ العام وإيقاف إجراءات القبض على معارضين أثناء انعقاده، ووعدا بنقل ذلك إلى أجهزة الدولة.

وشدد في تصريح لـ”العرب” على أن ملابسات إلقاء القبض على أقراب وأنصار الطنطاوي مجهولة حتى الآن، ولا يعد ذلك سببا كافيا للتهديد سريعا بالانسحاب، وإن كان هو حق أصيل للحركة المدنية، لكن يجب التركيز على جوهر القضايا المطروحة على الحوار، والتأكد من نوايا الحكومة للاستجابة لها من عدمها، وفي حال وجود خشونة من الطرف المقابل للمعارضة يمكن في حينه اتخاذ مواقف سياسية قوية.

وأكد حسام علي، وهو أحد المستقيلين أخيرا من حزب المحافظين، على وجود أطراف في الداخل والخارج، لم يسمها، لديها مصلحة في إفشال الحوار، وأن المعارضة عليها تفويت هذه الفرصة، مستدركا أن الواقع يشير إلى أن قرار الحركة المدنية بالإنسحاب هو الأقرب للحدوث، لأنها أعلنت مشاركتها في الحوار بصعوبة بالغة.

يخدم انسحاب الحركة المدنية تنظيم الإخوان، وهو الطرف الوحيد الغائب عن الحوار من القوى السياسية ويعمل بشكل مستمر على التشكيك في فرص نجاحه، وفي حال غابت أقطاب المعارضة الرئيسية، ستتراجع أهمية الحوار الوطني في الوقت الراهن، ما يرجح إمكانية تدخل أجهزة سيادية لإقناع أحزاب معارضة بعدم مقاطعة الحوار.

◙ انسحاب الحركة المدنية يخدم تنظيم الإخوان المسلمين، وهو الطرف الوحيد الغائب عن الحوار من القوى السياسية

وتتوجس جهات حكومية من أي تنسيق خفي بين المعارضة المدنية وتنظيم الإخوان المصنف إرهابيا في مصر، إذ ينطوي اتساع مساحة الحركة المتاحة للأحزاب المدنية والتي تدعم فكرة تكوين المزيد من التحالفات السياسية، على محددين: أحدهما إيجابي والآخر سلبي، من وجهة نظر دوائر رسمية.

ويشير المحدد الأول إلى إتاحة الفرصة لتشكيل المزيد من التحالفات المدنية، ما يعني عدم حصر كافة الأحزاب تحت راية الحركة المدنية، بينما يشير الثاني (السلبي) إلى تصاعد الهواجس حيال إمكانية زيادة تنسيق قيادات في الحركة مع شخصيات معارضة تقيم في الخارج ولها تقاطعات ومصالح مشتركة مع تنظيم الإخوان.

أكد عضو مجلس الشيوخ ورئيس حزب التجمع اليساري سيد عبدالعال أن الحكومة لديها رغبة حقيقية في الانفتاح على جميع القوى السياسية، باستثناء تنظيم الإخوان، وعملت على تحشيد فئات المجتمع المصري لتؤكد أنها تدعم الانفتاح، وأن الجلسة الافتتاحية عبرت عن التنوع السياسي الذي يشكل هدفا رئيسيا من الحوار.

ولفت في تصريح لـ”العرب” إلى أن إذاعة جلسات الحوار كشف عن مساعي الحكومة لتجاوز أي مواقف سلبية، وعلى الأحزاب والقوى السياسية الترفع عن أهدافها الضيقة لصالح تحقيق مصالح الملايين من المواطنين الذين يعولون على نجاح الحوار، ليس فقط على المستوى السياسي، لكن أيضا إيجاد حلول اقتصادية وتحقيق التوازن الاجتماعي.

2